موازنة المغرب لـ2014 تتوقع رفع الاستثمار العمومي إلى 23 مليار دولار

الحكومة تتجه إلى لعب دور الشريك بدل المحفز

نواب المعارضة يحتجون على مناقشة موازنة 2014 قبل حصول حكومة عبد الإله ابن كيران الثانية على ثقة البرلمان مساء أول من أمس (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

شرع البرلمان المغربي، مساء أول من أمس، في عقد أولى الجلسات لمناقشة مشروع الموازنة، وسط احتجاج واسع للمعارضة التي رفعت يافطات تطالب فيها رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران بالحصول على ثقة البرلمان أولا قبل الشروع في مناقشة القانون المالي (الموازنة).

ورفعت خمس كتل برلمانية معارضة لحكومة ابن كيران (الاستقلال والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي ونقابة الفيدرالية الديمقراطية للشغل) لافتات كتب عليها الفصل 88 من الدستور، الذي ينص على ضرورة حصول الحكومة على التنصيب البرلماني. واستمرت المعارضة في الاحتجاج بداية عقد الجلسة البرلمانية في خطوة لإحراج الحكومة، قبل أن ينضبط البرلمانيون لقرارات رئيس الجلسة كريم غلاب للاستماع إلى مضمون مشروع قانون المالية لسنة 2014.

وعد ابن كيران في رد له ما قامت به المعارضة «تعبيرا ديمقراطيا»، لكن «الديمقراطية ليست باللافتات ولكن بالأصوات». وأكد على هامش الجلسة البرلمانية لـ«الشرق الأوسط» أنه «رئيس حكومة قديم» جرى تنصيبه «بناء على نتائج صناديق الاقتراع لـ25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، وتعيين جلالة الملك لي في 3 يناير (كانون الثاني) 2012»، وبالتالي فلا حاجة للجوء للبرلمان للحصول على ثقته.

ويعكس مشروع الميزانية التي قدمها محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، للبرلمان الصعوبات الاقتصادية التي يعرفها المغرب نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية. وتوقع المشروع انخفاض موارد الميزانية العامة بنسبة 6.73 في المائة خلال العام المقبل مقارنة مع العام الحالي، وذلك نتيجة انخفاض محصول الضريبة على أرباح الشركات بنسبة 6.65 في المائة إلى 39 مليار درهم (4.8 مليار دولار)، وهبوط الموارد المتأتية من الإقراض والهبات بنسبة 23 في المائة إلى 66 مليار درهم (8 مليارات دولار)، وانخفاض حصيلة مؤسسات الاحتكار والاستغلالات والمساهمات المالية للدولة بنسبة 13.7 في المائة إلى 10 مليار درهم (1.2 مليار دولار)، وهبوط محصول الرسوم الجمركية بنسبة 15.16 في المائة إلى 7.7 مليار درهم (900 مليون دولار).

وفي الجانب المتعلق بالنفقات، قررت الحكومة تخفيض رصيد الاستثمارات بنسبة 19.2 في المائة، إلى49.5 مليار درهم (6 مليارات دولار)، وهي المرة الأولى منذ سنوات التي يجري فيها تخفيض ميزانية الاستثمارات الحكومية التي عرفت توسعا قويا خلال الأعوام الثلاثة الماضية. أما ميزانية التسيير فحاولت الحكومة الحفاظ عليها في نفس مستوى العام الماضي، أي 199 مليار درهم (24.3 مليار دولار)، وذلك رغم ارتفاع نفقات الموظفين بنحو 6 في المائة إلى 104 مليارات درهم (12.7 مليار دولار)، والارتفاع القوي للنفقات المترتبة على أداء أقساط الديون المتوسطة والطويلة الأجل بنسبة 108 في المائة، والتي انتقلت من 16 مليار درهم (ملياري دولار) في موازنة العام الحالي، إلى 33.4 مليار درهم (4.07 مليار دولار) في مشروع موازنة العام المقبل، نتيجة لجوء الحكومة المتزايد خلال العامين الأخيرين للاقتراض من أجل تمويل العجز المتفاقم للميزانية.

