بن برنانكي.. أهم خبراء الكساد الكبير يترك دفة الاقتصاد الأميركي

اتسم بهدوء خلال أسوأ الأزمات التي وصفها بمثابة قيادة سيارة متهالكة

رئيس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي المنتهية فترته بنهاية يناير الحالي (أ.ب)
TT

كان بن برنانكي، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، يبدو هادئا جدا خلال أسوأ فترات الأزمة المالية لعام 2008، مما جعل تيموثي غايثنر، وزير الخزانة الأميركي آنذاك، يصفه في وقت من الأوقات بأنه معبود النظام المصرفي في البنك المركزي.

وقال برنانكي، يوم الخميس الماضي، إنه كان يركز فقط على الحيلولة دون وقوع أي كارثة. ويقول برنانكي «إن الأمر كان بمثابة قيادة سيارة متهالكة مع محاولة تجنب الانحراف عن مسار الطريق، ثم تنتابك الدهشة بعد ذلك بسبب التعرض لمثل هذا الموقف».

وتحدث برنانكي - خلال ظهوره الذي ربما يكون الأخير على المستوى العام كرئيس لمجلس الاحتياطي الفيدرالي - في مؤسسة بروكينغز مع لياقت أحمد، مؤلف أحد الكتب التاريخية، عن الدور الذي لعبته البنوك المركزية في أزمة الكساد الكبير خلال ثلاثينات القرن الماضي.

ومن المقرر أن يترأس برنانكي أكثر من اجتماع للجنة صناعة السياسات بمجلس الاحتياطي الفيدرالي أواخر يناير (كانون الثاني)، ثم يتنحى عن منصبه في نهاية هذا الشهر. وستخلفه في منصبه جانيت يلين، التي تشغل حاليا منصب نائبة رئيس مجلس الاحتياطي. وعلاوة على ذلك، يعد برنانكي، البالغ من العمر 60 عاما، أحد الخبراء الذين شاركوا خلال أزمة الكساد الكبير، وكان يعمل على تأليف أحد كتب التاريخ، وهو كتاب مشابه لأحد الكتب التي ألفها أحمد لاحقا، قبل أن يوافق على الانضمام إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وعوضا عن ذلك، وجد برنانكي نفسه يحاول منع حدوث كساد مرة أخرى. وفي هذا الصدد، يقول برنانكي «آمل أن نكون قد اتخذنا الإجراء المناسب».

وتحدث برنانكي أيضا عن تواصل جهود المجلس التي حققت القليل من النجاح بهدف إعادة إنعاش الاقتصاد وتقليل معدلات البطالة المستمرة. وقال برنانكي إنه ظل مقتنعا بأن الاقتصاد الأميركي سيعوض خسائره بالكامل في نهاية المطاف، مضيفا «بيد أنني لا أعتقد أننا سنعرف الإجابة عن هذا الأمر خلال فترة محددة من الوقت».

ومن جانبه، كان كينيث روغوف، عالم الاقتصاد بجامعة هارفارد، لديه رأي مشابه لهذا الرأي.

ويقول البروفسور روغوف «إننا نعيش وسط هذا العالم الذي يسوده الكثير من الشكوك، حيث لن نعرف إذا ما كانت السياسة النقدية تتماشى مع ذلك بالشكل المناسب أم لا». وأوضح أن أهم ما كتب لصياغة الفهم الحالي لأزمة الكساد الكبير كان مكتوبا من قبل برنانكي، بعد مرور نصف قرن على انتهاء الأزمة.

ولم تتضمن تصريحات برنانكي الكثير من الأمور الجديدة في حديثه يوم الخميس، وهو ما يعكس إرثه كواحد من أكثر رؤساء مجلس الاحتياطي الفيدرالي صراحة وتبصرا على المستوى العام. فقد سعى برنانكي لزيادة شفافية المجلس منذ أن صار رئيسه في عام 2006، كما أنه أجاب عن أسئلة مشابهة خلال العديد من المنتديات التي عُقدت في السنوات الأخيرة، بما في ذلك ما أجاب عنه في المؤتمرات الصحافية التي تعقد بانتظام للمرة الأولى في تاريخ المجلس.

وقال برنانكي مرة أخرى إنه لم يكن بإمكان مجلس الاحتياطي منع إخفاق «ليمان براذرز»، وهو الحدث الذي تسبب في بداية أسوأ الأزمات. وبالإضافة إلى ذلك، قال برنانكي إن استجابته للأزمة كانت متأثرة باقتناعه بحاجة الحكومة إلى منع إخفاق المؤسسات المالية. وعلاوة على ذلك، فإنه دافع مرة أخرى عن هذه السياسة، حيث إنها كانت تهدف بشكل رئيس إلى حماية المواطنين العاديين في الشارع الأميركي.

وأكد برنانكي على آماله بأنه في وقت من الأوقات «سيفهم الشعب أن ما فعلناه كان ضروريا، وسيقدّر ذلك، لأن هذا الإجراء يصب في مصلحة العامة بشكل أكبر». وأردف قائلا «إن ما فعلناه هو عبارة عن مجموعة من الخطوات تهدف إلى مساعدة الفئة المتوسطة من الأميركيين».

