البنك المركزي الإيراني في مفترق طرق: الحد من التضخم أو زيادة سعر الفائدة

سارا بازوبندي

سارا بازوبندي
TT

يؤدي تغيير سعر الفوائد المصرفية في البلد، على الرغم من الشعور بضرورته في الوضع الراهن والتضخم الموجود، إلى المزيد من الركود في مجال الإنتاج.

في الأسبوع الفائت أعلن ولي الله سيف، رئيس البنك المركزي الإيراني في مؤتمر الصيرفة الإسلامية، أن «سعر الفائدة المصرفية غير مناسب، ولكن نظرا للتأثير المتزايد المحتمل لزيادة سعر الفائدة على التضخم في البلد، فإن البنك المركزي والمجموعة الاقتصادية في الحكومة الإيرانية غير مستعدين بشكل مناسب لرفع سعر الفائدة».

وينبغي العلم بشكل عام أن سعر الفائدة أداة تستخدم من قبل البنك المركزي للسيطرة على كمية النقد المستهلكة في الاقتصاد. ومن جهة أخرى، فعندما تشهد كمية النقد المستهلكة في الاقتصاد نموا أسرع بالنسبة للإنتاج في ذلك الاقتصاد، يحدث التضخم. ولذلك يعرف التضخم بأنه نسبة الفائدة المصرفية التي تساعد على السيطرة على التضخم وتؤثر على نسبة النقد المستهلك في الاقتصاد.

ويشير سعر الفائدة المصرفية الذي يتم تعيينه من قبل البنك المركزي إلى السعر الذي تدين به المؤسسات المالية للبنك المركزي لقاء القروض التي سحبتها منه. ويستفاد من هذا السعر في تعيين فوائد الإيداعات والقروض التي تسحب من البنوك التجارية (وهي البنوك التي تتاجر مع الأشخاص والمؤسسات) وسائر المؤسسات المالية وشركات التأمين. كما أن سعر الفائدة المصرفية يؤثر بشكل مباشر على طيف واسع من الفعاليات الاقتصادية. ومن بين تلك التأثيرات يمكن الإشارة إلى ارتفاع وانخفاض قيمة الأموال، مثل الأسهم والسندات الحكومية، بالإضافة إلى سعر صرف القطع الأجنبي. إن انخفاض سعر الفائدة يقلل من الإيداعات ويشجع على سحب القروض، وهكذا يرتفع معدل استهلاك النقد في الاقتصاد.

كما يؤثر انخفاض سعر الفائدة بشكل سلبي على الدخل الناتج عن الإيداعات، ويؤدي إلى انخفاض رغبة أصحاب رؤوس الأموال في الإيداع. وبعث انخفاض سعر الفائدة كذلك على ارتفاع سعر الأموال غير النقدية مثل الأسهم والعقارات. ومن جهة أخرى، يؤثر سعر الفائدة على سعر القطع الأجنبي، فعلى سبيل المثال فإن ارتفاع سعر الفائدة يؤدي إلى استقطاب رؤوس الأموال الخارجية، مما يرفع من سعر العملة الوطنية ويخفض من سعر المواد المستوردة.

ومما تقدم يتبين أن تغيير سعر الفوائد المصرفية في البلد على الرغم من الشعور بضرورته في الوضع الراهن والتضخم الموجود، يؤدي إلى المزيد من الركود في مجال الإنتاج. وإضافة إلى ذلك ونظرا لأن انخفاض سعر الفائدة مقارنة بمعدل التضخم يؤدي إلى إيجاد الأسواق الموازية لسوق النقد وتقويتها في البلد، كما أن ارتفاعه يؤدي إلى سحب رؤوس الأموال من دورة الاستثمار في الإنتاج وتوجيهها إلى البنوك وذلك للحصول على أرباح أكثر، فإن هذا الأمر يؤدي بدوره إلى مواجهة عملية الإنتاج لمشاكل في السيولة النقدية تؤدي بها في النهاية إلى مزيد من الركود.

حدثت هذه الظاهرة في السنوات الأولى لتأسيس صندوق احتياطيات العملة الأجنبية. ففي ذلك الوقت وعملا من الحكومة على تمكين القطاع الخاص، وضعت 40 في المائة من رأس مال صندوق احتياطيات العملة الأجنبية تحت تصرف المنتجين في القطاع الخاص على شكل قروض. ولكن نظرا لارتفاع سعر الفائدة، تم تحويل هذه القروض عمليا إلى عملة وطنية بدلا من استثمارها في القطاع الخاص، ولأجل الحصول على أرباح سريعة دون صعوبات تم إيداعها في البنوك الداخلية. وإضافة إلى ذلك فإن رفع سعر الفائدة بما يعادل نسبة التضخم في الوقت الراهن يعني الاعتراف بالتضخم في البلد، وهذا الأمر لا يبشر بالخير حول مستقبل الاقتصاد الإيراني سوى أن البنك المركزي ليست لديه أي أولويات لتغيير وضع التضخم في البلد والحد منه، مما يتناقض مع الوعود الاقتصادية التي وعدت بها الحكومة الحادية العشرة.

وكما أشرنا أعلاه إلى علاقة التضخم بسعر الفائدة المصرفية، فمن الواضح أن بعض المشاكل الاقتصادية الراهنة التي يواجهها البلد ناجمة عن الارتفاع المبالغ فيه لنسبة السيولة النقدية في إيران بالنسبة للإنتاج. وهكذا كان يمكن للحكومة قبل تأزم حالة التضخم وسعر العملة الأجنبية التي تعد من العواقب المباشرة للسياسات النقدية والاقتصادية التي تتخذها الحكومة؛ أن تطبق بعض التغييرات في البنية الاقتصادية للبلد. ويمكن أن تكون هذه التغييرات عبارة عن سياسات تتضمن الحد من نفقات الحكومة ورفع سعر الفائدة المصرفية.

وفي الوقت الراهن، حيث تؤثر المشاكل الاقتصادية على بعضها البعض ويرتبط التغلب على كل منها بإزالة الأخرى، تحول البنك المركزي عمليا إلى صراف وصيرفي للحكومة يؤمن النقص في ميزانية الحكومة في بعض الحالات؛ وهذه السياسات ستكون أصعب بكثير مما سبق.

ومن جهة أخرى، في الوقت الذي يجب فيه على البنك المركزي أن يكون مؤسسة مستقلة عن الحكومة لكي يتمكن من ممارسة فعالياته واتخاذ القرارات اللازمة لتأمين الاستقرار والأمن الاقتصادي للبلد من دون أن يأخذ بعين الاعتبار الأعمال السياسية؛ فقد تحول ماكينة لتطبيق سياسات الحكومة، وهذه الظاهرة تشكل تهديدا كبيرا لكيفية اتخاذ القرارات المستقبلية في هذه المؤسسة.

* محاضرة في الاقتصاد السياسي بجامعة ريجينتس في لندن وباحثة في «تشاتام هاوس»