وزير المالية الجزائري: أتوقع زيادة نمو الاقتصاد 4.5 في المائة وانخفاض التضخم إلى 3 في المائة في 2014

كريم جودي: علاقتنا بالسعودية استراتيجية وأتوقع زيادة استثماراتها مطلع العام المقبل

كريم جودي وزير المالية الجزائري أثناء حديثه لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: إقبال حسين)
TT

كشف وزير المالية الجزائري عن خطة تقفز بنمو اقتصاد بلاده إلى 4.5 في المائة، وتخفض نسبة التضخم إلى 3 في المائة مطلع العام 2014، مشيرا إلى تطبيق آليات فعالة تعمل بشكل دوري، لكبح الفساد المالي في البلاد.

وقال كريم جودي وزير المالية الجزائري في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»: «إن الادخار العمومي وصل إلى 40 في المائة من الناتج العام المحلي، وأتوقع أن تبقى مديونيتنا الخارجية عند مستوى 0.2 في المائة، ذلك أن سياستنا تقوم على التمويل الداخلي، لدعم التوازنات الكبرى لاقتصادنا وتعزيز الاستثمار الوطني والأجنبي».

وعلى صعيد العلاقات السعودية الجزائرية، أكد جودي أنها تقوم على استراتيجية تعزز من العلاقات الاقتصادية بشكل عملي، مبينا أن هناك لجنة مشتركة تقودها في طريقها الصحيح، متوقعا أن تزيد التدفقات الاستثمارية السعودية، خاصة في مجال الأدوية للمساهمة في سد 60 في المائة من حاجة السوق. وأضاف وزير المالية الجزائري «عام 2014 سيستقبل محصلة ما يسفر عن الأثر المتبقي لانعكاسات الأزمة المالية العالمية، وتفاقم أزمة الديون في منطقة اليورو، مع توقعات تشير إلى احتمالية انخفاض النمو في اقتصادي الصين والهند، في ظل تذبذب متوقع لأسعار النفط صعودا وهبوطا»، متوقعا آثارا إيجابية لتحسين علاقات إيران بالمجتمع الدولي على اقتصادات المنطقة.

فإلى تفاصيل الحوار..

* ما تقييمك للوضع الراهن للاقتصاد في الجزائر من حيث المقومات والنمو والتطلعات؟

- منذ عشرة أعوام والاقتصاد في الجزائر يعيش حالة نمو بنحو 3 في المائة سنويا، وخارج نطاق المحروقات فإن هناك نموا تقريبا بمعدل 6 في المائة سنويا، ويلاحظ أنه حدث تطور كبير في الآونة الأخيرة على صعيد المحروقات، حيث كان حجم المحروقات وصل في بداية عام 2000 إلى 50 في المائة، والآن يساوي تقريبا 35 في المائة، و65 في المائة خارج المحروقات، وتضاعفت خلال عشرة أعوام، خمس مرات، وفي الوقت نفسه كنا قد حققنا في عام 2000 نسبة توظيف تعادل 30 في المائة من النسبة الكلية المستهدفة، والآن وصلنا إلى 10 في المائة، وبصفة عامة فإن النمو الاقتصادي في حالة مستقرة في ظل توافر مقوماته، سواء بتوافر الطلب العمومي والخاص بشكل قوي، بالإضافة إلى وجود تغيير فيما يتعلق بالنمو في القطاعين العام والخاص، وكذلك هناك انخفاض في التوظيف بجانب تضخم متوسط بلغ 3.5 في المائة، وهناك جهود بذلت لتسديد الديون الخارجية بشكل آخذ في التحسّن بشكل كبير.

* وكيف تنظرون إلى مساعي الجزائر في معالجة التضخم ومديونيتها الخارجية؟

- وفي ما يتعلق بالتضخم في الجزائر، فإنه بلغ هذا العام 2013، ما يعادل 3.5 في المائة، وفي الوقت نفسه زادت الأجور ثلاث مرات على مدى أربعة أعوام، أما بالنسبة للاستهلاك العائلي فإنه زاد بما يقدر بنحو 3.5 في المائة، وأما في ما يتعلق بالمديونية الخارجية فإن الجزائر استطاعت أن تسدد هذه المديونية بشكل كبير جدا، وما تبقى منها أقل من 0.2 في المائة فقط، أما في إطار ميزانية الدولة فإن الجزائر وضعت برنامجا نقديا ضخما في ما يختص بالاستثمار العمومي بين عامي 2001 و2004، وعامي 2005 و2009، وعامي 2010 و2014، فضلا عن اتباع سياسة ادخار عمومي، يعادل تقريبا 40 في المائة من الناتج الخام الإجمالي المحلي، وأما احتياط الصرف الجزائري فزاد كثيرا خلال أربعة أعوام بسبب زيادة الاستيراد.

