السعودية تعيد تشكيل خارطتها الاقتصادية بالتوسع في استثمارات القطاع السياحي

الكشف عن استراتيجية لتوطين التقنية والموارد البشرية

الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار متحدثا خلال مشاركته في منتدى التنافسية الذي اختتم أعماله في العاصمة الرياض أمس («الشرق الأوسط»)
TT

توقع الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار أن يشهد عام 2014 تحولات كبرى في صناعة السياحة الوطنية، مع توقعات بصدور قرار بتأسيس الشركة «السعودية للاستثمار والتنمية السياحية»، وبرنامج تمويل السياحة.

وأكد أن تنافسية السياحة في السعودية تقوم على أربعة عوامل من المزايا الطبيعية، والتراثية، وميزة التنوع الثقافي بين السكان وكرم الضيافة المشهود، واستعدادهم لقبول التحديات للعمل في القطاعات التنموية الجديدة، مشيرا إلى أن استثمارات الدولة الجديدة وجهودها في تطوير البنية التحتية والمطارات والطرق واستراحات الطرق والوجهات السياحية تمثل مزايا إضافية تعزز من خلق فرص العمل بشكل مكثف تركز على قابلية المواطن للعمل في هذا القطاع كمقدمي خدمات أو مستثمرين.

وأشار إلى أن ما صدر من الدولة أخيرا من قرارات لدعم السياحة والتراث الوطني هو تتويج لعمل تراكمي منظم عبر سنوات، مشيرا إلى أن هذا العمل يمثل أساسا لكل إنجاز مستقبلي في هذا القطاع.

ولفت الأمير سلطان بن سلمان في حديث خلال جلسة من جلسات منتدى التنافسية الدولي في العاصمة السعودية الرياض، إلى اهتمام خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز بهذا المنتدى، مؤكدا أن المواطن السعودي أصبح مقبلا على السياحة الوطنية وتطويرها، وأن الهيئة أثبتت جاهزيتها في إدارة السياحة وتطوير قطاعاتها، وأن مرحلة التخطيط انقضت وبدأت مرحلة المشاريع.

ونوه بصدور قرار مجلس الوزراء أخيرا بالموافقة على «مشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث الحضاري»، وقرار «دعم الهيئة العامة للسياحة والآثار ماليا وإداريا للقيام بالمهام الموكلة إليها نظاما».

وقال: «نعمل على إعادة تشكيل الخارطة الاقتصادية للاقتصاد الوطني، ومن ذلك تهيئة القطاع السياحي في السعودية»، مضيفا: «التنافسية تبنى على تجمعنا التاريخي الكبير واعتزازنا بديننا، وننظر للتنافسية في المملكة على أنها امتداد لتنافسيتها في الماضي».

ولفت الأمير سلطان إلى أهمية مشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث الحضاري، إلى جانب قرار دعم الهيئة ماديا وبشريا للقيام بمهامها المناطة بها، مشيرا إلى أن السياحة الوطنية تعد أحد القطاعات المهمة المولدة لفرص العمل، ولها أثر اقتصادي وتنموي كبير.

وأضاف: «ما يقال عن أن المواطن السعودي غير جاد في العمل إجحاف بحق المواطن الذي أثبت عبر الأزمات أنه ملازم للتميز ومداوم على الإنجاز»، ومؤكدا أن المواطن السعودي المضياف هو أهم مقومات التنافسية للاقتصاد السعودي بشكل عام، وللقطاع السياحي بصورة خاصة.

وأوضح: «تمتلك المملكة الكثير من المقومات التي تصنع منها بيئة تنافسية في شتى القطاعات، منها: الموقع الجغرافي الذي يعود إلى آلاف السنين، وليس وليد اليوم، وتؤكد عمليات التنقيب الأثرية كل يوم المكانة الجغرافية والتاريخية للمملكة على مستوى العالم، والتي تؤكد أن السعودية محور اقتصاد العالم».

وأشار إلى دور الاستثمارات الكبيرة التي تضخها الدولة في كل القطاعات، والتي وفرت بنية تحتية على مستوى عال في كل المجالات، والتي استفاد منها القطاع السياحي بدرجة كبيرة.

وأضاف: «الملاحظ اليوم أن الدولة تقدم مبادرات لتهيئة مواقع سياحية، والقطاع الخاص يبادر لها، والمجتمع المحلي يتطلع إلى تهيئة وتطوير هذه المواقع، وكل طرف يسابق الآخر لتحقيق هدفه».

وأبان أن السعودية اتخذت خطوات جريئة لإعادة تشكيل الاقتصاد الوطني، وتهيئة القطاع السياحي ليكون منافسا لجذب المواطنين للبقاء في بلادهم وأسواق أخرى ذات أهمية أساسية، مؤكدا «بدأنا قبل سنوات قليلة في العمل المنظم لتحفيز نمو قطاع السياحة الوطني».

