بعد عام على حكم الرئيس مرسي.. مؤشرات اقتصادية محبطة وصراعات سياسية عميقة

معارضوه طالبوه بانتخابات مبكرة.. ومؤيدوه يثمنون إنجازاته في ظل مناخ مضطرب

الحالة الاقتصادية في مصر تدهورت كثيرا بعد الثورة وفي فترة حكم الرئيس مرسي (أ.ب)
TT

عكست المؤشرات السلبية لحالة الاقتصاد المصري أسباب الشعور السائد بالإحباط في أوساط المستثمرين المصريين وخبراء الاقتصاد بعد عام من تولي الرئيس محمد مرسي الحكم، لكن لا يزال فريق العمل الذي شارك الرئيس مرسي في وضع برنامجه الاقتصادي يرون تقدما لا بأس به على عدة أصعدة، خاصة في ضوء حالة الاضطرابات السياسية التي يعمل الرئيس خلالها.

وبينما يضع الخبراء من الجانبين على مكاتبهم تقارير وأرقاما ومؤشرات الاقتصاد لقراءة المستقبل القريب، يجد المواطن المصري نفسه أمام طوابير لا متناهية أمام محطات الوقود، تلاحقه حمى ارتفاع الأسعار، ويؤرقه مستوى الخدمات المتردي.

المؤشرات الاقتصادية التي تصدرها الحكومة تتحدث عن نفسها، فخلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي الحالي بلغ معدل النمو نحو 2.3%، ووصف التقرير الصادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، أمس، أن تلك المعدلات لا تزال عند مستويات متدنية، وأشار إلى أن الاستهلاك النهائي هو المحفز للنمو الاقتصادي، وسط إسهام سلبي للاستثمار في النمو نتيجة تواضع معدلاته.

العجز في موازنة الدولة يتزايد، وسط توقعات حكومية بوصوله إلى 220 مليار جنيه (31.4 مليار دولار) بنهاية العام المالي الحالي، الضغوط على العملة المحلية لا تزال مستمرة وتهدد سعر صرف الجنيه أمام الدولار في البلاد التي تستورد نحو 60% من احتياجاتها من الخارج، مما يؤثر على مستويات التضخم التي تواصل ارتفاعها. وانتقد اقتصاديون أداء الرئيس مرسي بشدة، مشيرين إلى أن السيناريو الأفضل الآن هو تركه منصبه، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة يسبقها بناء مؤسسات الدولة التشريعية، بينما يرى مؤيدو الرئيس أن هذا السيناريو يدخل البلاد في نفق مظلم قد يستمر لسنوات.

تقول الخبيرة الاقتصادية بسنت فهمي، إن كل المؤشرات الاقتصادية لا تشير إلى أي تقدم في البلاد، فمعدلات البطالة والفقر والتضخم ترتفع، وحجم الاستثمارات يتراجع.

وأضافت فهمي أنه رغم ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي للبلاد إلى 16 مليار دولار بنهاية الشهر الماضي، فإن هذا بسبب الودائع الخارجية من الدول العربية وتركيا، التي يمكن سحبها في أي وقت، وتضع مصر في مأزق.

وتابعت: «المستثمرون متخوفون من ضخ استثمارات، والبنك الدولي يرفض تمويل المشروعات، وصندوق النقد لا يريد إقراض مصر، هناك حالة من عدم الثقة باقتصاد البلاد».

وتتبنى فهمي الدعوات التي تنادي بانتخابات رئاسية مبكرة لإنقاذ الاقتصاد، وقبلها يتم إعداد دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات برلمانية. وتابعت: «لا أستطيع أن أتصور الوضع إذا استمر النظام كما هو عليه الآن، الأمر سيكون سيئا للغاية».

وعن تأثير هذا السيناريو على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، تقول فهمي: «عندما يشعر المستثمرون في الخارج بأنك تسير على الطريق الصحيح سيقدمون إليك، وستكون هناك فرص كبيرة فعلا للتشغيل ورفع معدلات النمو، بدلا من الأوضاع الصعبة التي نعيشها الآن».