* أقر البنك المركزي الجزائري بعجز في المدفوعات بلغ هذا العام 1.2 مليار دولار.. ما تقييمك لمسببات هذا العجز، وما رؤيتك لمعالجته؟

- من المؤكد أن هناك أسبابا منطقية ومقبولة تعمل على إحداث عجز في ميزان المدفوعات، ولكني أعتقد أن هناك سببا أبرز، وهو أن هناك انخفاضا لصادرات النفط بنسبة وصلت إلى 7 في المائة، صاحبه انخفاض في الأسعار، غير أن الاستيراد زاد حاليا بنسبة 2 في المائة، في الوقت الذي تبعه بنمو اقتصادي لا يزال عند حد 3.5 في المائة، كما أسلفت سابقا، ولكن لا بد لذلك أن تكون له آثار على احتياطيات الصرف تزداد سنويا.

* هل نستطيع أن نقول هناك فساد مالي في الجزائر أثر بشكل مباشر على ميزانية الدولة؟

- دعنا نتفق على أن أي بلد في العالم لا بد له أن يمر بحالة من الفساد المالي، حيث إن الفساد ليس له جنسية أو هوية أو بلد معين، غير أن حجم الفساد المالي بالتأكيد يختلف في حجمه ونوعه ومسبباته من دولة إلى أخرى، وبالتالي فإن الجزائر في هذا العالم ليست استثناء، لكن لدينا إرادة سياسية قوية في الجزائر، وهذا مهم، وفي الوقت نفسه هناك آليات صممت خصيصا لمكافحة الفساد المالي بأشكاله المختلفة، وهناك متابعة ومراقبة دورية تتم كل شهر وكل عام للاطمئنان على سير تنفيذ آليات مكافحة الفساد، فضلا عن آليات أخرى مهمة لا تقل أهمية تتعلق بعمل الضرائب ومفتشي عموم المالية، وبالتالي الجزائر كأي بلد آخر يجتهد في مكافحة الفساد.

* هل لديكم خطة إصلاحية لمعالجة التحديات التي تواجه الاقتصاد الجزائري حاليا ومستقبلا؟

- بالتأكيد هناك خطة محكمة تخدم الأهداف الكلية للتنمية الاقتصادية، التي تتلخص في كيفية معالجة الانخفاض في التوظيف الذي وصل إلى نسبة 10 في المائة مؤخرا، حيث نتوقع أن يحدث انخفاض أكثر، ولهذا فإن الدولة وجهت بدعم مباشر وآخر غير مباشر للاستكمال، سواء عن طريق البنوك أو الدولة أو دعم الأراضي المستثمرة، وفي الوقت نفسه نعمل على تحفيز نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها تمثل الأساس في العملية التنموية الاقتصادية، وبالتالي تسهم بشكل مباشر في خلق فرص عمل كبيرة، وبالتالي تحفيز البيئة الاقتصادية لتحقيق نمو يلبي التطلعات.

* ما توقعاتك للشكل الذي سيدخل به الاقتصاد العام المقبل؟

- طبعا عام 2014 سيأتي حافلا بالكثير من الأحداث والنتائج المتعلقة بالاقتصاد ونموه على مستوى محلي وإقليمي ودولي، كمحصلة للأثر المتبقي لانعكاسات الأزمة المالية العالمية، حيث إنه لا تزال هناك أزمة مالية واقتصادية وتفاقم أزمة ديون لدى الكثير من الدول الأوروبية، بجانب أميركا، وهذه لا تزال مؤثرة في اتجاهات الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الصين والهند، ذلك أن التوقعات تشير إلى احتمالية انخفاض النمو في اقتصادهما، إن لم يستطع المحافظة على نسبة نمو مستقرة كالتي هو عليها حاليا، وقد تكون هناك آثار على أسعار النفط صعودا وهبوطا، وأما على المستوى الجزائري فإننا نتوقع نموا اقتصاديا يبلغ 4.5 في المائة، كما نتوقع أن ينخفض التضخم إلى 3 في المائة، باعتبار أن الادخار العمومي في الجزائر وصل إلى 40 في المائة من الناتج الداخلي الخام، فيما نتوقع أن تبقى مديونيتنا الخارجية على ما هي عليه، ذلك أن سياسة الجزائر تقوم على سياسة التمويل الداخلي خارج استعمال المديونية الخارجية، وهذا سوف يدعم التوازنات الكبرى للاقتصاد الجزائري، وفي الوقت نفسه سيسهم في تعزيز الاستثمار الخاص الذي يدعم هو الآخر من طرف الدولة، وتشجيع الاستثمار الأجنبي.