وأشار إلى أن القطاع السياحي يمثل القطاع الثاني في نسبة سعودة الوظائف في المملكة، وسيصبح القطاع الأول لتوظيف السعوديين قريبا إذا توافرت فرص التحفيز المناسبة.

ونوه أن عدد العاملين في قطاع السياحة بلغ 751 ألف عامل حتى عام 2012م فيما تبلغ نسبة المواطنين العاملين في القطاع 27 في المائة، مشيرا إلى أن المواطنين يعدون مثالا جادا وعمليا في هذا القطاع الناشئ.

وتوقع مزيدا من تلك الفرص خصوصا بعد صدور قراري مشروع الملك عبد الله للتراث الحضاري ودعم السياحة، حيث نظرت الدولة إلى السياحة بعمق وقررت الاستمرار في دعم وتطوير السياحة الوطنية ومشاريع تهيئة مواقع التراث والمحافظة عليها.

وأكد رئيس الهيئة أن السياحة الوطنية تملك فرصة كبيرة وتبشر بمستقبل مشرق. وقال: «نحن نتمتع بالقدرة التنافسية العالية، وبأبعاد متعددة تتفوق على كثير من الدول بناء على الميزات الإضافية لبلادنا».

وقال: «يصادف ذلك أن نكون نحن من أكثر الدول التي تملك أكبر سوق سياحية محلية، لذلك فإنه يجب أن نستمر في تطوير هذا القطاع لجعله أكثر تنافسية لتوطين السوق السياحية الكبيرة المتسربة للخارج وجذب مواطنينا ليتمكنوا من زيارة وطنهم وصرف أموالهم في الداخل وبمعنى آخر التمتع بمقومات بلادهم وتكوين ذاكرة للأجيال عن البلاد وطبيعتها ومواطنيها وتراثها وثقافتها وتاريخها وتدعيم اقتصادها».

واستخلصت الهيئة العامة للاستثمار بعض التجارب التنافسية الناجحة في عدد من القطاعات، حيث أبرمت اتفاقية مع وزارة الصحة السعودية، تعنى بتفعيل دور الاستثمار في هذا القطاع لجذب استثمارات نوعية، في ظل توجه عالمي نحو زيادة الطلب على الاستثمار في هذا القطاع.

ومن جهته كشف الدكتور محمد خشيم نائب وزير الصحة السعودية، أن القطاع الصحي حقق نسبة ستة في المائة في مجال الرعاية الصحية، مبينا أن تحولا كبيرا في هذا القطاع أحدث نقلة كبيرة في مجال خدمة الرعاية الصحية، زاد من الفرص التنافسية المحلية لتحقيق استدامة التنمية.

وقال: «الاتفاقية تأتي ضمن خطط وزارة الصحة لمضاعفة حجم الاستثمارات الحالية في القطاع الصحي»، مبينا أن القطاع الخاص يمثل 20 في المائة من السوق الصحية، و20 في المائة للقطاعات أخرى، و60 في المائة تمثله وزارة الصحة».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن استراتيجية الوزارة خلال العوام الخمسة المقبلة تأتي في إطار استكمال مشروعاتها التي بدأتها قبل خمسة أعوام لرفع مستوى التنافسية في الخدمة الصحية على كل الصعد، تستهدف تقديم أعلى مستوى من الخدمة الصحية، بأسعار منافسة عالمية.

وشدد على ضرورة انتقائية الاستثمارات في مجال الرعاية الصحية، وفق ما توفره من إمكانية لتوطين التقنية والتدريب والتأهيل للكادر السعودي، بعيدا عن المتاجرة القائمة على الربح دون مراعاة لنوعية الخدمة الصحية المطلوبة.

وقال الدكتور خشيم، إن «منح التراخيص للاستثمار في القطاع الصحي أصبح سهلا، لكن المطلوب أن يكون هناك جودة، فالمواطن يتوقع تطورات في القطاع الصحي، من حيث الخدمة المقدمة والتصاميم والتكنولوجيا والبناء»، ناصحا المستثمرين بالخوض في الاستثمارات الكبيرة.

وزاد أن الوزارة تعمل مع الهيئة العامة للاستثمار وصندوق الاستثمارات العامة لجذب المستثمرين الأجانب لنقل وتوطين التكنولوجيا المتطورة في هذا المجال، كاشفا أن صناعة الدواء في السعودية تبلغ ما بين 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار) إلى 11 مليار ريال (2.9 مليار دولار)، وستبلغ خلال خمس سنوات نحو 20 مليار ريال (5.3 مليار دولار).

وفي هذا الإطار، أوضح عبد اللطيف العثمان محافظ الهيئة، أن الاتفاقية تعنى بتشجيع الفرص الاستثمارية في المجالات الصحية، وتحديد المجالات الصحية ذات الأهمية للاستثمار، وتبادل الخبرات والمعلومات من خلال الدراسات والأبحاث والإحصائيات والبيانات الخاصة بالمشاريع، والدورات التدريبية والندوات والمحاضرات.

