الاقتصاد التركي يظهر مؤشرات ضعف

وزير المالية أرجعها إلى الظروف الاقتصادية العالمية

TT

يواجه الاقتصاد التركي الذي قدم على أنه نموذج سليم بين الدول الناشئة، عواقب التباطؤ الاقتصادي العالمي وكذلك انعكاس القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية في الولايات المتحدة.

وأول من أمس غداة قرار البنك المركزي زيادة أحد معدلات الفوائد الرئيسة بهدف احتواء تدهور سعر صرف الليرة التركية، أعلن وزير المالية أن بلاده قد تعيد النظر بالأهداف التي توقعتها للنمو إلى أقل من 4 في المائة في 2013.

وأعلن محمد سيمسك أن «قرارات الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) والظروف الاقتصادية العالمية أوجدت مخاطر دفعت إلى إعادة النظر بخفض التوقعات»، مؤكدا في الوقت نفسه أن بلاده ستواصل انتهاج سياسة الانضباط المالي الصارم.

وقال إن قرار التأكيد في هذا الشأن سيتخذ في الأسابيع المقبلة، معربا عن الأسف للانكماش في منطقة اليورو، أبرز شريكة اقتصادية لتركيا المرتبطة جدا بها.

وقرر البنك المركزي التركي زيادة 75 نقطة أساسية على معدل الفائدة على المدى القصير والذي انتقل من 6,50 في المائة إلى 7,25 في المائة. والهدف هو استقرار الليرة التركية التي فقدت 8,5 في المائة من قيمتها مقارنة بالدولار منذ شهر مايو (أيار).

وباعت السلطات النقدية 6,4 مليارات دولار في محاولة لإعادة رفع سعر صرف العملة الوطنية منذ بداية يونيو (حزيران)، لكن هذا التدخل لم يعط سوى مفاعيل محدودة جدا.

وقال معمر كومورجو أوغلو الخبير الاقتصادي في بنك «آي إن جي»، إن «الوزير أعلن ما كان الجميع يخشاه. وهو أن التوقعات بتحقيق 4 في المائة (من النمو) لهذه السنة تصبح أقل ترجيحا».

وبحسب هذا المحلل، فإن البنك المركزي قد يقرر في الأشهر المقبلة زيادة معدلات فوائده مرة أخرى وببضع مئات النقاط بالتأكيد بهدف جذب الرساميل الأجنبية التي تشكل عنصرا أساسيا لسلامة الاقتصاد التركي ونموه.

ويوافق على هذا الرأي المحللون في بنك باركليز الذين يعتبرون أن البنك المركزي التركي قد يجد نفسه مدفوعا إلى زيادة معدلات فوائده مرة جديدة إذا بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في الخريف سحب دعمه الاقتصاد الأميركي.

وبضخه عشرات مليارات الدولارات كل شهر في البنيات المالية، أسهم البنك المركزي الأميركي في إغراق الأسواق الناشئة بالسيولة. وسحب هذا الدعم هو الذي يخيف اليوم تركيا حيث أسهم احتمال تراجع هذه الرساميل الأجنبية مصحوبا بالاضطرابات الاجتماعية الأخيرة، في خفض قيمة الليرة التركية.

واعتبر خبراء مكتب الاستشارات في «كابيتال إيكونوميكس» أن الليرة والسندات التركية المسعرة بالدولار، الأكثر أداء في المنطقة الأوروبية الناشئة في بداية العام، أصبحت الأقل أداء.

وقال مكتب «كابيتال إيكونوميكس»: «نعتبر أن حاجات التمويل الخارجي ستبقي الليرة تحت الضغط التي ستفقد من سعر صرفها ليصبح سعر الدولار 2,05 ليرة تركية من الآن وحتى نهاية 2014».

والليرة التركية التي سجلت رقما قياسيا من 1,98 (مقابل الدولار) في بداية الشهر، جرى التداول بها الجمعة بسعر 1,92 للدولار الواحد مقابل 1,80 في مايو (أيار) الماضي.

وفضل رئيس الحكومة الإسلامية المحافظة رجب طيب أردوغان حتى الآن انتهاج سياسة معدل فائدة متدن لكي لا يبطئ النمو مع اقتراب الانتخابات البلدية والرئاسية المتوقعة في 2014.

لكن يتعين على الحكومة التركية من الآن فصاعدا أن تأخذ في الحسبان زيادة الأسعار التي تفاقمت بفعل تدهور سعر صرف الليرة في بلد يسجل فيه الميزان التجاري عجزا.

وبعد أزمة مالية خطيرة في 2001، دخل الاقتصاد التركي في فترة من النمو القوي بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002 (منبثق من التيار الإسلامي) مع أرقام قياسية من 8 في المائة في 2010 و2011.

لكن القفزة التركية التي أثارت غيرة الشركاء الأوروبيين عادت وتراجعت مع نمو من 2,2 في المائة في 2012 وتضخم تسارعت وتيرته إلى 8 في المائة وفق وتيرة تراجعه السنوية في يونيو (حزيران). وتوقعت الحكومة تضخما من 5 في المائة في نهاية العام.

ويشير المراقبون أيضا إلى أن اقتصاد تركيا سجل ضعفا بسبب وضعها الجغرافي في منطقة تشهد اضطرابات كبرى تهز الدول المجاورة لها، أي سوريا والعراق وإيران ومصر.

وخلافا لكل الدول الناشئة الأخرى، مثل الهند والصين أو البرازيل، تملك تركيا القليل من الموارد. وبالتالي فإن الاستثمارات الأجنبية تشكل حاجة لا مفر منها لتمويل النمو.