ويقول مؤيدو الرئيس مرسي إن الاضطرابات السياسية التي أحاطت بالبلاد خلال العام الأول من تولي الرئيس مهام عمله، أدت إلى عرقلة الكثير من الخطط الاقتصادية، إلا أن الدكتور إيهاب الدسوقي، أستاذ الاقتصاد، يرى أن هذا الحديث غير مقبول، فصانع القرار في البلاد هو المسؤول عن تهيئة وخلق المناخ المناسب للعمل حوله، مضيفا: «الآن وبعد مرور عام، لم يتحقق هدف واحد، بل زادت المشاكل، الأداء سيئ للغاية، إذا استمر الوضع على ما هو عليه أكثر من ذلك فلن نجد دولة».

ومع تزايد حالة عدم الرضا عند المواطنين العاديين، ترتفع درجة المخاطر عند رجال الأعمال والمستثمرين الذين يعملون في ظل تلك الأجواء، يقول رجل الأعمال الدكتور وليد جمال الدين، رئيس المجلس التصديري لمواد البناء: «المشكلة الرئيسة أنه لا يوجد انتباه في مصر للنواحي الاقتصادية، ولا الأمنية، وأقصد بالأمنية هو تأمين المواطن العادي فهو أساس التنمية».

يضيف جمال الدين واصفا معاناة فئة من المستثمرين: «هناك مستوردون أجانب يسعون لزيارتك لعقد صفقات تصديرية لمنتجاتنا، وعندما يسمعون عن الاضطرابات في البلاد، يفضلون الذهاب إلى بلاد أخرى.. أضف إلى ذلك عدم توافر العملة الأجنبية في البنوك التي نحتاجها لشراء مستلزمات الإنتاج».

ويرى جمال الدين أن السوق المصرية أصبحت عالية المخاطر، وتابع: «هناك مستثمرون أوقفوا أعمالهم بالفعل في البلاد، وهناك مستثمرون أجانب يسعون للانسحاب من السوق المصرية بسبب الإضرابات المتكررة للعمال».

وعن الفرص الاستثمارية في مصر، يرى جمال الدين أن «القطاع الاستهلاكي قد يكون أفضل الفرص في المجال الصناعي الآن، لكن الصناعات كثيفة العمالة وكثيفة الاستهلاك للطاقة فإن المستثمرين يخشون اللجوء إليها»، وقال: «لا تزال أسعار الطاقة من أحد العوامل التي تؤرقنا، فخطط الحكومة لتحرير أسعار الطاقة للمصانع ليست واضحة، معدلات الزيادة في الأسعار أو الجدول الزمني لرفع تلك الأسعار غير محددة، فلا أحد يستطيع معها أن يحدد تكلفة استثمارية لمشروع جديد يسعى لإقامته».

ويرى أن القطاع العقاري هو أفضل استثمار في الوقت الحالي، نظرا لأن الفجوة بين العرض والطلب لا تزال متسعة، وهي السلعة الوحيدة التي لا يتوقف الطلب عليها، مقارنة بسلع معمرة أخرى.

وقالت الحكومة المصرية إن معدلات الاستثمار تؤثر سلبيا على معدلات النمو، ووصل إجمالي الاستثمارات في البلاد خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي الحالي 180 مليار جنيه (25.7 مليار دولار)، وهو ما يمثل 14% من الناتج المحلي الإجمالي، ومثلت استثمارات القطاع الخاص خلال تلك الفترة 72% من إجمالي تلك الاستثمارات، وكانت 83% من إجمالي تلك الاستثمارات عبارة عن توسعات للشركات القائمة.

وبلغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال النصف الأول من العام المالي الحالي نحو 301 مليون دولار، وسط توقعات حكومية بوصولها إلى 400 مليون دولار بنهاية العام المالي الحالي، وذلك مقارنة بمتوسطها خلال العامين الماليين الماضيين البالغ ملياري دولار.

