وزير المالية المصري لـ «الشرق الأوسط»: سنتخذ إجراءات لتقليص دعم الطاقة والسيطرة على التضخم

أحمد جلال أكد أن وزارته تمهد الطريق للاقتصاد لكي ينمو بشكل مستمر

وزير المالية المصري أحمد جلال
TT

في مبنى مطل على المجلس التشريعي المصري، ومجاور لمجلس الشورى الذي يعد فيه الدستور المصري المقرر الانتهاء من صياغته في غضون أسابيع، يجلس وزير المالية المصري الدكتور أحمد جلال وقت العطلة الرسمية في مكتبه بمجلس الوزراء، يتابع أعمال وزارة المالية التي تضررت مبانيها من حريق اندلع بها في أغسطس (آب) الماضي نتيجة أعمال شغب خلال مظاهرات لجماعة الإخوان المسلمين، حيث التهمت النيران مكتبه.

يقول وزير المالية في حواره مع «الشرق الأوسط» إن حكومته تحاول اتخاذ إجراءات وسياسات، ليس فقط لحل مشاكل آنية وعاجلة، وإنما لتمهيد الطريق أمام الحكومة المقبلة، واضعا نصب أعينه تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وخفض عجز الموازنة وتحقيق العدالة الاجتماعية، مشيرا إلى أن الحكومة الحالية ستتخذ خطوات هامة لتقليص دعم الطاقة بخلاف الكروت الذكية، كما أنها تسعى أيضا للبدء في تقنين أوضاع القطاع غير الرسمي في مصر. وفيما يلي أهم ما جاء بالحوار:

* ما تقييمك للوضع الاقتصادي الآن؟

- الاقتصاد كان يعاني من ثلاث مشاكل جوهرية، المشكلة الأولى كانت عدم توازن كلي، بمعنى عجز موازنة مرتفع نحو 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، الاحتياطي النقدي يتناقص وقل مستواه دون الوفاء بالواردات لمدة ثلاثة أشهر، وبالتالي كان هناك ضغط على الجنيه مقابل الدولار، وكان هناك سوق موازية للعملة المحلية، مع ارتفاع سعر الفائدة وتكلفة الدين العام، مع وصول الدين العام الداخلي والخارجي إلى أكثر من 90 في المائة من الدخل القومي.

المشكلة الثانية كانت متمثلة في تباطؤ النمو الاقتصادي وصل العام المالي الماضي إلى 2.2 في المائة، وهذا المعدل محدود للغاية، فهذا يعني أن معدل توليد الوظائف سيكون محدودا، خاصة إذا وضعت في الاعتبار أن هناك 700 إلى 800 ألف شخص جدد يدخلون سوق العمل كل عام.

المشكلة الثالثة وهي الجوهرية، أنه كان هناك إحساس عام وبحق أنه لم يكن هناك عدالة اجتماعية، بمعنى أن توزيع الدخل والثروة كان يسوء مع مرور الوقت، فنسبة الأجور من الدخل القومي كانت تتناقص باستمرار من الناتج القومي.

الحكومة الحالية تواجه تلك المشاكل وتحاول الخروج من هذا الموقف، لا نريد حل تلك المشاكل في الأجل القصير، ولكننا نسعى إلى أن نمهد الطريق للاقتصاد لكي ينمو وأن يكون على طريق التعافي مع مرور الوقت.

* كيف تخططون للخروج من تلك المشكلة؟

- خلال العام الماضي.. كان الحل المطروح ويناقش بشكل مستمر، هو قرض من صندوق النقد مع بعض الإصلاحات ستقلل من عجز الموازنة، واستخدام الصكوك وسيلة لجذب الاستثمارات، هذا كان التصور والرؤية.

عندما جئنا إلى الحكومة رأينا أن حل المشاكل يكمن في تغيير السياسة الاقتصادية، من كونها سياسة انكماشية إلى جعلها سياسة توسعية، تتطلب تلك السياسة أن يكون هناك أموال من الخارج، سواء من عودة السياحة وتحويلات المصريين في الخارج، وعودة الاستثمار الأجنبي أو المنح أو القروض، وكانت تلك هي البدائل الممكنة في اقتصاد يعمل بأقل من طاقته ويحتاج إلى جرعة لدفعه إلى الأمام.

المعضلة كانت في كيفية انتهاج تلك السياسة وتقوم بعمل سياسة توسعية من دون إخلال في التوازن الكلي، لتحفيز الاقتصاد وعمل عدالة اجتماعية.

