المحاسب القانوني.. وكشف خلايا التجسس

سعود الأحمد

TT

ما زلت أتذكر تصريحا كان للصحف السعودية (في 4 مارس «آذار» 2011)، على لسان رئيس هيئة المحاسبة والمراجعة الخليجية الدكتور محمد آل عباس قال فيه: «إن عملية غسل الأموال في المنطقة زادت بشكل كبير، في ظل سهولة انتقال الأموال بين الدول والتسهيلات الكبيرة المقدمة لاستقطاب الاستثمارات من الخارج»، وأضاف أنه «في ظل التطورات الاقتصادية التي تميزت بها دول المجلس، أصبحت المنطقة هدفا لعصابات الجرائم المنظمة، نظرا للبيئة الاقتصادية المتنوعة والجيدة التي تمنح فرصة لإخفاء هذه النشاطات تحت غطاء الاستثمارات، وبالتالي يمكن نقل الأموال بين الدول دون لفت الأنظار إلى مصادر هذه الأموال أو الوجهة الحقيقية لتشغيلها». هذا التصريح الذي أشكره عليه، أعتقد أنه لم يجد الآذان الصاغية! وأتذكر هذا التصريح بمناسبة اكتشاف بعض خلايا التجسس وجرائم نقل وغسل الأموال عبر البنوك الخليجية لصالح جهات معادية، ثم إن هذا التصريح يقود إلى فكرة تجنيد المحاسبين القانونيين للتعاون مع الجهات الأمنية للإبلاغ عن أي عمليات مشبوهة، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي. فمثل هذا التعاون يحتاج إلى تغطية نظامية ومهنية. لأن المحاسب القانوني أو مراجع الحسابات يعتبر أمينا على المعلومات التي يطلع عليها، ولا ينبغي له التصريح بأي شيء عنها إلا للجهة التي يوجه لها تقرير المالي، وفيما يتعلق بالمهمة المكلف بها فقط.. فكيف تمكن معالجة هذا الأمر؟! ولا يغيب عن الذهن أنه ما من جريمة إلا ويتبعها عمليات دفع وتحويل أموال للداخل أو للخارج. ولا ننسى أن الحس الرقابي لممتهني المحاسبة والمراجع المالية يمكّنهم (وبسهولة) تمييز وكشف معظم الجرائم المالية. ليس فقط في مجال الكشف عن جرائم غسل الأموال، ولكن ذلك يشمل جرائم تهريب الأموال نظير العمليات المشبوهة، وتهريب وترويج المخدرات، والمتاجرة في الرذيلة، واستيراد وتصدير أعضاء البشر، وتزييف العملات بالداخل واستيراد المزيف منها، وتهريب الأموال للخارج، وعمليات التهرب الضريبي والزكوي، والرشوة، وبقية أعمال الغش والتدليس بأنواعها. فهذه العمليات تكون (في الغالب) لأشخاص غير تجاريين، وتختلف عن غيرها في شرح قيودها المحاسبية في اليومية العامة وفي حسابات الأستاذ الفرعية، بأنها ليست نظير بضائع أو خدمات معتادة تدخل ضمن النشاط المتكرر للمنشأة! أو تكون بمبالغ يستطيع مراجع الحسابات ملاحظة قيمها بأنها غير عادية. فمراجع الحسابات يعلم أن لكل قيد مقابلا له، إما في صورة بضائع تدخل المستودعات، أو خدمات تسهم في خدمة نشاط المنشأة. في حين يلاحظ على بعض دفعات الأموال نظير العمليات المشبوهة أنها تخرج في هيئتها عن النشاط الاعتيادي.

ولذلك، فمراجع الحسابات وبحكم عمله يطلع على المستندات المؤيدة للقيد المحاسبي أو ما يسمى بالإثبات المحاسبي. لذلك، فإنه يستطيع تقديم خدمات ذات قيمة للجهات الأمنية.

الذي ينبغي التأكيد عليه أن الخدمات الأمنية التي يمكن أن يقدمها المحاسب القانوني ومراجع الحسابات في مجال الكشف عن الجريمة، تجعل له دورا لا يستهان به. لكن هذا التعاون للكشف عن خيوط الجرائم يحتاج إلى تكييف قانوني، بما يكفل حقوق أصحاب المنشآت في الحفاظ على سرية معلوماتهم.. وعدم المساس بها إلا في حدود ضيقة جدا، وبما يحقق المصلحة العامة، خصوصا في مسائل الجرائم المالية التي تهدد الأمن الوطني. ولا بأس أن يكون لذلك مقابل مجزٍ لمصلحة مكاتب المحاسبة والمراجعة نظير وقتها ومجهوداتها.

[email protected]