* إلى أين تسير العلاقات السعودية الجزائرية على المستوى الاقتصادي؟

- العلاقات السعودية الجزائرية تسير في طريقها الصحيح على الصعد كافة، وعلى المستوى الاقتصادي بشكل خاص، حيث يوجد ما يسمى باللجنة السعودية الجزائرية المشتركة، التي تنعقد بشكل دوري كل عام، وهي الآن عقدت دورتها التاسعة، وتمخضت عن الكثير من الاتفاقيات والتوصيات المهمة التي تعزز علاقة بلدينا الاقتصادية، فضلا عن العلاقات الأخرى التي ترتبط بها بشكل أو بآخر، وهذه الدورة تأتي في إطار تقييم ما تم إنجازه على مستوى العمليات المالية والاقتصادية خلال الفترة الماضية، مع الانطلاق إلى اتجاهات أخرى داعمة في هذا المجال، حيث جرى لأول مرة عقد مجلس أعمال سعودي جزائري، لمتابعة الأعمال والاستثمارات المتبادلة بين البلدين للاطمئنان على سيرها ورصد أي مشكلات تعوقها لإيجاد الحلول المناسبة لها على الفور، فضلا عن إبرام اتفاقيات أخرى تعنى بالتعاون الثنائي في مجالات متعددة، بجانب اتفاقيات من شأنها أن تحفز النشاط الاستثماري والتجاري والاقتصادي ككل، ومنها اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي ومنع تهريب الأموال، وهذا يؤتي ثماره حاليا، خاصة للمستثمرين في مجالات صناعة الأدوية والمواد الغذائية والمنتجات الكيماوية، علما بأن الجزائر تستقبل سنويا تدفقات كبيرة من المستثمرين السعوديين لديها، ولذلك أتوقع زيادة كبيرة من المستثمرين الجدد العام المقبل بعد هذه الاتفاقية الأخيرة.

* ما طبيعة وحجم الاستثمارات التي تتدفق بين البلدين؟

- الاستثمارات المتبادلة بين البلدين في تنام متصاعد، وهناك سياسة استثمارية اقتصادية اتبعتها الجزائر خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، تتعلق بضرورة تغطية سوق الدواء في بلدنا، ووصلنا إلى تغطية 40 في المائة من الطلب الداخلي على الدواء من الإنتاج الوطني، لذلك كان وجود حجم مقدر من المستثمرين السعوديين في هذا الميدان من الأهمية بمكان، مما يصب في صالح تعزيز العلاقات بين بلدينا اقتصاديا واستثماريا، ولاحظت شخصيا رضا الكثير منهم عن حالة النمو الاقتصادي، مما حفزهم لزيادة استثماراتهم، لذلك أتوقع أن يزيد عددهم بشكل كبير مطلع العام المقبل، على ضوء ما تمخضت عنه توصيات واتفاقيات الدورة التاسعة للجنة السعودية الجزائرية المشتركة. ومن جانبي كمسؤول في الحكومة سأجتهد في إيجاد حلول لأي عقبات تعترض مسيرتهم، وتمكنهم من تحقيق أكبر قدر من المساهمة الحقيقية في سد حاجة السوق الجزائرية من المنتجات التي لم يستطع أن يغطيها المنتج الوطني في الجزائر، كما ستقوم الدولة بحزمة من التسهيلات اللازمة لزيادة تدفقات الاستثمار.

* بعض المراقبين ينظرون إلى تحسين علاقة إيران مع المجتمع الدولي بتفاؤل ينعكس إيجابا على اقتصادات العالم.. كيف تقرأ ذلك على المستوى الإقليمي والمستوى الجزائري؟

- نحن كاقتصاديين ننظر إلى إيران كبلد منتج للنفط، وبالتالي لها دور محوري في كبح جماح ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط وما ينجم عن ذلك من أزمة اقتصادية، وبالتالي لها دور بارز في أثرها على زيادة أو انخفاض حجم الطلب الدولي للنفط، ما من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على أسعار النفط، غير أننا في الجزائر وفي السعودية كبلدين منتجين للنفط أيضا لدينا من الآليات والسياسات ما يجنبنا الآثار السلبية العميقة لذلك.