تزايد السيولة المالية وعواقبها الاقتصادية في إيران

سارة بازابندي*

TT

إن انعدام التوازن في البنية الاقتصادية الإيرانية في مجال الميزانية والسياسة المالية الداخلية وفي المجال الخارجي، أدت إلى ظهور التضخم في الاقتصاد الإيراني بصورته الشديدة الحالية.

إن إحدى أهم السياسات المالية التي أدت إلى زيادة التضخم خلال السنوات السابقة واشتداده هي زيادة كمية السيولة في سلسلة الاقتصاد الوطني.

إن السياسات المالية للحكومة العاشرة بنيت على أساس خاطئ، حيث إن الدولة لجأت إلى زيادة النقد من أجل حل مشاكل الإنتاج. بالإضافة إلى هذه القرارات كانت هنالك ملاحظات أخرى، على سبيل المثال فإن الحكومة بنت سياساتها الاقتصادية من أجل تحقيق أهدافها الاقتصادية الأخرى، مثل مشروع المساكن المنخفضة الكلفة، أي أن السيولة المالية ازدادت بشكل كبير من أجل إنتاج المنازل المنخفضة الثمن الحكومية، وفقا لتصريحات وزير الاقتصاد والمالية الأخيرة فإن ما يقارب نصف السيولة المالية الموجودة في البلاد يتعلق بالمنازل الرخيصة الثمن، على أثر مثل هذه السياسات ازدادت السيولة المالية في البلاد من 68 ألف مليار تومان إلى ما يقارب الأربعمائة وخمسين ألف مليار تومان في حين أن الإنتاج لم يزدد.

في إيران لطالما كانت سياسة الدولة النقدية على أساس أن الدولة تقدم على طبع العملة النقدية وزيادة مقدار المال في الاقتصاد الوطني من أجل زيادة قدرتها المالية والمساعدة في ازدهار اقتصاد البلاد. إن هذا النوع من الاستثمار يعني أن مصادر نمو احتياطي البنك وازدياد السيولة المالية ليست تحت سلطة البنك المركزي، وإن الحكومة هي من يؤثر بصورة رئيسية على المصادر المالية وازدياد السيولة، لذلك فإن البنك المركزي لا يمكنه أن يتحكم بالأسعار إلا إذا عملت وزارة الاقتصاد والمالية وإدارة التخطيط بالتنسيق مع البنك المركزي في هذا المجال وأوجدوا هذا الاتساق في عمل الفريق الاقتصادي الحكومي.

ولكن في الدول النامية فإن سياسة زيادة السيولة لها شكل آخر، حيث خلال الركود الاقتصادي يقوم البنك المركزي، الذي هو مؤسسة مستقلة عن الحكومة، بضخ السيولة المالية في السلسلة الاقتصادية من أجل إيجاد التنمية وازدهار النشاط الاقتصادي، وإن ضخ السيولة هذا يجري بصورة تختلف عما هو في إيران. أي أن المصرف المركزي يشتري سندات ديون الدولة من السوق ويضخ المال إلى السوق، ثم يراقب البنك المركزي نمو النشاط الاقتصادي وكذلك ازدياد الأسعار بصورة دقيقة، بمجرد أن يتجاوز التضخم 3 أو 3.5 في المائة على أبعد تقدير، يقوم البنك ببيع سندات ديون الدولة من جديد لكي يعود توازن النقد إلى الحد الذي يضمن عدم تجاوز التضخم الحد الأقصى الذي ذكر من قبل.

بهذه الصورة يزدهر الاقتصاد في الأسواق ولا يخسر البنك المركزي قدرته على التحكم في التضخم.

في إيران أيضا قامت الحكومة في مراحل مختلفة ببيع العملات الذهبية أو بيعها بالآجل بدلا من بيع أوراق ديون الدولة، حيث إن الدولة أرادت عبر بيعها الذهب الذي غالبا ما تحصل عليه من بيعها النفط (بدلا من الدولارات النفطية) في الأسواق الداخلية أن تبدل أرباحها النفطية إلى الريال لكي تقلل من الحاجة إلى طبع العملات النقدية من أجل تأمين مصاريفها بالريال. ولكن هذه السياسة لم تقلل من التضخم بل إن دمج مثل هذه السياسات مع الحصار الدولي ومشاكل تذبذب سعر صرف الريال أدت إلى زيادة سعر الذهب أيضا في البلاد.

إن الحل الرئيسي لمشكلة النمو غير البناء لمقدار السيولة في الاقتصاد الوطني على المدى البعيد وإصلاح البنية أمر ممكن، ولكن على المدة القصير يجب أن تكون أولوية الحكومة في سياساتها الاقتصادي هي السيطرة على التضخم وحل مشكلة الركود.

إن من الواضح، ووفقا لتصريحات المسؤولين رفيعي المستوى في المجال الاقتصادي (ومنهم وزير الاقتصاد والمالية)، أن السيطرة على نمو السيولة بصورة غير مناسبة ضمن جدول أعمال الحكومة.

في النهاية يجب أن تهتم الدولة على المدى البعيد بإصلاح مجال العمل من أجل الارتقاء بالنمو الاقتصادي للبلد ومحاربة الركود الذي يسببه التضخم.

في الوقت الحالي إذا قرر شخص أن يبدأ نشاطا اقتصاديا في القطاع الخاص فإنه يواجه مشاكل في المرحلة الأولى، وهي الحصول على إجازات العمل، وفي المرحلة الثانية التي يجب أن يتعامل فيها مع مديرية الضرائب والجمارك والكثير من العوائق الحقيقية. إن هذا ساعد على ركود الاقتصاد في البلاد، وإن حل هذا الركود لن يتحقق عن طريق طبع العملة.

بسبب الارتباط الوثيق للاقتصاد في إيران بالأرباح النفطية خلال العقود الخمسة الماضية أصبح لها قطاع خاص ضئيل وغير منتج وقطاع حكومي كبير جدا وغير منتج. إن سبب إيجاد هذه الأوضاع غير المناسبة في الاقتصاد الإيراني هو امتلاكها الأرباح النفطية والضخ المستمر لهذه الأرباح في الميزانية الحكومية. لذلك فإن الارتقاء بالقطاع الخاص الحقيقي وإيجاد جو مناسب من أجل عمل القطاع الخاص وتقوية هذا القطاع أيضا، تعد أمور ضرورية من أجل حل هذه الأزمة والركود الاقتصادي في البلد.

المجال الآخر الذي يجب أن يجري الاهتمام به هو قطاع الاستثمار الوطني والأجنبي، وفقا لتصريحات وزير الاقتصاد والمالية، يبدو أن البلد لا يواجه مشكلة في كمية النقد في رؤوس الأموال الوطنية، ولكن أغلب رؤوس الأموال لا تتجه نحو الأنشطة الإنتاجية، في الحقيقة فإن القسم الأعظم من رؤوس أموال الناس يتجه نحو الكمبيالات والممارسات الخادعة المتعلقة بها والأنشطة التي تهدف إلى تحقيق الأرباح. لذلك يجب على الدولة أن تشجع المستثمر الوطني بصورة تدريجية على الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية مع القيام بإصلاحات كبيرة في مجال النظام المصرفي وفي سوق رؤوس الأموال الوطني.

* محاضرة في الاقتصاد السياسي بجامعة ريجينتس في لندن وباحثة في «تشاتام هاوس»