وارتفع الفارق بين إجمالي موارد الحكومة وإجمالي نفقاتها إلى 32 مليار درهم (3.9 مليار دولار)، مقابل 12.3 مليار درهم (1.5 مليار دولار). وقلصت الحكومة في مشروع موازنتها للعام المقبل من حجم القروض المسموح للحكومة بسحبها في السوق الداخلية بنسبة 11 في المائة إلى 40 مليار درهم (4.9 مليار درهم)، وفي القروض المسموح بسحبها من الأسواق المالية الخارجية بنسبة 7.7 في المائة إلى 24 مليار دورهم (2.9 مليار درهم).

أما بخصوص نفقات دعم المواد الأساسية فقررت الحكومة تخفيضها بنسبة 12.5 في المائة إلى مستوى 35 مليار درهم (4.3 مليار دولار)، وتتوزع هذه النفقات بين دعم المحروقات بنحو 28 مليار درهم (3.4 مليار دولار) ودعم المواد الغذائية بنحو 5 مليارات درهم (610 ملايين دولار)، وتخصيص مبلغ ملياري درهم (244 مليون دولار) للإجراءات المصاحبة التي التزمت بها الحكومة من قبيل تعويض مهنيي النقل الحضري عن أثر الزيادة في المحروقات على إيراداتهم. إضافة إلى ذلك خصصت الحكومة مبلغ 6.65 مليار درهم (811 مليون دولار) لتصفية متأخرات السنة الحالية برسم دعم أسعار المحروقات.

ووصف محمد بوسعيد، وزير المالية، مشروع الموازنة ذات المنحى التقشفي بأنه «واقعي» و«يلتزم بالقدرات الموضوعية للبلاد»، معدا إياه بمثابة «مشروع للثقة والأمل» لأن تفاصيل الموازنة تتجه لكل الفاعلين بالتزام الفعالية والمواكبة والدعم، وخلق الفرص للجميع في إطار الحق وربط المسؤولية بالمحاسبة. وأوضح بوسعيد أن مشروع قانون المالية يأتي في إطار سياق اقتصادي دولي يتميز بانتعاش تدريجي للنمو الاقتصادي العالمي ابتداء من النصف الثاني لسنة 2013، يرمي إلى تمكين مختلف الطبقات الاجتماعية والمناطق من الاستفادة، بكيفية عادلة ومتساوية، من ثمار النمو.

وأكد بوسعيد أن مشروع قانون المالية يحدد أهدافا رئيسة تتمثل في مواصلة البناء المؤسساتي، وتسريع الإصلاحات الهيكلية، فضلا عن تحفيز النمو ودعم الاستثمار، والمقاولة، وتطوير آليات إنعاش التشغيل، وضمان استقرار الموجودات الخارجية، والتحكم في عجز الميزانية، وتطوير رأس المال البشري، وتعزيز آليات التضامن والتماسك الاجتماعي والمجالي.

وتوقع بوسعيد تقليص عجز الميزانية، من 5.1 إلى 4.9 في المائة من الناتج الداخلي الخام، بيد أن وزير المالية شدد على أن تحقيق هذا الهدف يبقى مرهونا بتحقيق معدل نمو يبلغ 4.2 في المائة، ومتوسط سعر صرف للدولار مقابل الدرهم يبلغ 8.5 درهم، ومتوسط لسعر برميل البترول في حدود 105 دولارات.

وأعلن وزير المالية والاقتصاد، عزم الحكومة المغربية تغيير مقاربتها لتحفيز الاستثمار والانتقال من دور المشجع إلى دور الشريك من أجل تسريع استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتفعيل الاستثمار الوطني. وأشار بوسعيد إلى أن الحكومة تستهدف تحقيق نمو اقتصادي بمعدل 4.2 في المائة خلال العام المقبل، رغم استمرار هشاشة الظرفية العالمية التي لم تبلغ بعد مرحلة الاستقرار، وحصر عجز الميزانية الحكومية في 4.9 في المائة، وكبح جماح المديونية، التي وإن كانت تسهم في الاستقرار النسبي لاحتياطي البلاد من العملة الصعبة فإنها تؤثر «على ثقة المؤسسات والأسواق المالية الدولية»، على حد قوله.