أزمة تهدد إمدادات الغاز الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي مع حلول الشتاء

أوكرانيا توقف الواردات قبل أسابيع من توقيع اتفاق للتجارة الحرة مع بروكسل

TT

كالعادة خلال السنوات القليلة الماضية ومع اقتراب فصل الشتاء والبرودة، تظهر تطورات تنذر بتهديد أوروبا بشكل أو بآخر باحتمال تعطل مصادر إمدادها بالغاز، وخاصة من روسيا، فقد أوقفت أوكرانيا واردات الغاز الروسي الجمعة الماضي في نزاع حول التسعير، وفق مصادر في صناعة الغاز بروسيا وشركة «غازبروم» التي تحتكر تصدير الدولة.

وتدفع أوكرانيا نحو أربعمائة دولار للألف متر مكعب من الغاز الروسي، مما يعد سعرا عاليا على المستوى الأوروبي. وتتوقف واردات الغاز إلى أوكرانيا قبل توقيع كييف اتفاقا للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي متوقعا له قبل نهاية الشهر الحالي، وهي الخطوة التي أثارت غضب موسكو. ونقلت تقارير إعلامية أوروبية في بروكسل عن مصدر في شركة «نفتوغاز» الحكومية الأوكرانية التي تشتري الغاز الروسي: «عدم وجود أي إمدادات منذ يوم الجمعة». وقال مصدر في صناعة الغاز بأوكرانيا إن مشغل خط أنابيب الغاز، أمر شركة «نفتوغاز» الحكومية الأوكرانية بوقف مشترياتها من الغاز الروسي. كما نقلت المصادر نفسها عن مسؤول في شركة «غازبروم» قوله، إن تدفقات عبور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا مستمرة ولم تتأثر، علما بأن روسيا تمد أوروبا بنحو نصف ما لديها من غاز عبر أوكرانيا.

وفي وقت سابق، قالت الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد الأوروبي، إن أسعار الطاقة غير العادلة تشكل عقبة رئيسة أمام القدرة التنافسية في الاتحاد الأوروبي، وجاء ذلك على لسان داليا غرايباسكيتي رئيسة ليتوانيا التي تتولى بلادها الرئاسة الحالية للاتحاد، وأضافت في بيان صدر ببروكسل الشهر الماضي، عقب محادثات مع جواكيم ألمونيا مفوض مكافحة الاحتكار، أن شركة الغاز الروسية «غازبروم» تثير القلق بسبب أسعارها سواء في ليتوانيا أو غيرها من بلدان أوروبا الشرقية، وأقدمت على ما يتعارض مع مبادئ السوق الحرة، ويضر بالقدرة التنافسية في أوروبا، وقال البيان الأوروبي إن المستهلك في ليتوانيا يدفع ثمن الغاز بزيادة قيمتها 30% مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى.

من جانبه، قال مفوض مكافحة الاحتكار جواكين ألمونيا، إن الاتحاد الأوروبي يستعد لتوجيه الاتهام لعملاق الغاز الروسي «غازبروم» بممارسة الاحتكار واستغلال المركز المهيمن في وسط وشرق أوروبا، في خطوة يمكن أن تؤدي إلى دفع غرامة تصل إلى 15 مليار دولار.

