خبير الطاقة في معهد «هيرتدج» في واشنطن: خطة أوباما لبدائل النفط.. «مزحة»

ديفيد كرويتزر لـ «الشرق الأوسط»: لا نختلف كخبراء نفط محافظين كنا أو ليبراليين بأن نهج السعودية ظل معتدلا

ديفيد كرويتزر
TT

دكتور ديفيد كرويتزر خبير الطاقة في معهد هيرتدج المحافظ في واشنطن واحد من قادة النقاش وسط الخبراء الأميركيين حول مشكلات النفط. وخصوصا، النقاش بين الذين يقولون، إن «الحكومة يجب أن ترفع يديها عن الموضوع (وعن مواضيع اقتصادية أخرى كثيرة)، وبين الذين لا يثقون في الشركات ومؤسسات القطاع الخاص ورجال الأعمال وتجار المال». ويتمثل هذا النقاش في واشنطن في معهدين: هيرتدج (تراث) المحافظ، وبروغرسيف (تقدمي). وكما هو واضح من اسميهما. وبينما يؤيد خبراء تقدميون وليبراليون تدخل الحكومة الأميركية، حتى عسكريا، لتأمين مصادر وطرق النفط المستورد، يؤيد خبراء محافظون قدرة الشركات الأميركية على حل المشكلة دون تدخل عسكري. وعلى حل المشكلة، ليس فقط داخل الولايات المتحدة ولكن أيضا في دول النفط نفسها. وأنه، إذا رفعت الحكومات أياديها، تقدر الشركات على حلها.

دكتور كرويتزر واحد من هؤلاء. «الشرق الأوسط» التقته في مكتبه في واشنطن، وكان هذا الحوار:

* أخيرا كتبت سلسلة مقالات انتقدت فيها الرئيس باراك أوباما بسبب سياسته لحل مشكلات الطاقة، وخصوصا النفط. وانتقدت برامج مهمة يدعو لها أوباما مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، ونظافة البيئة. لكنك، في نفس الوقت، كتبت عن أهمية النفط المستورد. أليس هذا تناقضا؟

- يكون تناقضا إذا انتقدت بدائل النفط، وأيضا انتقدت استيراد النفط. لكني لا أنظر إلى الموضوع هذه النظرة المحددة. أنا أنظر إلى الموضوع من الصورة الكبيرة، صورة دور الحكومة في حل المشكلات الاقتصادية، نفط أو غير نفط. وأنظر إلى الست سنوات تقريبا التي قضاها أوباما في البيت الأبيض، وأرى فشل سياسته، وخصوصا سياسته النفطية.

* لماذا تعارض الدعم الحكومي الذي يقدمه أوباما لتشجيع بدائل النفط، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية؟

- لأنها تعتمد على خرافات. وما كان هذا مهما جدا، لولا أن الحكومة تصرف مليارات الدولارات عليها. وهذه هي مليارات دافع الضرائب الأميركي. وكان الحكومة تؤذيه بملياراته.

أنا أؤمن بالنظرية الاقتصادية التي تقول، إن «البائع والمشتري هما اللذان يحددان طرق وقوانين التعامل بينهما. إذا باع شخص طاقة شمسية بسعر رخيص، سيشتريها الناس. وإذا باعها بسعر أغلى من أنواع الطاقات الأخرى، سيتحول الناس إلى البدائل. وفي هذه الحالة، لا بد أن يعيد النظر في حساباته. ويوم ما سيقدر على كسب الناس مرة أخرى».

أنا لا أعترض على بدائل النفط. وأعتقد أنها، نظريا، حكيمة ومفيدة. لكن، لا يجب أن تتدخل الحكومة في الموضوع. وخصوصا، ألا تصرف أموال دافعي الضرائب عليها.

* لكن أوباما قال في خطابه عن بدائل الطاقة خلال الصيف، إن دعم الحكومة مؤقت، حتى تقف هذه الشركات الجديدة على قدميها؟

- ظللنا نسمع هذا الرأي منذ التسعينات. أنا لا أنكر أن دراسات مهمة أجريت في هذا الموضوع. وأن خبراء محترمين يؤيدون الدعم الحكومي. لكن، إلى متى؟ لا أنا أعرف، ولا أحد غيري يعرف. لكنى أعرف شيئا واحدا مؤكدا، وهو أن هذا الدعم يزيد ويزيد، سنة بعد سنة.