المشكلة كانت في الأموال من الخارج، وتلك المشكلة انتهت بدعم دول الخليج التي قدمتها لنا، فهذا الدعم أعطانا قدرة لالتقاط الأنفاس وأن ننفذ البرنامج التوسعي الذي يحقق التوازن المالي والعدالة الاجتماعية في آن واحد.

ترجمنا كل هذا في المرحلة الأولى من البرنامج الإصلاحي، في اعتماد إضافي للموازنة العامة للدولة بنحو 60 مليار جنيه (8.78 مليار دولار)، جزء كبير من الاعتماد الإضافي موجه للاستثمار في البنية الأساسية، وهو ما سيحفز التشغيل ويساعد على عملية النمو أيضا خلال المرحلة المقبلة.

* كيف سيكون الوضع بعد انتهاء عملكم في الحكومة؟ وهل ستحتاج الحكومة المقبلة إلى مساعدات مالية خارجية سواء من مؤسسات كصندوق النقد أو من دول عربية؟

- نعمل في الحكومة على مسارين.. الأول نتعامل مع المشاكل الملحة الآن لأنك لا تستطيع أن تنتظر، لكن الشيء الآخر الذي نعمل عليه وبحماس هو عمل مجموعة من الإصلاحات على السياسات الاقتصادية والمؤسسية التي ستساعد الحكومات المقبلة.. نعي تلك الجزئية ونضعها على رأس أولوياتنا.

فبعض المشكلات الآنية التي استجبنا إليها هي التأكد من توافر السلع التموينية والبترولية، استجبنا لكثير من المطالب المجتمعية الملحة مثل الحد الأدنى للأجور والتعامل مع الأطباء في قطاع الصحة والوجبة الغذائية للطلبة وزيادة المعاشات، هذه طلبات ملحة لإرضاء طبقة عريضة من المصريين.

وفي الوقت نفسه نفعل قانون الضريبة العقارية، ونحاول الانتقال إلى الضريبة المضافة، وهذه الأمور التي ستكون هامة للحكومة المقبلة، كما أن السياسة التوسعية التي تتبناها الحكومة الحالية ستجني ثمارها الحكومة المقبلة.

* قيل إن الحكومة تدرس حاليا تطبيق الضريبة التصاعدية وتطبيق ضريبة على الثروة خلال الفترة المقبلة، فهل هذا ضمن برنامج الحكومة؟

- هذا الكلام غير دقيق، وهذه شائعات، الضريبة على الثروة ليست في حساباتنا، فهذه الضريبة صعبة التفعيل، فكيف ستحسب الثروة وكم من الوقت يتطلب لحسابها، علما بأن الثروة تتغير باستمرار، ونادرا ما تجد دولة تفرض ضريبة على الثروة، فهي ليست عملية.

ونحن نتبع سياسة توسعية، وهذا ضد مبدأ فرض ضرائب جديدة، هذا لا يعني أننا ضد فرض الضريبة التصاعدية على الدخل، ولا ضد أن يعاد النظر في تلك الضريبة، ولكنه من المهم أن تفرض تلك الضريبة في وقت مناسب، الوقت الحالي ليس مناسبا، من الممكن أن ندرسها حاليا ولكن تطبيقها يجب أن يكون في الوقت المناسب.

* من المقرر أن يجري تطبيق الحد الأدنى للأجور بحلول يناير (كانون الثاني) المقبل، هل هذا يكفي لحل مشكلة الأجور في مصر؟

- هناك موضوعات كثيرة تسبب خللا هيكليا وستظل معنا ومع الحكومات القادمة، فهيكل الأجور في مصر شديد التعقيد، ليس في القطاع الحكومي، ولكنه في القطاع الخاص والقطاع غير الرسمي، وسوق العمل وهيكل الأجور يحتاج إلى إعادة نظر جوهرية.

الحد الأدنى للأجور مطلب شعبي، هذا موضوع هام، ولكنه ليس الموضوع الوحيد، وقد يكون ليس من الموضوعات الأكثر أهمية لتحقيق العدالة الاجتماعية.

* هل تستطيع الحكومة التعامل مع هذا الأمر بالكامل الآن؟

- لا أعتقد ذلك، ولكننا ندرس هذا الأمر.. وزير التخطيط الذي يرأس المجلس القومي للأجور، يتفق حاليا مع منظمة العمل الدولية لعمل دراسة على هيكل الأجور في مصر، فهذا موضوع هام، ونعرف أننا لن نستطيع التعامل معه في يوم وليلة، ولكنه مهم، ونحن سنحضر وعلى الحكومات المقبلة أن تستكمل ما بدأناه.

