نائبة رئيس البنك الدولي: هناك حاجة لـ«ثورة اقتصادية» مع الثورات السياسية

إنغر أندرسن قالت لـ «الشرق الأوسط» إن 20% من السوريين يعيشون دون خط الفقر

TT

بينما يشهد العالم العربي تقلبات سياسية تشغل شعوب المنطقة وتحير ساسة العالم بأسره، تؤكد إنغر أندرسن، نائبة رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن هناك حاجة لـ«ثورة اقتصادية» تواكب «الثورات» السياسية في العالم العربي. وتحمل أندرسن مسؤوليات كثيرة في البنك الدولي مع متابعة البرامج الخاصة للبنك في دول عربية عدة، بالإضافة إلى التطورات في الدول العربية وإيران، حتى وإن لم تكن للبنك برامج محددة فيها.

وفي حوار خاص لـ«الشرق الأوسط»، تحدثت أندرسن عن أهمية التعامل مع الضغوط الاقتصادية والمعيشية التي تعيشها سوريا ودول الجوار التي تستقبل اللاجئين السوريين، موضحة أن الاقتصاد السوري يعاني من صدمات عدة يصعب معها التكهن حول آخر الإحصاءات في بلد لا يعمل البنك الدولي فيه. وتشير التوقعات إلى انكماش الاقتصاد بنسبة بين 20 و30 في المائة، بينما نحو 20 في المائة من السوريين يعيشون دون خط الفقر. وتحضر أندرسن اجتماعات حول الأزمة السورية في نيويورك الأسبوع المقبل على هامش اجتماعات الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة. وكانت أندرسن في العاصمة البريطانية لحضور «اجتماع الاستثمار» لـ«شراكة دوفيل» الذي استضافته الحكومة البريطانية كونها تترأس مجموعة الدول الثماني هذا العام. وفي ما يلي أبرز ما جاء في الحوار:

* سعى اجتماع «دوفيل» في لندن إلى دفع الاستثمار في الدول التي تشهد انتقالات سياسية في العالم العربي، ولكن نرى التحديات تزداد في تلك الدول، فكيف يمكن أن تشجع هذه التقلبات سير الاستثمار؟

- من المثير للإعجاب الحضور الواسع الذي تمتع به الاجتماع من القطاع الخاص والمنظمات المالية الدولية، وعلينا الثناء على الحكومة البريطانية لنجاح الاجتماع لأن الوضع في المنطقة معقد حاليا، ولكن جاء المشاركون، وصدرت أربع رسائل مهمة، أولاها أن هذه المنطقة ستحتاج جهودا واسعة لتعظيم الاستثمارات فيها لكن القطاع الخاص لن يكون الأول. الأوضاع غير مستقرة ولذا فالقطاع الخاص لن يندفع، مما يعني أن القطاع العام عليه الدخول بقوة في هذا المجال. وهناك الرسالة الثانية وهي أنه على المؤسسات المالية الدولية أن تشارك في الاستثمار بتوصيل الخدمات لكي يرى الشعوب تحسن الحالة المعيشية مثل تزويد الرعاية الصحية وفتح المدارس وغيرهما من المتطلبات، بالإضافة إلى الاستثمار في مشاريع البنى التحتية التي قد تستغرق سبعة أو ثمانية أعوام لتحقيقها لكنها ستجعل البنى التحتية جاهزة عندما يبدأ النمو الاقتصادي الحقيقي. والرسالة الثالثة هي أنه يجب منح الحكومات في هذه الدول المساعدات السريعة، ومن بين ذلك دعم الميزانيات مثلما رأينا من بعض دول الخليج في بعض الحالات، ولكن ما زال هناك نقص في التمويل. والرسالة الرابعة هي الحاجة إلى إصلاحات تقوم بها الحكومات، وبعضها من السهل إنجازه مثل إعداد قانون خاص للمنظمات غير الحكومية وفرض شفافية أكبر في ما يخص الميزانية بالإضافة إلى إعداد قانون حرية الوصول إلى المعلومات. وهذا سيسمح للمزيد من الثقة بين الحكومات وشعوبها.