هذه نقطة. النقطة الثانية هي أن هؤلاء الخبراء يقولون، إن الدعم الحكومي يزيد فرص العمل. وبالتالي، يزيد النشاط الاقتصادي. لكن، ينسى هؤلاء أن الدعم الحكومي يأتي من ضرائب كان يمكن ألا تجمعها الحكومة. وكان يمكن أن تتركها في أيدي الشركات، والمواطنين أنفسهم، لخلق فرص العمل الحقيقية، والدائمة، والحرة.

* إذا لم تدعم الحكومة الأميركية شركات الطاقة الشمسية والطاقة الرياحية الأميركية، ستنافسها منتجات خارجية. وهذا هو أوباما نفسه ينتقد سياسة الصين المتعمدة إغراق أميركا بفيضان أجهزة رخيصة للطاقة الشمسية؟

- الصين، الصين، الصين. هذا كل ما يقوله الذين يريدون استمرار دعم الحكومة. يقولون إن حكومة الصين تدعم صناعاتها. وأنا أسأل الأسئلة الآتية: هل تدخل حكومة الصين في اقتصادها خطأ أو صواب؟ متى صارت الصين نموذجا لنا؟ هل نريد نحن أن ننافس الصين، أو أن نخاف منها؟ هذه نقطة. النقطة الثانية هي أن دولا أوروبية، مثل ألمانيا، تقدم دعما كبيرا لشركات الطاقة الشمسية والرياحية. لكن، أخيرا، خفضت حكومة ألمانيا هذا الدعم بهدف تشجيع الشركات على إعادة خططها، وتطوير عملياتها، وزيادة إبداعها.

* ألا تؤمن بنظافة البيئة؟ أليست بدائل النفط والمحروقات بدائل طبيعية نظيفة؟

- لا أعترض، بصورة عامة، على أن النفط والمحروقات يسببان زيادة ثاني أكسيد الكربون. ولا أعترض على أن هذا يزيد موجة الدفء في الكرة الأرضية. لكنى لا أؤمن بأن الكرة الأرضية في طريقها إلى الغرق. هذا مثل الخوف من الصين. صرنا نخاف من ثاني أكسيد الكربون وكأننا سنستيقظ صباح يوم، ولا نكاد نتنفس، ونموت كلنا في الحال.

ونحن نعتمد على النفط السعودي، وغيره، حتى نقدر على أن ننتج نفطا أرخص. حتى نهاية القرن الـ19، كنا نأكل مما نزرع، ونلبس مما ننسج. ثم، مع بداية القرن الـ20، سافر مستثمرون أميركيون إلى دول أميركا اللاتينية، ووجدوا أن الناس هناك يزرعون محاصيل بتكاليف أقل. وهم ليسوا بعيدين عنا. وهكذا، بدأنا نستورد منهم الموز. حتى عرفت بعض الدول هناك بأنها «جمهوريات الموز». وحدث نفس الشيء مع السكر في جزر البحر الكاريبي، ومع التبغ في كوبا، ومع اللحوم في الأرجنتين، ومع الأنناس في البرازيل، ومع العنب في شيلي.

لهذا، سنظل نستورد النفط السعودي لأنه أرخص من نفطنا. لكننا، كما تعرف، وخلال السنوات القليلة الماضية، زدنا إنتاجنا من النفط المحلي، وخصوصا نفط الصخور. وصارت أسعار الإنتاج المحلي تنخفض. وأنا متفائل جدا. وأؤمن بأن إنتاج نفط الصخور سيزيد، وأن الأسعار ستقل، وأن الاعتماد على النفط المستورد سينخفض أكثر وأكثر.