وحسب تقارير إعلامية في بروكسل، فإن الخطوة الأوروبية ضد «غازبروم»، التي توفر ربع احتياجات استهلاك الغاز في أوروبا، من المرجح أن تزيد من وتيرة التوتر بين أوروبا وروسيا. وتشتبه سلطة مكافحة الاحتكار الأوروبية في قيام «غازبروم» بإعاقة تدفق الغاز عبر ست دول في الاتحاد الأوروبي وفرض أسعار غير عادلة على عملائها من خلال ربط سعر الغاز بأسعار النفط. الشركة، التي بلغت عائداتها السنوية العام الماضي نحو مائة وثمانية وأربعين مليار دولار، يمكن أن تتفادى احتمال دفع غرامة من خلال تقديم تنازلات لتسوية القضية. وفي الأسبوع الماضي، أعد الاتحاد الأوروبي لائحة بمشاريع الطاقة ذات الأولوية والاهتمام المشترك من قبل بلدان الاتحاد، لمنحها التمويل اللازم من صندوق ربط المرافق الأوروبية. وجاء ذلك بعد أن قال أنطونيو أوتينغر، المفوض المكلف شؤون الطاقة، إن هذه اللائحة خضعت على مدى الأشهر الأخيرة لنقاشات مكثفة، بما في ذلك من قبل بلدان الاتحاد الأوروبي مع ممثلي قطاع الطاقة. وعلى سبيل المثال، وافقت مفوضية الاتحاد الأوروبي على تخصيص 134 مليون يورو للمساعدة في تمويل أربعة مشروعات غاز لدعم البنية التحتية في اليونان. وقالت الذراع التنفيذية للاتحاد، إن المشروعات تهدف إلى زيادة قدرة نقل الغاز وأمن الإمدادات في اليونان، بالإضافة إلى الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وأشارت إلى أن المساعدات ستوجه لشركة «ديسفا»، وهي الشركة الوحيدة المسؤولة عن عمليات توزيع ونقل الغاز في اليونان التي قدمت ضمانات بإتاحة الفرصة للانضمام إلى شبكتها أمام جميع موردي الغاز. كما أعلنت المفوضية الأوروبية تخصيص مساعدات بقيمة 465 مليون يورو لإقامة سلسلة من خطوط أنابيب الغاز وتنفيذ أعمال تحديث في مختلف أنحاء بولندا. وستوجه مساعدات الاتحاد الأوروبي لشركة «غاز - سيستم» الحكومية المسؤولة عن عمليات توزيع ونقل الغاز في بولندا.

ومن المقرر أن تقوم شركة «غاز - سيستم» بإنشاء شبكة جديدة من خطوط الأنابيب بهدف المساعدة في إقامة مشروع «ممر الشمال والجنوب» لنقل إمدادات الغاز في بولندا. ويوصف «ممر الشمال والجنوب» بأنه شبكة من البنية التحتية تهدف إلى تسهيل الوصول إلى مصادر إمدادات الغاز في شمال البلاد ودمج سوق الغاز البولندية بصورة أفضل مع أسواق الغاز في ألمانيا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا. وتتنهج بلدان الاتحاد الأوروبي سياسة تنويع مصادر الطاقة وزيادة إمكانية تبادلها، مما قد يساهم في تقليص اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز كمصدر للطاقة، وبالتالي تقليص اعتماد هذه البلدان على روسيا كمورد رئيس له. وتواصل روسيا العمل على تشييد مشروع «التيار الجنوبي» لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى جنوب ووسط أوروبا عبر البحر الأسود. وسيمتد الجزء البري من الأنبوب عبر قاع البحر إلى أراضي بلغاريا، ومن ثم صربيا والمجر واليونان وسلوفينيا وكرواتيا والنمسا. وتستعين شركة «غازبروم»، التي تدير الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي، بشركات إيطالية وألمانية وفرنسية في إنشاء خط الأنابيب «التيار الجنوبي». وأطلق مشروع خط «التيار الجنوبي» في السابع من ديسمبر (كانون الأول)، ومن المخطط أن يجري مد أربعة فروع منه، تبلغ السعة التمريرية لكل منها 15.75 مليار متر مكعب سنويا.

ومن المتوقع أن يبدأ استثمار الخط تجاريا في عام 2016، على أن يطلق باستطاعته كاملة (63 مليار متر مكعب سنويا) في عام 2018. ويشار إلى أن التكلفة الإجمالية لمشروع خط «التيار الجنوبي»، بجزأيه البحري والبري، تقدر بـ16 مليار يورو.