ثم إن هناك الخطوات الأصعب، مثل التوصل إلى استقرار الاقتصاد الكلي ووضع شبكات الأمن الاجتماعي لحماية الفقراء عند رفع الإعانة عن المواد الأساسية. وكان هناك اتفاق عام على هذه الرسائل، لجلب القطاع الخاص وإشراكه، وهناك مشاكل في بيئة الاستثمار من الضروري معالجتها من خلال تقليل البيروقراطية وضمان الشفافية أمر مهم. هذه الإصلاحات ممكنة ولكنها تحتاج إلى جهود مجدية. وعدد من الحكومات تركز حاليا على وضع دستور جديد ولكن بعد الانتهاء من هذه المرحلة يمكنها التركيز على هذه القضايا، ولكن نقول دوما بأن الثورات السياسية حصلت، ولكن يجب أن تكون هناك أيضا ثورات اقتصادية، ولا يمكن أن تحدث بتسلسل وحدة تلو الأخرى بل يجب أن تكون الثورتان السياسية والاقتصادية متزامنتين.

* تحدثتم عن أهمية تحقيق إنجازات سريعة لترى الشعوب فائدة من التغييرات في الحكم السياسي، ولكن مر أكثر من عامين ونصف العام على الثورات وتعاني تلك الدول من أزمة تلو الأخرى، فأين هذه الإنجازات التي يدعمها البنك الدولي؟

- نعم، ولكن في عدد من الدول، ومنها مصر، أطلقنا عددا من المشاريع، منها تمويل الشركات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، بالإضافة إلى إقرارنا برنامجا في مصر من المتوقع أن يخلق 250 ألف فرصة عمل في مصر وهي غير كافية لكنها بداية لخلق بيئة من الثقة والبناء عليها. وفي تونس والمغرب والأردن بدأ النمو يتقدم على الرغم من بعض التقلبات مثل تدفق اللاجئين إلى الأردن والنقاشات السياسية في تونس.. كما علينا ألا ننسى أنهم يعانون من تبعات الأزمة المالية الأوروبية بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط، ولكن يمكن القول إن العملية السياسية تضع بعض الضغوط على الوضع الاقتصادي. وقمنا بدراسة 103 حالات من الانتقال السياسية المتقلب، وهناك تأثير سلبي على الاقتصاد لأن المستثمرين يتراجعون والاقتصاد ينكمش.

* لننتقل إلى الوضع في سوريا، كيف يمكن للاقتصاد السوري أن يتحمل تداعيات الأزمة؟

- نحن لا نعمل داخل سوريا، فكل ما أقوله بناء على مصادر ثانوية، لأننا ليس لدينا موظفون داخل البلاد، ولكن بناء على ما نسمعه نتوقع تراجع احتياطياتهم بشكل كبير، ولا نعلم ما كانت عليه قبل الحرب، ولكن التوقعات أنها كانت 18 مليار دولار، ونتوقع أنها انخفضت إلى ما دون 9 مليارات دولار، كما نعلم أن الإنتاج النفطي الذي كان أساسيا للاقتصاد سابقا الآن تراجع إلى شبه الصفر، كما أنه من خلال التصوير والخرائط واضح أن هناك دمارا هائلا يؤدي إلى هدم الصناعات في سوريا، بالإضافة إلى هروب الأموال والسرقات. وغالبية التقديرات تقول إن الاقتصاد السوري انكمش بنحو نسبة 4 في المائة لعام 2011، وانكمش بنسب تتراوح بين 20 و30 في المائة في عام 2012، ولا نعلم التقديرات لهذا العام لكن المهم أنها أرقام هائلة. ونحن نحاول التوصل إلى إحصاءات أكثر دقة في الفترة المقبلة. ولكن على المستوى الإنساني، دمرت 3 آلاف مدرسة على الأقل وألفي مدرسة أخرى أصبحت ملاجئ للفارين من العنف أو فقدوا منازلهم، كما أن 32 مستشفى حكوميا دمرت، ونحو ثلث مستوصفات العناية الصحية دمرت. وعلى الرغم من الحاجة إلى إحصاءات أكثر دقة من داخل البلاد، فإننا نتوقع أن نحو 20 في المائة من السوريين يعيشون دون خط الفقر. وهناك أيضا تدفق اللاجئين الذين يخسرون كل ما يملكونه في تجربة مريرة لا يعرفها إلا من يمر بها.

* لنتحدث عن تدفق اللاجئين، لقد قمتم بزيارات عدة إلى الأردن الذي يعاني من جراء تدفق اللاجئين، بالإضافة إلى المصاعب الاقتصادية التي تواجهه أساسا..