* ماذا ترون في فلسفة معاهد ليبرالية وتقدمية التي تختلف عن فلسفتكم خاصة في موضوع النفط والطاقة؟

- أحكي لك قصة. لـ20 سنة تقريبا، درست وعملت أستاذا في جامعة جيمس ماديسون (ولاية فرجينيا). ثم انتقلت إلى هنا، إلى معهد هيرتدج عام 2008. في منزلنا هناك، كانت عندنا غسالة أوان في المطبخ من النوع القديم الممتاز. كانت تستغرق ساعة وربع الساعة في كل دورة غسيل. وعندما انتقلنا إلى هنا، اشترينا غسالة من النوع الجديد «النظيف» الذي يطيع قوانين وكالة حماية البيئة البيئة (إي بي إي). لكنها تستغرق ساعتين تقريبا في كل دورة غسيل. ولأن الهدف هو توفير استهلاك الماء، توفر جالونين في كل دورة غسيل. لكنها تستغرق وقتا أطول، وبالتالي، تستهلك كهرباء أكثر.

لهذا، حسبت أنا الفرق، ووجدت أن جملة التوفير لا تزيد على واحد من 10 دولارات في كل دورة غسيل.

اليوم، لا توجد في الأسواق الغسالات القديمة، ولا أجهزة الحمام القديمة. والسبب هو أن وكالة حماية البيئة (إي بي إيه) تريد توفير استهلاك الماء.

ماذا فعلت؟ أمرت الشركات بصناعة تصميمات توفر الماء، لكنها تستهلك كهرباء أكثر. لكن، توفير قليل من الماء لا يوازن زيادة التكلفة، وتعقيد القوانين، وحظر الإبداع الصناعي. هذا هو الفرق بيننا وبينهم. وأنت سألتني عن معهد «بروغريسيف».

هذا هو الفرق بين «رياليست» (واقعي) و«ايدياليست» (مثالي).

فلسفتنا هي أن المنتج والمشتري يقدران على الاتفاق على قوانين تعامل الطرفين معاملة مفيدة وعادلة.

* هل تطبق هذا على النفط؟

- نعم. لا يختلف كثير من خبراء النفط، نحن المحافظين أو غيرنا من الليبراليين والتقدميين، بأن السعوديين ظلوا ينتهجون نهجا معتدلا في سياستهم النفطية. وأعتقد أن السبب الرئيس هو ما قلت سابقا: مراعاة مصلحة الطرفين. يجب ألا ننسى أن سعر النفط كان ثلاثة دولارات للبرميل الواحد. ثم ارتفع إلى 20. ثم إلى 60. ثم إلى 150. لهذا، ها نحن نريد إنتاج نفط أرخص. وها هم في منظمة أوبك يعترفون بأنهم لا يقدرون على الاستمرار في زيادة السعر. ليس فقط لأن الزيادة تنعكس على المنتجات التي يشترونها منا، ولكن، أيضا، لأن دولا كثيرة سوف تتوقف عن شراء نفطهم. في نفس الوقت، إذا توقفنا نحن عن شراء نفطهم الرخيص سيشتريه غيرنا. لهذا، يكسب صاحب النفط الأقل سعرا.

* حسنا. لكنك تستخدم عبارات متشددة في الدفاع عن رأيك. وتنتقد الرأي الآخر نقدا متطرفا أحيانا. أخيرا، كتبت: «قلت يا سيدي الرئيس إن تكاليف الطاقة قلت. هل هذه نكته؟» - نعم كتبت ذلك. ونعم أسال الآن: «هل هذه نكته؟» وأنا قرأت مرة أن واحدا ربط بين نفط الصخور وبين عقولنا. أي أن عقولنا متحجرة مثل الصخور التي يستخرج منها النفط.

وثانيا: كتبت الآتي: «أرقام وزارة الطاقة نفسها تقول إن الوظائف الخضراء التابعة لبرنامج الطاقة الخضراء: الشمس والريح) ليست كثيرة ولهذا، ليست دليلا لإثبات ما يقول الرئيس أوباما». وأنا قدمت أرقاما، منها: زيادة الوظائف كانت 10 في المائة فقط من الهدف. وشهادات التدريب منحت لناس قضوا يوما واحدا فقط في التدريب. ونصف الذين منحوا شهادات تدريب تدربوا لخمس أيام أو أقل أنا قلت إن كلام الرئيس أوباما عن هذه النقطة كان «نكتة»، وعلى الأقل، لم أقل إنها كانت «كذبة».