أميركا: النفط الصخري يثير مخاوف بيئية.. وفزع من تلوث المياه الجوفية

توجس من مدى قدرة القوانين المفروضة على الشركات في تجنب سيناريوهات كارثية

أحد حقول استخراج النفط الصخري
TT

في ولاية وايومنغ الصديقة للطاقة، تلقت الشركات العاملة في استخراج الغاز والنفط رسالة تقول: احفروا واستكشفوا، ولكن كونوا حريصين.

في الأسبوع الماضي، أقر منظمو القوانين في الولاية واحدا من أهم القوانين التي تفرض شروطا شديدة فيما يخص اختبار آبار المياه القريبة من مناطق التنقيب عن النفط. ويهدف هذا الإجراء إلى مواجهة المخاوف من أنه ربما تتعرض المياه الجوفية للتلوث بسبب أنشطة التنقيب عن النفط.

ويعد هذا الإجراء الأحدث بين مجموعة من القوانين الحديثة المهمة المرتبطة بإنتاج الطاقة التي أصدرتها ولاية وايومنغ، التي أصبحت في عام 2010 أول ولاية تفرض على شركات البترول أن تكشف عن بعض المواد الكيمائية التي تستخدمها في عملية التنقيب المعروفة بـ«التصديع الهيدروليكي».

يقول ماثيو هانسن ميد، حاكم وايومنغ الجمهوري الذي أيد الإجراء الخاص باختبار المياه الجوفية: «لن أقبل طرح ذلك السؤال: هل تريد بيئة نظيفة أم تريد الطاقة؟ فالحقيقة أننا جميعا في وايومنغ نحتاج إلى الأمرين معا».

وتأتي ولاية وايومنغ في المركز الرابع في ترتيب الولايات الأكثر إنتاجا للغاز الطبيعي، وفي المركز الثامن بين الولايات الأكثر إنتاجا للنفط، وقد نما إنتاجها بشكل سريع في الأعوام القليلة الماضية.

ويطالب الإجراء الخاص باختبار المياه الجوفية، الذي يسري في مارس (آذار)، شركات النفط والغاز بأن تختبر آبار وينابيع المياه الواقعة في مدى نصف ميل من مواقع التنقيب الخاصة بها قبل وبعد عمليات الحفر. وتقيس الاختبارات مجموعة من العوامل، من بينها درجة الحرارة والبكتيريا والغازات المذابة كالميثان والبروبان، بالإضافة إلى نحو 20 مركبا وعنصرا كيميائيا مثل الباريوم والبنزين والاسترنتيوم والنترات. ويأتي هذا القانون بعد الإجراء الذي سرى مفعوله هذا الشهر والذي يطالب شركات التنقيب بالمراقبة الدقيقة لملوثات الهواء في مواقع إنتاج الغاز والنفط الجديدة، بما يتضمنه من إصلاح لأي نوع من أنواع التسريبات. ويطبق هذا الإجراء في منطقة واحدة بغرب وايومنغ تكافح من أجل إبقاء غاز الأوزون دائما قيد المراقبة.

يقول جون جولدشتين، كبير مديري قسم سياسة الطاقة في صندوق الدفاع عن البيئة، إنه في عام 2010 انضمت ولاية وايومنغ إلى ولاية كولورادو كواحدة من أولى الولايات التي تتبنى معايير مشددة تهدف إلى تقليل الانبعاثات الضارة التي تنتج من عملية حفر آبار النفط والغاز الطبيعي.

وأشار مارك نورثام، مدير كلية مصادر الطاقة في جامعة وايومنغ، إلى أن ولاية وايومنغ تعمل على تعزيز ثقة الناس بعمليات التنقيب، مضيفا: «إنها قوانين أقوى»، لكن الهدف وراء مثل تلك القوانين هو جعل صناعة الغاز والنفط تعمل بسلاسة «وليس هدفها تعقيد الظروف التي تعمل فيها شركات التنقيب».

وتمارس الجماعات المناصرة للبيئة ضغوطا كبيرة لإحداث مزيد من التغيير، ففي واحدة من أحدث القضايا، نظرت محكمة وايومنغ العليا يوم الأربعاء قضية، رفعها عدد من الجماعات المناصرة للبيئة، تطالب بإلزام شركات النفط الكشف عن جميع المواد الكيميائية المستخدمة في عملية التصديع الهيدروليكي. ويسمح للشركات الآن بعدم الإفصاح عن معلومات عن بعض المواد الكيميائية خوفا من أن يسعى منافسوهم لتعديل ما لديهم من مواد. وتعد تلك القضية استئنافا لحكم أصدرته إحدى محاكم الأحياء ضد بعض مناصري البيئة العام الحالي.

وقال تيموثي بريسو، وهو المحامي الموكل برفع القضية عن الجماعات المناصرة للبيئة، إن هذه القضية تعد فريدة من نوعها في الولايات المتحدة الأميركية، وربما يؤدي إجراء مطالبة الشركات بالكشف عن المواد الكيميائية التي يستخدمونها في عمليات التصديع الهيدروليكي إلى الكشف عن إجراءات مماثلة جرى اتخاذها بولايات أخرى في الماضي.

ويعكس إجراء اختبار المياه الجوفية نوعا من القلق بشأن عملية التصديع الهيدروليكي، التي يجري خلالها استخدام مزيج من المياه والمواد الكيميائية والرمال لكسر الصخور في جوف الأرض عند ضغط عال حتى يجري استخراج النفط أو الغاز. ويقول المعارضون لتلك العملية إنه إذا تسرب السائل الذي يغلب عليه المواد الكيميائية خلال إحدى خطوات العملية، فإن ذلك من شأنه أن يشكل خطرا كبيرا على خزانات المياه الجوفية المجاورة لموقع التنقيب.

