مستثمرون سعوديون يتخوفون من تأثير الاضطرابات على استثماراتهم في السودان

قالوا إن المنطقة العربية تحتاج لحماية استثمارية دولية على غرار ما يحدث في أوروبا

إحدى محطات الوقود المحطمة في الاضطرابات التي تعرفها الخرطوم بسبب رفع الدعم الحكومي عن الوقود (أ.ف.ب)
TT

توقع مستثمرون سعوديون في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن تتسبب الأحداث التي شهدها السودان مؤخرا، في تذبذب في سعر الصرف، ما ينعكس على حالة استقرار الاستثمارات في المدى القصير، غير أنهم أكدوا أنها لا تؤثر على استمرارية الاستثمارات؛ لأنها تنتهي بهدوء الأحوال وعودتها لطبيعتها على حد تعبيرهم.

وفي المقابل، أكدوا أنه على ضوء التجربة التي مرت بها الاستثمارات السعودية، على مدى الأعوام الماضية، تعرض فيه السودان لإشكالات متعددة، بدأت منذ حرب الجنوب وصولا للانفصال، فضلا عن النزاعات التي تشهدها البلاد في عدد من المناطق؛ فإنها تتعرض للإيقاف المؤقت وليس الدائم.

وأثار المستثمرون السعوديون مسألة الضمانات التي تحمي الاستثمارات السعودية في البلاد العربية عامة وفي السودان خاصة، في ظل الأحداث والمظاهرات التي شهدتها البلاد مؤخرا.

وطالبوا الجامعة العربية بضرورة خلق آلية لضمان استمرارية الاستثمار وحمايتها من الانهيار في المنطقة العربية، مؤكدين غياب استراتيجية ورؤية واضحة لحماية الاستثمارات في أي بلد عربي، خاصة تلك التي تشهد عدم استقرار أو تلك التي اندلع فيها الربيع العربي.

وفي هذا السياق، أوضح المستثمر الدكتور طارق عثمان فضل، عضو اللجنة الاستراتيجية بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، أن تخوف بعض المستثمرين السعوديين في السودان يأتي من باب انعكاسات المظاهرات على استقرار سعر الصرف، والذي يؤثر بشكل مباشر في حجم وعوائد الاستثمار.

وأكد في الوقت نفسه أن هذه الأحداث التي يشهدها السودان لن يكون لها تأثير من حيث استمرارية الاستثمارات القائمة فيها، فيما تبقى الاستثمارات المقبلة في حاجة للحصول على ضمانات وقيد النظر.

وقال فضل: «هناك تأثيرات واضحة تتمثل في انخفاض سعر الجنيه السوداني أو انخفاض الدخل للفرد وهبوط القوى الشرائية، وهي تؤثر على الاستثمار السعودية كما تؤثر على الاستثمارات السودانية تماما».

ولفت إلى أن مصدر التخوف الانعكاسات وليس الأحداث؛ لأنها برأيه في غالب الأحيان تكون الاستثمارات بعيدة عن يد التخريب خاصة الزراعة والصناعة وغيرهما.

وأوضح فضل أن التخوف على مصير الاستثمارات يكون بصفة مؤقتة وليس بصفة دائمة، حيث يزول بزوال المؤثر، لكن المستثمر، برأيه، في أي بلد ينتظر إلى أن تهدأ الأحوال من ناحية أمنية واقتصادية، مشيرا إلى أن هذا أمر طبيعي وليس خاصا بالسودان فقط.

وعن رأيه في مسببات الاحتجاجات التي شهدتها الخرطوم مؤخرا برفع الدعم عن المحروقات، قال: إنه لا بد أن ينظر إليها من حيث إنها معالجة تعود في النهاية بإيجابيات تتجلى في استقرار الاقتصاد وبالتالي سعر الصرف.

كما ينظر فضل إليها بأنها تعود في شكل خدمات للمواطن السوداني وتجهيز البنى التحتية، مبينا أنه في الحالتين تزيد من استقرار وجذب الاستثمار على المدى البعيد، من خلال زيادة القوى الشرائية واستقرار سعر الصرف.

