أجواء التفاؤل بعد الاتفاق النووي تنعكس على السوق المالية في طهران

خبراء يرون أن تأثير العقوبات على الوضع الاقتصادي الحالي نسبته 20 في المائة والباقي سوء إدارة

لدى إيران آمال بأن ينتعش الاقتصاد بمجرد تخفيف العقوبات في الأسابيع المقبلة (إ.ب.أ)
TT

«والآن حان دور النشطاء الاقتصاديين»، هذا ما قاله حسن روحاني رئيس الجمهورية الإيراني، مخاطبا الفعاليات الاقتصادية، خلال حواره التلفزيوني بمناسبة مرور مائة يوم على تسلم حكومته للسلطة.

مع إشارته إلى الاتفاقية النووية التي جرى توقيعها بين إيران ومجموعة «5+1»، طلب من الفعاليات الاقتصادية دخول المشهد الاقتصادي مرتاحي البال، بعد أن سجل الاقتصاد الإيراني معدل نمو سالب 5.8 في المائة العام الماضي.

واعتبر روحاني أن السوق المالية والبورصة في طهران نقطة جيدة لبدء الفعاليات الاقتصادية نشاطها. وحسب قوله فإن مستقبل الاقتصاد الإيراني والاستثمار أصبح الآن أكثر وضوحا من ذي قبل.

لكن أصحاب رؤوس الأموال والاقتصاديين لم ينتظروا الحوار الليلي لحسن روحاني، فقبل انتشار تقرير المائة يوم الأولى من ولاية رئيس الجمهورية الإيراني، وبعد مدة قصيرة من انتشار خبر الاتفاقية بين إيران والقوى الغربية في جنيف، اتجهوا إلى البورصة وقاعتها الزجاجية من أجل جس نبض السوق.

يمكن فهم ذلك عبر الازدحام غير المعتاد في السوق المالية في طهران، لكن أصحاب الخبرة في البورصة قالوا إن تزاحم غير المحترفين هذا سيزول بعد أيام بعد تناقص تأثير الأخبار السياسية. ولكن تظل سوق الأسهم في طهران في هذه الأيام هي أكثر الأسواق جاذبية بالنسبة إلى المستثمرين الصغار، بعد أن زالت ظلال الحرب والحصار وظل مؤشر الأسعار في البورصة التي حققت عائدات تتجاوز معدل الفوائد بنسبة واحد في المائة.

مصطفى، رجل متوسط العمر، دخل إلى بورصة طهران لأول مرة في حياته، سمع الأخبار، واعتقد أن هذه السوق من الممكن أن تكون وجهة جيدة لرأس ماله، وربما من أجل تحقيق بعض الأرباح كان يراقب أسواقا أخرى. إنه متفائل بالمستقبل، ولكن ليس إلى الدرجة التي تجعله يرغب بالحوار مع ذكر اسمه وعنوانه، وفضل أن يكتفي بذكر اسمه الأول فقط. يقول «الآن مع الأمل في تزايد الأرباح النفطية ورفع الحصار عن الاقتصاد الإيراني فإن هذه هي أفضل الأسواق من أجل الاستثمار».

إن الانخفاض النسبي لسعر الدولار في السوق الحرة للعملات في طهران في اليوم الرابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والذي ترافق مع خبر خروج المفاوضات بين إيران والغرب من الحلقة المغلقة، جعل قيمة صرف الدولار تنخفض مما يفوق الثلاثين ألف ريال إلى تسعة وعشرين ألفا ومائتي ريال، وفي الأيام التالية تصاعدت الأسعار بعض الشيء وسارت على طريق العودة، ولكن حد الثلاثين ألف ريال لكل دولار أصبح الحد الثابت لهذه العملة.

وتبعت سوق القطع الذهبية سوق صرف العملات في اليومين التاليين للاتفاقية بين إيران والقوى الست المشتركة في المفاوضات، وتعرضت لأول تأثيرات هذه الاتفاقية.

يقول أحد صرافي العملة في طهران «صحيح أن الآمال في إعادة نظام دخول العائدات النفطية قد ازدادت، لكن على الرغم من ذلك فإن الحكومة لا ترغب في خفض قيمة صرف الدولار أكثر مما يجب». ومن أجل إثبات كلامه أشار إلى خفض كمية الدولار المخصصة للصرافين في الأيام الأخيرة، وكذلك تصريحات ولي الله سيف، المدير العام للبنك المركزي، التي ذكرها في بداية تشكيل الحكومة ومع بداية هبوط قيمة الدولار، حيث قال «لا توجد رغبة في خفض قيمة صرف الدولار والوصول بها إلى ما هو أقل من ثلاثين ألف ريال لكل دولار»، وهو التصريح الذي رافقه عدد من ردود الفعل من قبل المتخصصين والخبراء. ولكن وفقا لما جاء في نص الاتفاقية الموقعة بين إيران ودول «5+1»، فإن آثار هذه الاتفاقية تتجاوز حدود الآثار النفسية ومن الممكن ملاحظة الآثار الحقيقية لهذه الاتفاقية في القطاعات الاقتصادية.