وقد صرح جون روبيتايل، نائب رئيس جمعية وايومنغ للنفط، إنه طالما يجري اتباع شروط حفر آبار البترول بدقة، «فإنني أعتقد أنه لن يحدث أي نوع من التلوث بسبب عمليات الحفر».

ولا تطبق الولايتان التي تضمان كبرى عمليات التنقيب، وهما تكساس ونورث داكوتا، قواعد اختبار المياه. بيد أن كولورادو وأوهايو تفعلان بعض الاشتراطات في هذا الصدد، وتشجع الكثير من الولايات الأخرى شركات التنقيب على عمل اختبارات مشابهة. ويقول جولدشتين، كبير مديري قسم سياسة الطاقة في صندوق الدفاع عن البيئة، إن ولاية وايومنغ هي الأكثر شدة في تطبيق اختبارات المياه بين نظيراتها في الولايات المتحدة.

وسوف توفر وايومنغ مثالا يحتذى في هذا الصدد.

ولدى وايومنغ تاريخ من المنازعات فيما يخص التلوث. فمنذ أعوام مضت، اشتكى مالكو الأراضي في موقع تنقيب يقع بالقرب من مدينة بافيليون من مشاكل بشأن جودة المياه الجوفية. وقد قامت وكالة الحماية البيئية الفيدرالية بالتحقيق في الشكوى وأصدرت مسودة تقرير في عام 2011 يشير إلى ما وصفته بـ«تأثير محتمل» لعمليات التصديع الهيدروليكي. وقد تبع إصدار مسودة التقرير تنظيم احتجاجات كبيرة، بيد أن الوكالة لم تنته أبدا من التقرير، وبدلا من ذلك فقد سلمت المسودة إلى المسؤولين في ولاية وايومنغ لإجراء مزيد من البحث. وهذا ما فجر مزيدا من الانتقادات من جانب مناصري البيئة. وللعلم، فإن تمويل الدراسة توفره شركة التنقيب التي تعمل في المنطقة محل النزاع.

وتترقب وايومنغ إصدار دراستين جديدتين بشأن مشكلة بافيليون في أواخر ديسمبر (كانون الأول) مع الوعد بإصدار تقرير نهائي بنهاية سبتمبر (أيلول) من العام القادم. وقال ميد، حاكم ولاية وايومنغ، أنه يريد أن يعرف ماذا حدث في بافيليون، بيد أنه صرح بأنه لم يعرف حالات مماثلة في الولاية حدث فيها أن سببت عمليات التصديع الهيدروليكي تلوثا للمياه الجوفية. فهدف ميد كما يقول هو «أن يجنب السياسة هذا الأمر، وأن يعطي الفرصة للعلم أن يتولى المسألة على الوجه الذي ينبغي أن تسير عليه».

ويقدر روبيتايل، نائب رئيس جمعية وايومنغ للنفط، التكاليف التي سيفرضها اختبار المياه بما يقرب من 15.000 دولار لكل بئر نفط أو غاز يجري حفرها. ويعلق روبيتايل على هذا الأمر بقول إنه حتى قبل تمرير إجراء اختبار المياه كانت الكثير من الشركات تقوم بعمل هذا الاختبار قبل عمليات الحفر. لكن الجمعية أبدت قلقها الشديد من احتمال أن تتغير نتائج اختبار المياه بعد عمليات الحفر عن تلك التي جرت قبل عمليات التنقيب، رغم أن قواعد إجراء الاختبار تنص على أنه لن يفترض أن شركات التنقيب ارتكبت خطأ فيما يخص التناقض بين نتيجة الاختبار قبل وبعد عملية التنقيب.

يقول روبيتايل: «هناك قلق من أنه سيوجه اللوم على الفور إلى عمليات التنقيب، في وقت ربما يحدث التلوث بشكل طبيعي». ويضيف روبيتايل أنه، على سبيل المثال، ربما يحدث تذبذب في نسب مادة النترات خلال عمليات الانسياب السطحي الزراعية، أو ربما يحدث أن تتسرب بعض المواد من شركات استخراج المياه إلى بعض الآبار عن طريق الصدفة.

ويعترف ميد، حاكم ولاية وايومنغ، بأنه «ربما يكون من الصعب التنبؤ بما سيحدث بالضبط» في بعض الحالات الفردية، لكن «إذا كان هناك من أمر قد حدث، فينبغي أن نعرف ماهيته بالضبط». والهدف من كل ذلك، كما يشير ميد، هو أن نتجنب حدوث حالة أخرى مماثلة لتلك التي وقعت في بافيليون، حيث «لم يجر الفصل في الواقعة، لأنه لم تكن هناك مرجعية أو خطوط أساسية تساعدنا في تحديد ما يحدث بالفعل».

ويأمل مناصرو البيئة أن تعمل ولاية وايومنغ على بحث القضايا الأخرى المتصلة بعمليات التنقيب، مثل تقليل التوهج وحرق كميات الغاز الزائدة والنص على وجود مسافات أكبر بين حفارات التنقيب والمنازل والمدارس. ويقول ميد إنه سوف يستمر في مراجعة قضايا أخرى بما فيها جودة الهواء والتوهج والمياه.

ويمضي ميد قائلا: «إنني أتوق بشدة إلى تقوية صناعة التنقيب عن النفط والغاز قدر الإمكان في وايومنغ، وأعتقد أن واحدا من الطرق التي ينبغي أن نسلكها لتحقيق ذلك هو الاستمرار في السعي لتطبيق مزيد من التحسينات».

* خدمة «نيويورك تايمز»