مغامرون يستغلون أزمة الاقتصاد السوري في «زمن الحرب»

الأسعار صعدت 300%.. والحليب والمواد الغذائية أهم البضائع

TT

يقوم السائق مصطفى دمير برحلة منتظمة من تركيا إلى الحدود السورية بشاحنته المحملة بالزيوت النباتية لبيعها إلى مقاتلي المعارضة الذين يحتاجون بشدة إلى هذه الإمدادات بعد أن سدت الحرب القنوات التجارية المعتادة.

ويقول دمير في تقرير لـ«رويترز»: «هناك طلب كبير للغاية من الجانب السوري. طلب على كل شيء. ففي المرة الأخيرة كنت أنقل مناديل ورقية».

وأضاف دمير (55 عاما) وهو يقف بجوار شاحنته في مقدمة طابور من الشاحنات التي تنتظر المرور من معبر أونجو بينار الحدودي التركي المزدحم: «عادة ما أسلم البضائع إلى مقاتلي المعارضة السورية على الجانب الآخر. يجلبون معهم شاحنتهم الخاصة وتتم عملية النقل في الجانب الآخر. ثم أغادر بعد ذلك».

وثمة مئات الشاحنات المحملة عن آخرها ببضائع مختلفة من زيت الطهي إلى الإسمنت وحفاظات الأطفال تقف في طوابير ممتدة لأميال عند أونجو بينار الذي بات الآن مركزا نشطا للتجارة مع سوريا.

وفي معابر أخرى على طول الحدود السورية الجبلية مع تركيا يمكن رؤية أشخاص يحملون حقائب ممتلئة ببضائع مثل حليب الأطفال المجفف لبيعه في سوريا التي ترتفع فيها أسعار المواد الغذائية.

تلك المشاهد التي تحدث بمحاذاة الحدود تأتي في إطار تحول أوسع نطاقا في نماذج التجارة مع سوريا التي يوفر فيها الصراع الذي دخل عامه الثالث فرصا متزايدة لمن يقدم على المخاطرة.

وقال توربيورن سولتفيت من «مابلكروفت لاستشارات المخاطر»: «الوضع الفوضوي في سوريا مع ضعف السيطرة المركزية على الاقتصاد وفر فرصا جديدة لهؤلاء التجار الأجانب الذين لا تربطهم علاقات وطيدة بالنظام».

وفي ظل اقتصاد الحرب يستطيع التجار المخضرمون أبرام صفقات للسلع الأساسية تناسب الظروف المحلية ومن المستبعد أن تتضرر السوق السوداء كثيرا من أي ضربات جوية أجنبية موجهة للرئيس السوري بشار الأسد.

وفي ظل الفوضى الناجمة عن حرب أودت بحياة ما يربو على 100 ألف شخص وأجبرت الملايين على مغادرة منازلهم يجد المهربون والوسطاء والشركات الصغيرة العاملة مع وكلاء الشحن سبلا للقيام بأنشطة مربحة إذ يعملون من دول مجاورة مثل لبنان.

وقال مصدر بالشرق الأوسط يعمل في تجارة السلع الأساسية مع سوريا: «كل من سيتاجر مع سوريا أيا كان سيحقق ربحا بسبب المخاطر والحرب. فالسوريون يدركون أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها الحصول على السلع»، وبسبب تفاقم الصراع وتزايد مشكلات الدفع التي يواجهها الموردون في صفقاتهم مع سوريا تزداد الشركات الدولية الكبرى خشية من التجارة.

ويؤكد مصدر ملاحي في أوروبا قائلا: «ما نشهده هو صعود الشركات الصغرى التي تقود هذه التجارة الآن».

وأضاف: «لا يريد ملاك السفن تحمل مخاطرة التأمين التي تصاحب إرسال السفن إلى سوريا. ما نراه هو أن الموردين ينقلون البضائع إلى موانئ مثل مرسين التركي ثم تتسلمها شركات محلية من هناك».

ويقول وكلاء شحن وسائقو شاحنات ومسؤولون محليون، إن طريقا جديدا للتجارة ظهر بين ميناء مرسين التركي المطل على البحر المتوسط الذي تصل إليه البضائع الموجهة إلى سوريا لإعادة تعبئتها والمنطقة الفاصلة داخل سوريا، حيث يتسلم السوريون هذه الشحنات وأغلبهم من المعارضة.

واستحدثت التجارة الحدودية النشطة طريقا أكثر ربحية لسائقي الشاحنات، بل ودفعتهم إلى التوقف عن نقل الشحنات الموجهة إلى مناطق بعيدة، إذ إنهم يستطيعون تحقيق نفس الأرباح بالقيادة لمسافة قصيرة من مرسين إلى المنطقة الفاصلة في سوريا.

وقال وكيل شحن في مرسين، إن التجارة مع سوريا تتسبب في ارتفاع الأسعار المحلية، حيث وصل سعر البطاطس الآن إلى خمسة أمثال سعرها المعتاد. وأضاف: «أعمل هنا منذ عقود ويمكنني أن أقول لكم إنه لم تكن هناك تجارة مناسبة من مرسين إلى سوريا. وبعد الحرب نشطت هذه التجارة وكأن خطا جديدا للأنشطة التجارية قد فتح». وفي لبنان أيضا ثمة شركات صغيرة تمد سوريا بالبضائع.

وقال المصدر الذي يعمل في الشرق الأوسط: «ثمة شركات شحن محلية صغيرة ما زالت مستعدة لنقل البضائع بما في ذلك القمح والسكر في حاويات من بيروت إلى سوريا.. ذلك هو السبيل المتبع».

وتابع: «في ظل احتمال تنفيذ ضربات جوية ترك التجار الكبار الساحة، إذ لا يريد أحد المخاطرة».

وقال تجار يعملون في تجارة السكر، إن الصراع المتفاقم في سوريا سيزيد من صعوبة إرسال مواد غذائية إلى البلاد بكميات كبيرة كما يزيد من تهريب السكر إلى سوريا من دول مجاورة مثل لبنان ومصر والعراق.

وقال مصدر أوروبي يعمل في تجارة السكر: «يجري حاليا تهريب الكثير من السكر إلى سوريا»، موضحا أن ذلك الوضع يدق نواقيس الخطر لدى وكالات الإغاثة الدولية.

فيقول مهند هادي المنسق الإقليمي لحالات الطوارئ للازمة السورية ببرنامج الأغذية العالمي لـ«رويترز»: «نشعر بقلق بالغ بشأن توافر المواد الغذائية والأسعار في نفس الوقت. فالأسعار قد ارتفعت بشكل كبير وأحيانا بأكثر من 300 في المائة». وأضاف: «في الأسبوع الأخير في دمشق لاحظنا زيادة في الأسعار. وهناك بعض السلع الأساسية لم تعد متوافرة في السوق».