* هل هناك خطة ثانية لتحفيز الاقتصاد؟

- ما أستطيع أن أؤكده الآن هو أن تعديل الموازنة الذي جرى إقراره أخيرا لفتح اعتماد إضافي آخر، لن يكون التعديل الأخير، لأن هناك تغيرا في الموارد وتغيرا في الالتزامات من ناحية المصروفات التي أضفناها ولم نأخذها في الاعتبار عن تعديل الموازنة الأول.

* قال مسؤولون في الحكومة إنه يقدر بنحو 3.2 مليار دولار، فهل هذا صحيح؟

- لم نحدده بعد لأن وزارة المالية تقوم بتحديد هذا الأمر مع وزارة التخطيط، وهذه المناقشة لم تتم بعد، ما أستطيع أن أؤكده لك أننا سنقوم بعمل تعديل في الموازنة لفتح اعتماد إضافي آخرا على الموازنة.

* هناك حزمة مشروعات تعهدت الإمارات بتنفيذها في مصر، وكانت تلك المشروعات مدرجة أيضا في خطة التحفيز التي أعلنتم عنها، إلى أي مدى ستوفر تلك المساعدات من حجم خطة التحفيز؟

- كل المشروعات التي كان من المقرر تمويلها من الحكومة وآتٍ لها تمويل من الخارج، سيجري ضخ الأموال التي سيتجري توفيرها في الاقتصاد، لا أستطيع أن أحدد بنودا معينة سيجري ضخها بها، فوحدة الموازنة تستدعي أنك في كل مرحلة تنظر إلى الاقتصاد من جديد، وتحدد الأولويات.. نشكر الإمارات لأنها ساعدتنا على تمويل مشروعات كنا نسعى لإنشائها.

* هل هناك دول أخرى ستضخ أموالا في مشاريع مثل الإمارات؟

- النموذج الإماراتي قد يكون نموذجا يستفاد منه ويحتذى به، وسيساعدنا في مباحثاتنا مع السعودية والكويت، وزير التعاون الدولي الدكتور زياد بهاء الدين سيبدأ جولة من المحادثات مع السعودية والكويت بشأن هذا الأمر خلال الفترة المقبلة.

* متى سيجري بدء سداد ديون شركات البترول الأجنبية؟ هل جرى التوصل إلى اتفاق بشأن هذا الأمر؟

- هذا الموضوع من أكثر الموضوعات الهامة لنا، ويجري التشاور الآن بخصوص هذا الأمر مع وزير البترول ومحافظ البنك المركزي، ويهمنا أن نتعامل مع هذا الموضوع بشكل جاد يحقق فائدة للشركاء الأجانب، ونأمل أن يجري سداد جزء من مستحقاتهم قبل آخر العام.

* هل اتخذتم أي إجراءات لتقنين وضع القطاع غير الرسمي؟ وهل هناك تسهيلات وحوافز لتقنينه؟

- هذا من أهم الموضوعات التي تشغلني، لأنه سيساعد على النمو، فعندما يتمكن هذا القطاع الكبير من أن ينتج ويقترض ويتوسع في الإنتاج ويصدر فإنك تنشط الاقتصاد، كما أن له مردودا أيضا على العدالة الاجتماعية، لأن عددا كبيرا من المصريين ينتجون ويعملون ويعيشون في هذا القطاع تحت ظروف غير مقبولة، فلو نجحنا في أن نقنع هذا القطاع لأن ينتمي إلى القطاع الرسمي فسيستفيد الاقتصاد، نريد أن نبدأ في أول خطوات لتقنين وضع القطاع غير الرسمي، وهناك إجراءات عدة نسعى لاتخاذها وسنبدأ بها قبل مغادرة الحكومة.

* كيف ستواجهون مشكلة عجز الموازنة خاصة أنكم تستهدفون تقليصه بنحو 4 في المائة ليصل إلى 10 في المائة خلال العام المالي الجاري؟

- عجز الموازنة سيقل إلى 10 في المائة وأنا ملتزم بهذا الأمر، لا أقول ذلك من وحي الخيال ولكن لها حسابات، فمثلا كل الإنفاق الذي نقوم به يقابله موارد، وبالتالي أتأكد أنني أحافظ على عجز الموازنة، ولا أنفق أمولا إلا إذا كانت لها مخصصات، وإذا ظهرت لنا بعض الأمور التي تحتاج لأموال نبحث لها عن وسيلة لتمويلها بحيث لا تمول بالسحب على المكشوف.

