اقتصاد إيران بعد 100 يوم من حكم روحاني

TT

خلال أيام الحملة الدعائية للانتخابات الرئاسية العاشرة في إيران، سعى المرشحون للانتخابات إلى أن يتحدثوا بطريقة معينة، وأن يطلقوا الوعود من أجل الحصول على أصوات المواطنين. ومن جملة تلك الوعود بحث المواضيع والمشكلات التي يعاني منها الناس خلال 100 يوم، وهو الوعد الذي أطلق من قبل بعض المرشحين ومنهم الدكتور روحاني. ولذلك بعد انتخابه لشغل منصب رئيس الجمهورية وفي أول يوم من توليه الحكم أعلن ما يلي خلال خطبته: «نحن نعدكم بأن نتخذ الخطوات الضرورية والفورية من أجل ازدهار الاقتصاد وحل المشكلات خلال الـ100 يوم الأولى وفقا لما وعدناكم به سابقا، وسنعلن للشعب عن نتيجة ذلك». والآن يكاد عدد أيام عمر حكومة روحاني يصل إلى الـ100، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى استطاعت الحكومة تنفيذ هذا الوعد؟

وقال حسن حكيميان، مدير مركز الدراسات الإيرانية في مركز الدراسات الشرقية والأفريقية، لموقع «شرق فارسي»، إن التغلب على التحديات الاقتصادية يحتل أولوية قصوى بالنسبة لحكومة روحاني الجديدة، وهو ما اتضح جليا في التعيينات التي قام بها الرئيس منذ توليه السلطة.

وأضاف حكيميان أن الحكومة الإيرانية تدرك تماما تأثير العقوبات على الاقتصاد وأن النمو الاقتصادي أصبح سلبيا، ولذا يسعى إلى تخفيف حدة التوتر بشأن البرنامج النووي الإيراني. كما تبدي الحكومة الجديدة إصرارا على معالجة المشكلات الاقتصادية من خلال حل مآزق السياسة الخارجية. وأشار إلى أنه حال تراجع الضغوط الخارجية ستتمكن إيران من الحصول على عائدات مبيعاتها النفطية، وهو ما سيسهم بشكل رئيس في تحسن الموقف الاقتصادي.

وشدد حكيميان على أن 100 يوم في عمر الإدارة ليست بالمدة الطويلة على الإطلاق، ومن ثم فإن توقع الكثير من الإدارة ليس بالأمر المنصف. لكن رغم ذلك هناك الكثير من المؤشرات الإيجابية التي حدثت خلال الـ100 يوم الماضية مقارنة بالحكومة السابقة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. هذه السياسات الجديدة مؤشر على حقبة جديدة بالنسبة لإيران.

ونوه حكيميان بانخفاض معدل التضخم إلى 40% قبل تولي الحكومة الجديدة السلطة وإصرار وزير الاقتصاد الجديد على ضبط وخفض هذا المعدل. وربط أيضا بين التدهور السريع في سعر العملة الإيرانية، الريال، وتدهور العلاقات الخارجية، وشدد على ضرورة سعي إيران إلى رفع العقوبات حتى يتحسن الاقتصاد.

وكما جاء في هذه الكلمة، وكذلك من السيرة الذاتية للأفراد الذين قدمهم روحاني من أجل تولي المسؤولية في الوزارات، وخطة العمل التي قدمها هؤلاء الأفراد من أجل الحصول على تأييد مجلس النواب، فإن موضوع تطوير اقتصاد البلاد وازدهاره هو على رأس قائمة أولويات العمل في التشكيلة الحكومية العاشرة، ومن هذا المنطلق فإن جميع جهود حكومة روحاني تتركز حول هذا الموضوع، ولكن من حيث إن حل المشكلات والمعضلات الاقتصادية غير ممكن من دون حل مشكلة السياسة الخارجية، لذلك قام روحاني في الآن نفسه بتحضير حكومته من أجل التغيير في مجال السياسة الخارجية والتعامل الإيجابي والبناء مع العالم الخارجي، وبصورة خاصة في ما يخص حل الملف النووي والتفاوض مع البلدان الكبرى (5+1).

يمكن تلخيص مكتسبات حكومة روحاني في هذه المدة القصيرة التي تبلغ 100 يوم في المجال الاقتصادي كما يلي:

1 - اختيار أعضاء الفريق الاقتصادي للحكومة وتشكيله من الأفراد المتخصصين وأصحاب التجارب والمجربين وأصحاب الأفكار المتناسقة، حيث إن التناسق بين أعضاء هذا الفريق من الممكن أن يكون مؤثرا من أجل المواضيع والمشكلات الاقتصادية، وأن يكون مؤثرا جدا ومصيريا في خطة عمل الدولة.