وقال: «الاتفاقية بداية لبرنامج متكامل وجه به خادم الحرمين الشريفين لتحديد الاستثمارات ذات القيمة المضافة»، مبينا أن المستثمرين الذين سيحققون هذه المعايير التنافسية سيجدون المساعدة في الجانب الإجرائي كتسهيل التراخيص، وسهولة على مستوى التمويل من الصندوق الصناعي وغيره، وتوقع أن تظهر نتائج مذكرة التعاون خلال ستة أشهر.

وأكد عمل الهيئة على توطين الاستثمار في التقنية والمعدات الطبية التي تمثل نحو 40 في المائة من تكلفة إنشاء المستشفيات، وبتوطينها ستنخفض هذه التكلفة، مما يعود بالنفع على المواطن من خلال التدريب والتطوير وتوفير فرص العمل.

أما بالنسبة لصناعة الأدوية، فقال، إن «وزارة الصحة تدرس مع التجمعات الصناعية هذه الصناعة، وهي في طور المراجعة النهائية، ودورنا في هيئة الاستثمار العمل معهم وفق توجيهات المقام السامي لوضع المعايير التي تتعلق بجذب استثمارات نوعية ذات قيمة مضافة».

وكانت الجلسة الخامسة للمنتدى شددت على توفير قدر كبير من المرونة داخل المدارس للاستفادة من التقدم التقني في مجالات التعليم والتدريس، حيث تطرق الدكتور خالد السبتي نائب وزير التعليم إلى أهمية نشر الثقافة التقنية والاستفادة منها في الإجراءات التعليمية، ومنها إصدار رخص المعلمين، وتطوير فرص التطوير المهني، وتقدير الأداء المتميز.

ولفت إلى الدور الكبير الذي تؤديه مؤسسة (موهبة) من خلال اكتشاف مواهب نحو 60 ألف طالب وطالبة، وحصول أبناء وبنات الوطن على نحو 40 ميدالية إقليمية ودولية.

وأكد على أهمية برامج تحفيز الابتكار وتزامنها مع إعادة هيكلة النظام التعليمي، وإنشاء شركات قابضة لتطوير خدمات التعليم والمباني الدراسية، مع بناء شبكة من الشركات المتخصصة في نقل المعرفة.

من جهته قال أندرو ليفريس الرئيس التنفيذي لـ«داو كيميكال»، أن هناك مصنعا جديدا سينطلق في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية للمياه النظيفة، مبينا أن الاستثمارات المقبلة تركز نحو تدريب وتعليم السعوديين، مشيرا إلى تأهيل أكثر من ثمانمائة منهم خلال الفترة السابقة.

وكشف عن استراتيجية لخلق صناعات ذات قيمة مضافة في الجبيل وينبع، مبينا أن التوجه الجديد هو استغلال منتدى دافوس لجذب 50 شركة عالمية في السعودية، متوقعا خلق 60 ألف وظيفة وتخريج أكثر من أربعة آلاف سعودي في مجالات ذات مهارة عالية في الأعوام القليلة المقبلة.

وقال ليفريس: «ستتوسع أعمال الشركة ولأول مرة ستعمل خارج السعودية وفي أميركا تحديدا، حيث نتوقع أن تساهم التقنية الجدية في خفض قيمة الغاز المستخدم في تنقية المياه بمليار دولار سنويا والمنتج سيكون مدعوما بالبحوث».

وأضاف: «سنقدم للسعوديين خبرة 50 شركة عالمية، في مجال تقليل المخاطر وجذب الاستثمارات العالمية، وإحداث مزيد من التقدم والابتكار وتوسيع القاعدة الصناعية والتعليم والتدريب والتثقيف في الابتكار وسنتعاون مع جامعة الملك عبد الله في تقنية تنظيف المياه والتدريب والابتكار وافتتاح أسواق جديدة».

وتناولت الجلسة الثانية، محور فرص الطاقة المتجددة، استعرض فيه مزيج الطاقة المناسب الذي سيدعم النمو الاقتصادي، حيث أجمع المشاركون على القدرات التنافسية المتاحة أمام السعودية في هذا المجال.

وأكد الدكتور إبراهيم بابلي رئيس فريق الاستراتيجية في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، على قطع السعودية شوطا كبير في إيجاد مصادر جديدة للطاقة، وخلق القيمة من المساحة الحالية لهذا الحقل.

وأبان صالح عقيلي نائب الرئيس في سولاراينرجي، مساهمة السعودية في مجال الطاقة المتجددة، والتوجه نحو الاستثمار في الطاقة النظيفة، مع موازنة التكلفة مقابل ما تتسم به من مزايا بجانب تحقيق توازن النمو في مقابل الحفاظ على النظام البيئي.