إن رفع الحصار عن البتروكيماويات وصناعة السيارات يعني زيادة الصادرات والحصول على أرباح تساوي مليارين ونصف المليار خلال مدة الستة أشهر التي هي مدة الاتفاقية. بالإضافة إلى ذلك فإنه وفقا لما تكلم به جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة، فإن أربعة مليارات ومائتي مليون دولار من أموال إيران المتحصلة من المبيعات النفطية والتي كانت محجوزة خلال الحصار سيتم تحريرها خلال مدة الاتفاقية هذه. بالمجموع فإن هذين المبلغين يبشران بدخول ستة إلى سبعة مليارات دولار من أرباح العملات الصعبة إلى الاقتصاد الإيراني. إن هذا المبلغ بالمقارنة مع ستين مليارا من الأصول الإيرانية من العملة الصعبة المجمدة في الخارج، هو مبلغ ضئيل، ولكن إطلاق هذه العشرة في المائة من الممكن أن يحل مشكلة الاقتصاد الإيراني.

يجب أن نضيف إلى هذا الرقم تسهيل التبادل التجاري الإيراني على أثر رفع الحصار عن الشحن بصورة خاصة في قطاع النقل البحري والتأمين. بالإضافة إلى ذلك فإنه وفقا للاتفاقية فإن إيران تستطيع المحافظة على مشتري نفطها، ويمكنهم أن يشتروا النفط الإيراني من دون الخوف من ظلال الحصار.

ووفقا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة، قامت إيران في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي بتصدير سبعمائة وخمسة عشر ألف برميل من النفط في اليوم، وهذا يعكس انخفاضا بمقدار خمسة وأربعين في المائة عن الشهر السابق. وإذا كان مقدار ما تصدره إيران من النفط في كل يوم سبعمائة إلى ثمانمائة ألف برميل باستمرار، وبقي سعر النفط في حدوده الحالية مائة إلى مائة وعشرة دولارات، فإن إيران ستربح في كل عام ما لا يزيد على ثمانية وسبعين مليون دولار، وسيبلغ المبلغ خلال الأشهر الستة المتفق عليها أكثر من أربعمائة وسبعين مليون دولار.

وعودة الحالة العادية للإنتاج في مصانع السيارات وكذلك نشر الثقة في الجو الاقتصادي في إيران من الممكن أن يكونا مرهما للجرح العميق في الاقتصاد الإيراني، ولكن حسب ما قاله الخبراء الاقتصاديون ومنهم فرشاد مومني، عالم الاقتصاد وأستاذ مادة الاقتصاد في جامعة علامة طباطبائي، فإن «رفع الحصار هيأ فرصة جديدة ويجب استثمارها بأفضل طريقة ممكنة». لقد اعتبر أن «عنصر الحصار» عنصر خارجي، وحسب قوله من الممكن أن يتسبب في توجيه صدمة للاقتصاد، ولكن السيد مومني أضاف أن «عدم التدبير، وانعدام العلمية، وانعدام التخطيط» من العوامل الداخلية التي أدت إلى وصول الاقتصاد إلى ما وصل إليه اليوم.

إن دور «سوء الإدارة» و«عدم التدبير» في الأوضاع الحالية من الأمور التي تمت الإشارة إليها في الحوار الأخير لحسن روحاني مع الشعب بمناسبة مرور مائة يوم على تسلم حكومته لمقاليد السلطة. بالإضافة إلى ذلك فإن علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإسلامي، اعتبر في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي أن الحصار أسهم بنسبة عشرين في المائة في الأوضاع الاقتصادية الحالية، وطلب التحقيق في بقية الأسباب والعلل. والآن مع خفض تأثير العشرين في المائة التي هي أثر العامل الخارجي على الاقتصاد الإيراني، فقد حان دور أسباب وعلل الثمانين في المائة الأخرى التي تسببت في وصول الاقتصاد الإيراني إلى هذه الوضعية.

سعيد ليلاز، الخبير الاقتصادي، يقول إن اختيار الدولة لكيفية إنفاق العوائد التي ستدخل الاقتصاد بعد الحصار هو أهم عامل في بناء الاقتصاد الإيراني. وحسب ما كتبه هذا الخبير الاقتصادي فإن إحدى الطرق التي من الممكن أن تتخذها الحكومة الحادية عشرة أن تنفق هذه الأموال من أجل استيراد السلع، وعبر عرضها في السوق ستعالج التضخم الذي يفوق الأربعين في المائة.. أو أن تتحمل التضخم وتصرف الأرباح من العملات الصعبة من أجل الاستثمار والإنتاج من أجل ازدهار الاقتصاد الإيراني.

إن هذه المخاوف تكررت في الأسابيع والأشهر الأخيرة من قبل خبراء اقتصاديين آخرين كي يتضح أنه خلف هذا التفاؤل والآثار والنتائج الإيجابية المترتبة على هذه الاتفاقية النووية فإن الاقتصاد الإيراني ينتظر الخيار الذي ستأخذه حكومة حسن روحاني من خيارين هما «خفض نسبة التضخم» أو «السعي من أجل ازدهار الاقتصاد».