2 - جعل السياسة الخارجية للبلاد تعمل على أساس إزالة التوتر والسعي من أجل حل المشكلات والمواضيع المتعلقة بالملف النووي، وقد تم ذلك من خلال سفر الدكتور روحاني وفريقه المرافق إلى نيويورك وحضورهم الاجتماع السنوي للأمم المتحدة. خلال هذه الرحلة استطاع روحاني عن طريق إعلانه عن المواقف الجديدة، بالإضافة إلى اللقاءات مع مسؤولي الدول الغربية والمكالمة الهاتفية مع الرئيس الأميركي أوباما، أن يخلق فضاء جديدا في مجال العلاقات الإيرانية في العالم وأن يفتح الباب من أجل الحوار حول الملف النووي. إن نتيجة هذه الأعمال هي إيقاف زيادة شدة الحصار الاقتصادي على إيران من قبل أميركا والاتحاد الأوروبي، وهذا كان له نوع من التأثير الإيجابي على الاقتصاد الإيراني، ويمكن مشاهدة علامة ذلك في الثبات النسبي لسعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.

بالطبع من المتوقع أن يؤدي الاستمرار بهذه السياسات على يد حكومة روحاني إلى تقليل شدة الحصار ورفعه بصورة نهائية، مما سيعود على الاقتصاد الإيراني بالحركة والثبات.

3 - وضعية الركود الحاصل بسبب التضخم في الاقتصاد الإيراني المقترنة مع مؤشرات مثل النمو الاقتصادي السلبي البالغ 5.4%، معدل التضخم 31.5%، معدل البطالة 12.4% في عام 2012، وهي الوضعية التي بدأت حكومة روحاني العمل فيها، دفعت هذه الحكومة إلى اتخاذ سياسات طوارئ من أجل مواجهة هذه الوضعية، وهي سياسات تستطيع من جهة أن تقلل سرعة تزايد التضخم، ومن ناحية أخرى يمكنها أن تحرك عجلة الاقتصاد. لقد تم تحضير وطرح لائحة إصلاحات ميزانية عام 2013 من قبل الحكومة بهذه النظرة وبهذا المحتوى، وفي هذه الأيام تنتظر هذه اللائحة الموافقة النهائية من قبل مجلس النواب.

في هذه اللائحة اقترحت الحكومة تعديل قانون الميزانية بحيث لا تواجه عجزا في الميزانية يبلغ ما يقارب ستين ألف مليار تومان، كي لا تجبر على الاقتراض من البنك المركزي مما يؤدي إلى زيادة السيولة، وهو أمر يؤدي إلى زيادة سرعة تزايد التضخم. إن نتيجة تشديد الحكومة في تنفيذ قانون الميزانية وتعديله يمكن ملاحظتها في انخفاض سرعة التضخم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، على الرغم من أن معدل التضخم ازداد من 31.5 في أواسط شهر أبريل (نيسان) السابق إلى 36.2 في أواسط شهر يوليو (تموز) السابق، ولكن وفقا لآخر تقارير البنك المركزي حول هذا الموضوع فإن النسبة المئوية لتغييرات المؤشر العام خلال اثني عشر شهرا، حتى شهر يوليو عام 2013 بالنسبة إلى المدة المشابهة في العام الماضي، هي 36.2%. وقد ازدادت بالنسبة إلى التضخم في الأشهر الاثني عشر التي تنتهي في أغسطس (آب)، ولكن ذلك يشير إلى انخفاض في سرعة زيادة معدل التضخم. من الممكن أن نتوقع السيطرة على معدل التضخم وأن تزدهر الفعاليات الاقتصادية في الأشهر القادمة في ظل سياسة تقليل السيولة والانضباط المالي الحكومي.

