المنتدى الاقتصادي الثالث لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يسعى لشراكات يشكل الخليج أحد أضلاعها

استضافته مدينة مرسيليا برعاية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند

جانب من مدينة مرسيليا.. وفي الإطار فرنسوا توازي («الشرق الأوسط»)
TT

استضافت مدينة مرسيليا المتوسطية، ليومين، تحت رعاية رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند وحضور وزير الصناعة أرنو مونتبورغ، وميشال فوزيل، رئيس منطقة بروفانس - كوت دازور، مؤتمرا دوليا تحت عنوان: «المنتدى الاقتصادي لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» في نسخته الثالثة بعد الأولى التي عقدت في المدينة نفسها في عام 2011 والثانية التي استضافتها إمارة الشارقة.

وجديد المنتدى الأخير الذي احتضنه «الأسبوع الاقتصادي المتوسطي» السنوي في مرسيليا، أن الجهة الداعية وهي «مركز التحليل والاستشراف لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» الذي يرأسه فرنسوا عيسى توازي بالاشتراك مع معهد يورومد للإدارة، أرادت توسيع إطاره الجغرافي لجهة ضم بلدان الخليج العربي إلى إشكالية التنمية والشراكة المتوسطية. وبرز التجديد من خلال حضور حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي الذي كان ضيف الشرف، والشيخة حور القاسمي رئيسة مؤسسة الشارقة، وحضور وفد خليجي كبير من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ضم مسؤولين رسميين وأكاديميين وآخرين عن الغرف التجارية ورجال أعمال معروفين، بينهم حميد جعفر ومازن الصواف وكامل المنجد وأسامة الكردي ومشعل كانو.. كذلك حضر مسؤولون اقتصاديون ورجال أعمال مغاربيون، بينهم وزير الاقتصاد والتجارة المغربي مولاي حفيظ العلمي، والوزيران الجزائريان السابقان شريف رحماني وأحمد طيباوي.

وتمثل الاتحاد الأوروبي بمفوضة شؤون الشباب والتربية والثقافة أندرولا فاسيليو، وبنائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي فيليب دو فوتين فيف، بينما تمثل الاتحاد من أجل المتوسط بأمينه العام فتح الله سجلماسي.

يقول فرنسوا عيسى توازي الدبلوماسي الذي شغل في الماضي منصب مستشار وزير الخارجية السابق فيليب دوست بلازي ويعمل حاليا مستشارا لرئيس شركة «أكسا للتأمين» إن منتدى مرسيليا الأخير «شكل فرصة استثنائية للتبادل والحوار من أجل بناء شراكات صلبة في قطاعات المياه والطاقة والصناعة المالية والبنى التحتية، ولكن أيضا في قطاعين أساسيين إضافيين، هما التربية والتعليم من جانب، والثقافة من جانب آخر». وبحسب توازي، فإن ضم الخليج إلى المنتدى «ينطلق من مبدأ التكامل وإقامة علاقة مثلثة الأضلاع قوامها أوروبا بما تمتلكه من تقدم تكنولوجي ومهارات وكفاءات، والخليج بما يحتضنه من فرص وإمكانيات تمويلية كبرى، والمنطقة المتوسطية بما تحتاجه من مشاريع وتوفره من فرص للاستثمار».

وخلال النقاشات، اقترح كثيرون إضافة «البعد الرابع» عن طريق ضم بلدان ما يسمى الساحل الأفريقي بالنظر للارتباط الوثيق مع بلدان شمال أفريقيا العربية وأوروبا. أما بصدد انفتاح المنتدى على عالم التعليم والتربية والثقافة، فقد اعتبر توازي أن الاستثمار فيه هو «ضمانة للمستقبل، خصوصا أن الأنظمة التعليمية في الحوض المتوسطي لا تتلاءم مع احتياجات سوق العمل الحالية، ولأن المشكلة الأولى التي تعانيها هذه البلدان هي البطالة بكل أشكالها، والطريق لمحاربتها يمر حتما بأنظمة تعليمية تتجاوب مع التحولات الاقتصادية، وبالتالي مع سوق العمل».

المنتدى احتضنته «فيللا المتوسط» وهي بناء حديث ومجدد في هندسته شيد بمناسبة اختيار مرسيليا «عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2013»، وهي تجاور متحف حضارات أوروبا والمتوسط الذي ظهر إلى الوجود في المناسبة نفسها. وفي كلمته الافتتاحية، أشار ميشال فوزيل إلى أن الرئيس هولاند أراد أن تكون مرسيليا «بوابة فرنسا على المتوسط ومنه إلى المنطقة الخليجية». وقال فوزيل: «نريد للخليج أن ينضم إلى المنطقة المتوسطية»؛ سعيا وراء النمو والاستقرار، خصوصا في منطقة متوسطية يعاني جنوبها من تداعيات الربيع العربي، وشمالها من الأزمة المالية والاقتصادية. وطالب الوزير مونتبورغ بالانتقال إلى علاقة «متساوية» بين جنوب المتوسط وشماله، والانتقال من الكلام العام إلى «المشاريع المحسوسة». وفيما رأى فوزيل أن مرسيليا «يجب أن تكون مختبرا لسياسة فرنسا المتوسطية» ذهب حاكم الشارقة في الاتجاه حيث عدها «ملتقى ومختبرا للحضارات والثقافات».

بيد أن هذه الرؤية «المثالية» على أهميتها تصطدم بالواقع القائم، حيث التحديات الاقتصادية كبيرة، وهو ما أشار إليه الوزير المغربي العلمي الذي بين عبء ظاهرة الهجرة عبر المتوسط، ودعا إلى أن يسير شمال المتوسط وجنوبه «يدا بيد من أجل إنتاج الثروة التي يستفيد منها الجانبان في علاقة تكافؤ وليس هيمنة». وبدوره لفت الوزير السابق رحماني إلى أن الغرض اليوم «ليس قيام متوسط يكون بمثابة ضاحية تستفيد منه أوروبا»، وتابع: «بل الاستثمار معا، والإنتاج معا، والاستفادة معا، وتحقيق الازدهار معا». وبرأيه يتعين «تعبئة الطاقات وإنتاج (نموذج للتعاون والشراكات) يأخذ بالاعتبار البعد الإنساني ويوسع سوق الإنتاج باتجاه الجنوب، ويوفر إمكانية نقل المعرفة والتكنولوجيات والمهارات». ودعا رحماني إلى «التخلص من إرث الماضي والعمل على التكامل واستغلال الأوراق الرابحة لدى الجميع» وصولا إلى حالة «الاندماج» المتوسطي التي هي حاليا «الأضعف» مقارنة بما هو موجود حاليا في العالم.

ونبه رجل الأعمال حميد جعفر أوروبا إلى أنها بصدد «خسارة قدراتها التنافسية» في أسواق الخليج والشرق الأوسط مقارنة بالصين والقوى الاقتصادية والصناعية الناشئة في آسيا. وحث جعفر الأوروبيين على التعاون مع المتوسطيين لمواجهة ظاهرة البطالة عبر تطوير التعليم المتخصص وإقامة شراكات بين البنى التعليمية والقطاعات الإنتاجية والشركات.