ودافع برنانكي أيضا عن محاولات مجلس الاحتياطي لإنعاش الاقتصاد، بما في ذلك عمليات شراء السندات الشهرية، كجزء من السياسة المعروفة باسم «التخفيف الكمي»، التي بدأت في الخفوت تدريجيا. ويرى بعض علماء الاقتصاد عدم وجود دليل قوي على فائدة عمليات الشراء هذه، بيد أن برنانكي قال إن هؤلاء النقاد يتجاهلون التأثير الواضح للمعدلات المنخفضة لأسعار الصرف. وأشار، مع ارتسام الابتسامة على وجهه، إلى أن «مشكلة سياسة التخفيف الكمي تتعلق بنجاحها عمليا، بيد أنها لا تفيد نظريا».

والجدير بالذكر أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قرر في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي تقليل عمليات شرائه الشهرية لسندات الخزانة والأوراق المالية الخاصة بالرهن العقاري من 85 مليار دولار أميركي إلى 75 مليار دولار، فضلا عن الاقتراح بأن ذلك سيؤدي إلى تقليل البرنامج تدريجيا على مدار العام المقبل. وقال برنانكي إن القرار كان يعكس ما توصل إليه مسؤولو مجلس الاحتياطي بأن البرنامج قد حقق المراد منه بما يتجاوز أي قلق بشأن التكاليف. وكان برنانكي رافضا بشدة لما يراه النقاد بأن عمليات شراء السندات تسبب التضخم. وأردف برنانكي قائلا «لا أعتقد أن هذا الأمر يسبب القلق. وأما بالنسبة لهؤلاء الذين كانوا يقولون - طوال السنوات الخمس الماضية - إننا كنا على وشك التعرض لحالة تضخم كبيرة للغاية، فإنني أدعوهم إلى النظر إلى الأرقام الواردة في تقرير مؤشر أسعار المستهلك الصادر صباح هذا اليوم»، مشيرا إلى التقرير الحكومي الصادر صباح يوم الخميس والذي يوضح ارتفاع هذا المؤشر بنسبة 1.5 في المائة فقط في عام 2013. والجدير بالذكر أن هذه هي السنة الثانية على التوالي التي تشير فيها البيانات إلى ارتفاع مؤشر الأسعار بما يقل عن اثنين في المائة.

وقال برنانكي إن مجلس الاحتياطي الفيدرالي كان بحاجة إلى توجيه الانتباه نحو المخاطر التي ستسببها عمليات شراء السندات بما يؤدي إلى زعزعة استقرار الأسواق. وأوضح «إنني شخصيا أجد أن تلك الطريقة هي الوحيدة التي يمكن التعويل عليها من بين الأمور المتنوعة الخاصة بسياسة التخفيف الكمي». وأضاف أن مسؤولي المجلس لم يروا أن هناك أي دليل بشأن تحول هذه المخاطر إلى أمور واقعية، بيد أنه «دائما ما يكون الحظ سيئا للتنبؤ بأي شيء حيال ذلك».

ومن جانبه، قال دونالد كوهين، نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق والذي يعمل حاليا في مؤسسة بروكينغز - إحدى منظمات البحث الخاصة المستقلة - إنه بما أن المجلس بدأ في التخلي عن حملته التحفيزية، بما أدى في نهاية المطاف إلى زيادة معدلات الفائدة، فإنه من الممكن أن يواجه ضغوطا متزايدة من الكونغرس بما يعوق قدراته على التحكم في المخاطر مثل التضخم والاستقرار الاقتصادي، فضلا عن تعريض استقلالها للخطر.

ومن جانبها، ردت كريستينا رومر، الرئيسة السابقة لمجلس المستشارين الاقتصاديين بإدارة أوباما، بأنها لم تر سببا للاعتقاد بأن النقاد الذين يريدون وجود معدلات فائدة منخفضة سيكونون أكثر قوة من هؤلاء الذين يدعون لوجود تحفيز أقل. وأضافت رومر، أستاذة الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بركلي، أن البنوك المركزية عرضت استقلالها للخطر عندما أخفقت في أداء مهامها، كما أن مسألة الاستقلال ليست غاية في حد ذاتها. وأوضحت قائلة إن «السبب المناسب لاستقلال البنك المركزي يتمثل في رغبتنا في وجود سياسة نقدية يضعها الخبراء».

ومن جانبه، تعامل برنانكي مع نفس القضية في تعليقاته، حيث يرى أيضا أنه يمكن للبنوك المركزية حماية استقلالها بشكل أفضل من خلال استخدام هذه الاستقلالية بحكمة. واختتم برنانكي حديثه قائلا «عندما يأتي اليوم الذي تدفعنا فيه هذه الضغوط السياسية قصيرة الأجل لفعل شيء ما غير مناسب للاقتصاد، حينها سيكون استقلالنا قد اختفى بالفعل».

* خدمة «نيويورك تايمز»