يقول محمد جودة، عضو اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة الذي ينتمي إليه الرئيس، إن تقييمه لأداء الرئيس والحكومة في ظل الاضطرابات التي تعيشها البلاد لا يقل عن 80%. وأضاف جودة: «إن هناك إنجازات للرئيس مرسي يشار إليها بالبنان، مثل التحسن في رغيف الخبز، وانتهاء أزمة أنابيب البوتاجاز، وتعكس أيضا بحسب جودة المؤشرات الاقتصادية بعض إنجازات الرئيس، بعدما انخفض العجز في ميزان المدفوعات من 11.2 مليار دولار إلى 2.1 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي الحالي، فهذا تعبير واضح على تحسن الصادرات وثبات الواردات، وزيادة معدلات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج».

وقال: إن الحكومة تعمل على قدم وساق لتحسين معيشة المواطن، مشيرا إلى أن الحكومة ستعلن عن خريطة استثمارية بعد أيام، وطرح مشروعات كبرى ستقلص من معدلات البطالة التي ارتفعت في البلاد.

وتابع: «الرئيس والحكومة يعملان على ثلاثة محاور، الأول حل المشكلات الحياتية العاجلة للمواطن العادي. وبدأ الرئيس بها عندما تحدث عن برنامج المائة يوم، وثانيا التعامل مع المشكلات التي تفرض نفسها والتي تتعلق بالسياسات المالية والنقدية فيما يخص عجز الموازنة والدين العام واحتياجات العدالة الاجتماعية فيما يتعلق بزيادة الأجور وخلافه، وقضية التعامل مع السياسة النقدية ومعدلات الصرف وغيرها، وأعد لذلك خطة إصلاح مالي ونقدي، والحكومة بذلت فيها مجهودات وقطعت فيها شوطا كبيرا.. والمحور الثالث هو إعادة هيكلة الاقتصاد المصري وهي قضية التنمية الحقيقية لمصر، فأصل الداء هو الخلل الهيكلي في طبيعة الاقتصاد المصري، ولا بد أن يتم هيكلته بشكل حقيقي لكي نهيئ الاقتصاد للنمو والتطور القدرة على المنافسة الدولية».

وأشار إلى أن «تطلعات المصريين وطموحاتهم بعد الثورة بلغت عنان السماء، والمصريون تخيلوا أنه بعد أن قامت في مصر ثورة، سنصبح مثل سويسرا والسعودية.. لكنه إحساس نفسي غير علمي وغير موضوعي».

ووعد الرئيس مرسي في برنامجه الانتخابي المصريين، بتحسين أحوالهم، وتحقيق عدالة اجتماعية، وإحداث نقلة نوعية للاقتصاد المصري وفق برنامج النهضة.

«البرنامج الانتخابي كانت يتحدث عن مشروعات متكاملة لا تجنى ثمارها إلا بعد سبع سنوات، وهذا حد أدنى تستطيع من خلاله تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي وتجني ثماره، فالناس لم تستطع أن تفرق بين المشروع الاقتصادي بعدما يكتمل وما سيشعر به بعد ستة أشهر وسنة»، كما يقول جودة.

وقال جودة إنه إذا ظلت الاضطرابات السياسية في البلاد كما هي، سيظل الاقتصاد المصري دون تحسن ولن تتجاوز معدلات النمو 3%، وتابع: «إنهاء تلك الاضطرابات كفيل بدفع معدلات النمو إلى 8% خلال عام».

وأضاف أن كل من يتحدث عن انتخابات رئاسية مبكرة، لا يعرف ما تمر به مصر الآن، فبهذا السيناريو ستدخل البلاد في نفق مظلم وسينهار الاقتصاد، وتابع: «الذين يدعون لذلك يعرفون هذا الأمر وعواقب تلك الأفعال أو أنهم مغيبون».