- لنبدأ بالقول إنه من المثير للإعجاب أن الأردن ولبنان وتركيا أبقت حدودها مفتوحة ورحبت بالأشقاء السوريين، وكرم تلك المجتمعات المضيفة أمر يجب الإشادة به. ولكن في الوقت نفسه، زاد اللاجئون من العبء على الاقتصاد. فالأردن عانت من الأزمة المالية الاقتصادية حتى قبل تدفق اللاجئين، بالإضافة إلى المعاناة من تفجير خط الغاز من مصر، وتراجع أعداد السياح، مما زاد من الضغوط على الاقتصاد قبل تدفق اللاجئين. وعلينا التذكر بأن 60 إلى 70 في المائة من اللاجئين لا يمكثون في مخيمات اللاجئين، ويعيشون وسط الشعب الأردني، وهذا يؤثر على جميع نواحي الحياة مثل المدارس والرعاية الصحية ومصادر المياه والصرف الصحي، ويؤثر ذلك بالتالي على الميزانية. وعندما زار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني واشنطن التقى برئيس البنك الدولي، وتم الاتفاق على مشروع بقيمة 150 مليون دولار وتم إنجازه في فترة تراوحت بين 6 و7 أسابيع للمساعدة في التخفيف من الضغوط على الدواء والغذاء في الأردن ودعم القطاعين. كما طلبت الحكومة الأردنية مساعدة الحكومات المحلية لتقوية قدراتها على تحسين الخدمات المقدمة للشعب. ونحن نعمل على مشروع يموله المانحون لدعم الحكومات المحلية الأردنية لتمكينها من معالجة التحديات المحلية.

* يعاني لبنان أيضا من تدفق اللاجئين، فهل هناك مشاريع محددة للبنان في الفترة المقبلة، يمكن الكشف عنها في اجتماع الأسبوع المقبل في نيويورك حول لبنان؟

- تسلمنا طلبا في يوليو (تموز) الماضي من رئيس الوزراء اللبناني (نجيب ميقاتي) لنقيم تأثير اللاجئين السوريين على الاقتصاد اللبناني، وعملنا على ذلك، وفريقنا يقوم بكتابة التقرير الآن. وفي بلد تعداد سكانه 4.2 مليون لبناني، نرى تدفقا مهولا من اللاجئين خلال عامين من الزمن، وبينما تقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن نحو 710 ألف لاجئ سوري وصلوا إلى لبنان، هناك أعداد كبيرة لم تسجل لدى المفوضية. وقمنا بتحليل تأثير وصول اللاجئين على بلد صغير، بالإضافة إلى التأثير على التجارة والسياحة وغيرها من جوانب اقتصادية من جراء النزاع في سوريا. وسنخرج بتقييم للوضع خاصة أن اللاجئين السوريين لا يمكثون في مخيمات بلبنان ولكن في المدن والقرى اللبنانية. وسيكون هناك اجتماع يرأسه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وبمشاركة رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم ووزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والحكومة اللبنانية، يبحث الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي والتنموي للبنان. وهنا التقييم الذي قمنا به مع الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي سيشكل فرصة للتوضيح للعالم ما يجب القيام به. علينا أن نزيد من توعية العالم بضرورة دعم استدامة الدولة اللبنانية.

* وبعيدا عن المساعدات المالية التي بالطبع هناك حاجة كبيرة لها، ماذا يمكن للعالم أن يقدمه للبنان والأردن والدول المتأثرة من النزاع السوري؟

- بالنسبة للبنك الدولي يمكننا تزويد آلية، لا نتحكم فيها نحن، لتوصيل المنح للمناطق والمجالات التي في أمس الحاجة. وقبل فترة، سألت شابة لبنانية ماذا يحتاجه بلدها، فردت ببساطة «السلام». والقضية الأكبر هي السلام على المدى البعيد وهو العلاج الوحيد لوقف تدفق اللاجئين، ولكن إلى حين ذلك علينا أن نقوي إمكانيات الدول المضيفة وأن نتأكد من قدرة جميع الأطفال على الانخراط في المدارس وتقديم الرعاية الصحية. وما نقوم به علاج قصير الأمد لأن الحل في النهاية هو ما قالته الشابة (أي السلام). الأمر لا يتعلق فقط بالمساعدات المالية بل التنمية والتأكد من استطاعة البنى التحتية تحمل هذه الأعباء.