أما المستثمر السعودي سعيد عسيري، نائب رئيس اللجنة السياحية بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، فيعتقد أن استقرار الاستثمارات مسألة نسبية وتختلف من دولة إلى أخرى، مؤكدا أن الأحداث الأخيرة لا تنهي الاستثمار، لكنها قد توقفها بشكل مؤقت.

ويرى أن الاستثمارات في السودان في غالبيتها زراعية وهي بعيدة عن يد التخريب والمظاهرات، ولذلك برأيه بعيدة عن الخسارة المباشرة، غير أنه عاد فقال قد تتأثر بشكل غير مباشر يتمثل في تأثيرات تذبذب سعر الصرف على سبيل المثال. ومع اقتناعه بأن الاستثمارات الزراعية في السودان ضرورية، ويمكن أن تكون سلة غذاء العرب؛ إلا أنه لا بد من تصميم الضمانات التي تبرز في الدول المتقدمة، مشددا على أن تكون الضمانات على مستوى دولي وليس على مستوى دولة فيما يتعلق بأي استثمارات في الخليج وفي السعودية وفي أي مكان من العالم بهدف الحماية.

وقال عسيري: «المستثمر في الأصل بنك متحرك، ما يحتم ضرورة توفير حماية لاستثماراته، كما يحدث في أوروبا، حيث توجد ضمانات محددة للاستثمار من خلال البنوك، تضمن حدا أدنى من عدم الخسارة، ويوضع عليها تأمين، فيكون البنك شريكا للمستثمر في ضمان الاستثمارات».

وشدد عسيري على ضرورة تبني نوع من الحماية الدولية وفق مواثيق معينة، تضمن أي استثمار، صغيرا كان أو كبيرا، مشيرا إلى أن الاستثمارات السعودية في مصر تعاني من هذا الضرر الذي يقع عليها لغياب آلية الحماية الكافية.

وقال: «لا يوجد في الأساس رؤية لحماية الاستثمار في أي دولة عربية؛ لأنه هناك قناعة راسخة بحجم ونوعية المشكلات التي تمر عليها، فهي لا تضمن حقوق المستثمر، ومصر أكبر شاهد، رغم أن الاستثمارات السعودية في مصر ضخمة جدا».

ولفت إلى أن الجامعة العربية معنية بحماية الاستثمارات العربية - العربية، سواء خليجية أو سعودية، داخل البلاد الأخرى، كمصر وليبيا، مبينا أن في السودان توجد استثمارات عربية تتمثل في صندوق التنمية والاستثمار العربي وصندوق التنمية الزراعية والهيئة العربية للتنمية والاستثمار الزراعي.

وقال: «هناك توجه دولي عربي لتنمية السودان من ناحية الاستثمارات الزراعية تحديدا، من شأنه أن يدعم استقرار السودان زراعيا، لكن تبقى عملية الاستقرار عملية ضرورية لاستقرار وحماية تلك الاستثمارات، ما يعني أهمية أن تختلق الجامعة آلية لضمان تلك الاستثمارات».

وعن الحالة السودانية لا يرى داعيا للتخوف على الاستثمار السعودي هناك، باعتبار أن التجربة الاستثمارية في السودان مرت بكثير من الأحداث المتصلة لكنها لم تقطعها أو توقفها بشكل نهائي، كمشكلة الجنوب والنزاعات في مناطق مختلفة من السودان. ومع إقراره بالانعكاسات السالبة للأحداث على الاستثمارات، إلا أنها تظل باقية ومستمرة، مشيرا إلى أن نتائج الثورات الربيعية كانت كارثية ولم تكن لصالح البلاد ولا للاستثمارات. يشار إلى أن السودان يحتضن استثمارات سعودية تقدر بـ15 مليار دولار، عبارة عن مشاريع مصدقة تم تنفيذ غالبيتها، عقب الملتقى الاستثماري الزراعي السعودي السوداني الذي انعقد مؤخرا بالرياض.