شركات مصرية تزدهر رغم الأزمة الاقتصادية

بعضها يشهد مبيعات بمعدلات أفضل من أي عام مضى

مزارع الأسماك انتشرت بشكل كبير في مصر (الشرق الأوسط)
TT

تواجه الشركات الصغيرة في مصر مصاعب منذ الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في 2011، لكن الشركات تبلي بلاء حسنا في بعض قطاعات الاقتصاد.

وفي ظل القلاقل، نضبت القروض والعملة الصعبة، وتوقف المسؤولون الحكوميون عن أخذ القرارات واختفى الأمن تقريبا من الشوارع، وتأثرت المصانع والورش بتعطل إمدادات وقود الديزل والبنزين المدعم وبانقطاعات متكررة في الكهرباء مع تناقص الاحتياطيات الدولارية التي تحتاجها الحكومة لتمويل شراء المنتجات البترولية من الخارج.

وأغلق العمال الغاضبون المصانع والموانئ على نحو متكرر.

لقد نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي لا يتجاوز 3.‏2% على مدى الأشهر التسعة حتى نهاية مارس (آذار)، وهو مستوى أقل بكثير من معدل الـ6% الضروري لاستيعاب الوافدين الجدد إلى سوق العمل.

لكن بالنسبة لكثيرين في قطاعات الإنتاج الغذائي ومواد البناء وأنشطة أخرى، ما زال الطلب قائما حتى مع تباطؤ الاقتصاد.

وقال طاهر جرجور، العضو المنتدب لشركة «ليسيكو» للأدوات الصحية والسيراميك: «العام الماضي كان الأفضل لنا على الإطلاق في السوق المصرية من حيث حجم المبيعات وقيمتها، والعام الحالي سيكون أفضل. نبيع المزيد بأسعار مرتفعة وعلى نحو غير مسبوق في أي عام مضى.. ولا حتى في أفضل سنوات اقتصاد مبارك عندما كان نمو الناتج المحلي الإجمالي في ذروته».

وبينما يعاني كبار المقاولين من جراء شح المشاريع، تورد «ليسيكو» المراحيض والبلاط لشركات البناء الصغيرة والأفراد الذين يستغلون حالة التراخي في تطبيق قواعد تراخيص البناء.

ويكتسي الأفق بلون الطوب الأحمر في أنحاء البلاد، حيث يبني الناس طوابق مخالفة، ويشيدون بالخرسانة والطوب المحروق على الأراضي الزراعية وفي مناطق أخرى يحظر البناء فيها.

وتتعزز طفرة البناء أيضا بتنامي أعداد المصريين في سن الزواج.

وقال جرجور: «من ناحية أخرى، فعدم التيقن الذي يشوب الاقتصاد وقوة الجنيه المصري تجعل الناس تتجه إلى العقار كاستثمار آمن».

وقفز صافي ربح «ليسيكو» 28% على أساس سنوي إلى 3.‏16 مليون جنيه مصري في الربع الأول من 2013 وزادت الإيرادات 15% إلى 9.‏331 مليون جنيه.

ويقول حسين منصور، الرئيس التنفيذي لشركة «ألير أكوا إيجيبت» التي تنتج مكورات الأعلاف الطافية للمزارع السمكية، إن بيئة العمل أصبحت لا تطاق.

وقال منصور: «مشكلة العملة في مصر تزيد صعوبة الاستيراد.. نقص الديزل يضر بالإنتاج. الأجور تزيد وتوفير الأمن على الطرق أصبح مشكلة».

وتزاحم الحكومة المقترضين من القطاع الخاص بسبب اقتراضها لتمويل عجز الميزانية الأخذ بالتنامي.

وتتراجع القروض المصرفية وتتشدد البنوك في الضمانات المطلوبة وتضع مزيدا من الشروط. وقال منصور إن الفائدة السائدة الآن 18% عدا الرسوم الإدارية.

وبسبب صعوبة تدبير الائتمان، تضطر الشركات إلى الدفع المقدم نقدا وهو ما يحتجز رأس المال ويضر بالشركات التي لمنتجاتها تاريخ صلاحية.

وقال منصور: «زمن التحصيل الذي كان يستغرق أسبوعا قد يستغرق الآن شهرين. يؤثر هذا على الشركات الصغيرة والكبيرة على حد سواء».

لكن هذا لم يمنع «ألير أكوا»، وهي شركة مصرية دنماركية، من استغلال التباطؤ الاقتصادي لبناء مصنع جديد في مدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة).

وقال منصور: «مقاولون كثيرون يعانون لأن السوق في وضع سيء. كثيرون أوقفوا أعمالهم».

ومصر من كبرى الدول المنتجة للسمك البلطي في المزارع السمكية على مستوى العالم، ويتركز إنتاجها في دلتا النيل حيث يربى السمك في حقول الأرز المغمورة بالمياه. ويعمل في «ألير أكوا» 40 عاملا دائما ومثلهم من العمالة المؤقتة، ويستخدمون الصويا والذرة ومسحوق السمك ومواد خام أخرى مستوردة لإنتاج 20 بالمائة من علف السمك الطافي المستخدمة في البلاد.

وقال منصور إن المصنع الجديد سيزيد طاقة الشركة إلى ثلاثة أمثالها لتصبح أكبر منتج للعلف الطافي في السوق المصرية سريعة النمو.

ويقول همام العبد، الرئيس التنفيذي للشركة الغربية للنظم الميكانيكية والإلكترونية، إن الائتمان مبعث قلق.

وقبل انتفاضة 2011، كان من النادر أن يطلب من الشركات الصغيرة تقديم خطابات ضمان عند الشراء بالتقسيط، لكنه إجراء عادي الآن. وبعد أن كان البنك يطلب في الظروف العادية دفعة مقدمة بين 30 و40%، يقول العبد إنهم يطلبون الآن 100%.

وقال: «التأثير كبير. المبيعات تراجعت، والنفقات زادت، وتمويل أشياء أساسية تشتريها وتبيعها أصبح مشكلة».

ونال هذا من مبيعات الشركة التي تنتج الموازين الإلكترونية ونظم التحكم الصناعي، لكنها وجدت بديلا للسوق المحلية.

وقال العبد: «من دون عقودنا خارج مصر، كان الوضع سيزداد سوءا»، مضيفا أنه تحول بشكل خاص إلى السوق الليبية.

وساعدت الصادرات العبد على تفادي مشكلة العملة الصعبة الضرورية لتمويل الواردات التي أثرت سلبا على كثير من الشركات الأخرى.

وشددت الحكومة القيود على العملة الصعبة بعد تهافت على بيع الجنيه في ديسمبر (كانون الأول)، وأعطت الأولوية لمستوردي السلع الضرورية مثل المواد الغذائية الأساسية.

لكن حتى مستوردي تلك السلع الذين يحق لهم شراء العملة بالسعر الرسمي اضطروا لتدبير بعض احتياجاتهم من السوق السوداء، حسبما ذكر منصور.

بل إن البنوك تطلب مستندات جديدة.

وقال منصور: «يجب على الشركات تقديم أوراق التخليص الجمركي للبنوك. لا يسمح للشركات بسحب أكثر من 30 ألف دولار يوميا، لذا قد يستغرق الأمر أسبوعين أو أكثر لإتمام عملية استيراد كبيرة».

وقال العبد: «لدينا مشاكل في إقناع المستثمرين الأجانب بالعمل معنا أو بتمويل ما نستورده منهم أو السماح لنا بالسداد لاحقا على دفعات. جميعهم يطلبون الدفع مقدما مقابل أي شيء سيصدرونه إلى هنا».