* جئتم إلى لندن في مارس (آذار) الماضي لحضور اجتماع أصدقاء اليمن والذي يعقد مجددا في نيويورك الأسبوع المقبل، لرصد التقدم في البلاد، فكيف تقيمون ما يحدث في صنعاء؟

- لقد رأينا تقدما مهما في اليمن، ففي اجتماع المانحين في الرياض، تم الاتفاق على منح بقيمة 7.9 مليار دولار، وقد تم التوقيع على مشاريع بقيمة 6.7 مليار دولار، وهذا أمر مهم جدا، لأن أحد الدروس التي تعلمناها أن التوقيع على المشاريع بعد الإعلان عن المنح أمر مهم. وقد تم صرف ملياري دولار، وهذا إنجاز مهم. وكانت السعودية كريمة بشكل خاص، لأنها أعلنت عن 3.25 مليار دولار، وصرفت مليارا منها على الفور، فواحد من المليارين هو من السعودية. وهذا الدعم الاقتصادي له تأثير إيجابي.

وإذا نظرنا إلى الدول التي شهدت انتقالا سياسيا عام 2011، سنجد حينها أن اليمن لم يكن من أكثر الدول الذي نتوقع نجاحها لأنها تعاني من تحديات جسيمة مثل الفقر والانفصاليين وحتى القراصنة، ولكن من المثير أن البلاد ما زالت متماسكة، وهناك حوار وطني يشمل الجميع، بحصص خاصة للنساء والشباب، لتتفق كل الأطراف على شكل الدولة على الرغم من اختلاف وجهات النظر. وعملية الحوار الوطني لم تنته بعد لكنها شهدت نجاحا، ومجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة وغيرهما لهم دور كبير في ذلك، ولكن الفضل يعود لليمنيين أنفسهم بمواصلة جهودهم. ومن الواضح أن هذه العملية تحتاج إلى التنمية الاقتصادية ليرى الشعب نتائج اقتصادية للتغيير السياسي، لذلك يجب أن نبقي جهودنا، وعلى المانحين عدم التراجع عن التزاماتهم، لأن هناك من يريد أن يخرب هذه العملية. وعلى الحكومة اليمنية نفسها مواصلة إصلاحاتها وتنفيذ مشاريعها. وهناك إطار المحاسبة المتبادلة بين الحكومة اليمنية والمانحين، وهذا ما ستتم مناقشته في اجتماع نيويورك، بالإضافة إلى الجانبين السياسي والأمني.

* تحدثتم عن أهمية «الثورتين» السياسية والاقتصادية ودور التنمية في دعم التغيير السياسي، وهذا الأمر صحيح في اليمن لكنه أيضا مهم في مصر. كيف ترون التطور الاقتصادي في مصر؟

- منذ يناير (كانون الثاني) 2011، كان من الواضح الضغط الهائل الذي يتعرض له الاقتصاد المصري، واقترحنا عددا من الإصلاحات الضرورية لتنشيط الاقتصاد السياسي وإعادة الاستثمار للبلاد. والمستثمرون يريدون الاستقرار بشكل أساسي، بالإضافة إلى وضع بيئة استثمارية مشجعة. وخلال تلك الفترة، كان من الصعب على الحكومة حينها من التركيز على الاقتصاد ولم تحدث الإصلاحات المرجوة. وفي العام التالي، وبعد الانتخابات، أيضا لم يتم الاهتمام الكافي بالاقتصاد، والتركيز كان على الجوانب السياسية فقط. والآن، بعد الدعم الاقتصادي من دول الخليج للحكومة المصرية الجديدة، هناك فسحة وقت، وفي هذه المرحلة هناك الحاجة للوقت للتوصل إلى بعض الاستقرار، بينما يحاول الجميع التوصل إلى اتفاق حول الطريق إلى الأمام. بالطبع هناك اهتمام بالعملية السياسية ووضع الدستور الجديد، ولكن على الحكومة التركيز على الأجندة الاقتصادية. والآن، مع كرم دول خليجية، لدى الحكومة المصرية فسحة من الوقت ومجال لالتقاط الأنفاس وهذا أمر مهم جدا، لمعالجة التحديات الاقتصادية. ولكن في النهاية سيكون من المهم إجراء الإصلاحات الضرورية، وبعضها لا يكلف الحكومة أي أموال، مثل وضع أفضل قانون ممكن لتنظيم المنظمات غير الحكومية ووضع قوانين للشفافية لكسب ثقة الشعب، ومن الضرورة تحسين بيئة الاستثمار بما في ذلك تقليص البيروقراطية ووضع شبكات الأمن للفقراء، وأن تصل المساعدات لمن يحتاجها، حتى عندما تبدأ الحكومة في رفع الإعانة الدولية للمواد الأساسية لا يتضرر الفقراء. والفريق المصري الحالي يتمتع بكفاءة عالية، ونحن نتطلع إلى نقاشاتنا معهم.