4 - استمرت حكومة روحاني بتطبيق قانون المساعدات الهادفة كما في السابق، ولكن في نفس الوقت أقدم على جمع المعلومات والمعطيات المتعلقة بتحليل وتجزئة النتائج الحاصلة من تنفيذ هذا القانون، وتوصل إلى إعادة النظر في هذا القانون لأن المصادر المالية التي حصلت عليها الحكومة من هذا القانون لا تكفي لتغطية المساعدات المالية المدفوعة، وإن الحكومة تواجه عجزا واضحا في الميزانية في هذا المجال. في هذا المجال يمكن أن نتوقع أن تعديل القانون وطريقة التنفيذ عن طريق توجيه المساعدات نحو الطبقات الفقيرة والمتوسطة من الممكن أن يؤدي إلى إقرار توازن بين الأرباح المالية ووقف الدعم للسلع المدعومة، وكذلك إمكانية الاستثمار في مجال التغطية الاجتماعية والتأمين العلاجي لجميع الإيرانيين.

منصور فارهانغ، مندوب إيران السابق لدى الأمم المتحدة، أيضا أكد أن إيران تتعرض لضغوط اقتصادية هائلة بسبب العقوبات، ووفقا لبعض التقديرات تصل الأصول الإيرانية التي صودرت في الولايات المتحدة أو من قبل الولايات المتحدة إلى 50 مليار دولار، وفي حالة رفع العقوبات ستتمكن إيران من الوصول إليها.

وأكد فارهانغ على أن حكومة روحاني تمكنت من إصلاح علاقات إيران مع الغرب من خلال تغيير مواقفهم تجاه البرنامج النووي الإيراني. وأشار إلى أن تراجع الضغط السياسي جعل إيران أكثر قدرة على بيع نفطها في السوق. أضف إلى ذلك أن السوق الإيرانية تشكل عامل جذب للشركات الأجنبية حيث أبدت بعض الشركات الأميركية مؤخرا رغبة في الاستثمار في إيران حال شعورهم بالأمان والأمن السياسي.

يجب أن نشير إلى أن الدكتور روحاني خلال كلمته في مجلس الخبراء، وكذلك أمام مجلس النواب الإيراني، قال: «بالطبع خلال أول 100 يوم من عمل الحكومة سوف أشرح للشعب أوضاع البلاد في اليوم الذي تسلمت فيه الحكومة مقاليد السلطة. إن حكومة التدبير والأمل تتعهد ببيان جميع المشكلات للشعب وبشفافية، وذلك لأننا نعتقد أن من الأسباب التي دفعت الناس إلى التصويت لحكومة التدبير والأمل تحملها المسؤولية، ورعاية القانون، والصدق والشفافية التي وعدت هذه الحكومة الناس بها». ولذلك من أجل تقييم عمل «حكومة روحاني خلال الـ100 يوم» يجب أن ننتظر نشر التقرير الذي وعدت الحكومة بتقديمه، ولكن في التقييم الأولي لعمل حكومة روحاني خلال الـ100 يوم يمكن القول إنها إعادة قطار الاقتصاد الإيراني الذي قد خرج من السكة إلى اتجاهه الحقيقي إلى حد ما، وقللت من ضغط الاقتصاد.

في نفس الوقت يجب القول إن الاقتصاد الإيراني وأوضاع الناس المعيشية لم تتطور كثيرا. ويجب أن نشير إلى أن في المجالات الأخرى المتعلقة بالسياسة الداخلية مثل الحريات السياسية والاجتماعية والأمور المتعلقة بحقوق المواطنة وحقوق الإنسان، ومنها إطلاق سراح السجناء السياسيين وإيقاف احتجاز السيد موسوي والسيد كروبي والسيدة رهنود في المنزل، والتي هي ضمن وعود الدكتور روحاني الانتخابية، لم يتم اتخاذ خطوات كبيرة في هذا المجال خلال الـ100 يوم، ولذلك تهيأ الجو لانتقاد عمل «حكومة روحاني بعد 100 يوم».

على الرغم من أن التقييم العام لأداء حكومة روحاني في الـ100 يوم وفقا للوعود التي قطعت كان موفقا وإيجابيا، ولكن الأشخاص الذين صوتوا لروحاني من أجل تولي هذه المسؤولية يريدون أداء أفضل وتجاوبا للمطالبات المنتشرة في المجتمع. وهكذا وبالنظر إلى مجموعة الظروف الداخلية والخارجية التي تواجهها حكومة روحاني، فإن حكومته تواجه طريقا صعبا ومتعرجا، ومن أجل تقييم نتائج الطريق الذي اتخذته الحكومة خلال الـ100 يوم هذه يجب أن ننتظر أكثر وننتظر مرور الوقت، لأن آثار أي سياسة اقتصادية تظهر بعد مدة ستة أشهر أو سنة، وفي الأشهر التالية يمكن الحكم بصورة أفضل على أداء حكومة روحاني.