الأموال الإضافية التي حصلنا عليها من دول الخليج جزء كبير منها منح، الأهم في هذا الأمر هو ما نتج عن تلك المساعدات بشكل غير مباشر، فهو عمل على زيادة الاحتياطي، وقام البنك المركزي بتخفيض سعر الفائدة، وأصبحنا قادرين على أن نقترض بنحو 10.5 في المائة بدلا من 14.5 في المائة، وجزء من تلك المنح وضع في تقليل الدين العام، وبالتالي يقلل من حاجتنا للاقتراض من السوق المحلية، ويسمح للقطاع الخاص بأن يكون عنده موارد يحصل عليها من البنوك، وبالتالي ساهم في تنشيط الاقتصاد، وسيساهم في تقليص عجز الموازنة.

* وهل هناك نية لتخفيض الدعم؟

- من الأمور الهامة التي نحاول أن نبدأ بها ترشيد دعم الطاقة، لا ننوي الاقتراب من دعم المواد التموينية، لأنك تقارن بين 30 مليار جنيه (4.4 مليار دولار) دعم المواد التموينية و130 مليار جنيه (18.9 مليار دولار) دعم المواد البترولية، وعندما يكون الوقت محدودا فيجب التركيز على أمور يكون العائد منها كبيرا، وهو دعم الطاقة.

* هل هذا التخفيض متعلق بتطبيق الكروت الذكية أم هناك خطوات أخرى؟

- وزير البترول يعمل على موضوعين، الأول هو الكروت الذكية للتأكد أنه لا يوجد تسرب وسرقة للمواد البترولية، والأمر الثاني تقليص دعم الطاقة بدرجة كبيرة على عدد من السنوات بشكل متدرج، بحيث لا يحدث صدمة بالنسبة للمتعاملين مع الطاقة، وسيجري الإعلان عنه عندما نتوصل لنتيجة، وسيخضع للنقاش مجتمعيا، وهذا الأمر نريد أن نقوم به، ونقدم للحكومات القادمة برنامجا للتعامل مع دعم الطاقة، وسنبادر نحن باتخاذ خطوة أو خطوتين لتقليص هذا الدعم.

* هناك ارتفاعات كبيرة ومتتالية للأسعار، كيف ستواجهون هذا التحدي الكبير خاصة مع سياسة الإنفاق التوسعية التي تتخذها الحكومة، مع توقعات بمواصلة ارتفاع مستوى التضخم عقب تطبيق الحد الأدنى للأجور؟

- التخوف من التضخم تخوف منطقي؛ لأنك عندما تزيد الطلب يزيد التضخم، التضخم يأتي من عدة أماكن، أحدها من الخارج، إما من زيادة في أسعار الاستيراد أو أن سعر الصرف يتغير بشكل كبير، وهذا تضخم مستورد، فأسعار السلع خاصة المواد الغذائية في الانخفاض، ولا يوجد هناك فرصة أن الجنيه يقل بدرجة كبيرة يزيد معه قيمة الاستيراد، إذن فالتضخم المستورد من الواضح لدينا أنه لن يصبح كبيرا، الأمر الثاني وهو أن التضخم يأتي نتيجة طبع الأموال وطبع الأموال يأتي من اتساع عجز الموازنة، فسياستك تقول إنك تقلل عجز الموازنة وبالتالي طبع الأموال سيقل، فهذا مصدر ثان للتضخم تم كبحه.

الجزء الأهم وهو الأسواق، بعض الأسواق فيها احتكار من منتجي السلعة أو المستوردين، أفضل وسيلة للتعامل مع هذا الاحتكار هي زيادة المنافسة في الاستيراد أو في الإنتاج ولو هناك عوائق تزيلها.. الملجأ الأخير أنك تحاول أن تعمل ضبطا لبعض الأسعار أو بعض السلع لأنها قد تكون مهمة للناس، وكل تلك الأمور التي شرحتها لك تعمل عليها الحكومة حاليا.

التخوف من التضخم تخوف مبالغ فيه، وهذا لا يعني أننا لا نقول إن الأسعار سترتفع في بعض السلع، ولكن يجب أن نفرق بين معدل تضخم الآن وهو 10 في المائة وتضخم من عامين بلغ نحو 20 في المائة، أقول لك إنه لن يصل إلى تلك المعدلات القديمة، وسيظل يتحرك حول 10 في المائة. وذلك وفقا للسياسات التي ستتبع.