جدل في المغرب حول إصلاحات تخلخل المرتكزات الثابتة للسياسات الاقتصادية العالمية

أبرز معالمها رفع الدعم عن أسعار المحروقات.. والتوجه إلى تحرير سعر صرف الدرهم

رفع الدعم عن المحروقات في المغرب كان من أكثر الخطوات التصحيحية جدلا وأبرزها (أ.ف.ب)
TT

أمام تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، يتجه المغرب إلى خلخلة بعض المرتكزات التي ظلت ثابتة لمدة طويلة في سياسته الاقتصادية، وذلك بنهج المزيد من التحرير. ففي تدبير مفاجئ، أعلنت الحكومة قبل أسبوع عن رفع يدها عن دعم أسعار المحروقات الرئيسة الثلاثة؛ الفيول والبنزين والغازول، التي أصبحت أسعارها الداخلية مرتبطة بمؤشر الأسعار العالمية للنفط.

وفي السياق نفسه، اقترح المندوب السامي للتخطيط (بمثابة وزير للتخطيط) إصلاح سياسة سعر الصرف في اتجاه المزيد من المرونة، وتخليص السياسة النقدية للبنك المركزي من هاجس مكافحة التضخم.

ويرى المحلل الاقتصادي عزيز لحلو أن الإصلاحات التي يتجه إليها المغرب قد سبقته إليها دول أخرى، وبالتالي يمكن أن يستفيد من تجربتها لتفادي السلبيات والمشكلات التي عرفتها، أو على الأقل التخفيف منها. ويضيف لحلو أن المغرب تأخر كثيرا في تحرير التداول بالدرهم بحجة محاربة تهريب الرساميل إلى الخارج، غير أن هذه الحجة لم تعد قائمة، في نظره، بسبب تغير الظروف، مشيرا إلى فرض الضريبة على الرساميل في بعض الدول التي كانت توجه إليها الرساميل المهربة من المغرب، وتشديد الرقابة على المناطق الحرة.

ويقول: «أن نبني سياسة على أساس افتراض سوء نية فهذا خطأ. المطلوب هو إعطاء الثقة في الاقتصاد، ومواكبة تحرير سعر الصرف عبر سياسة استثمارية محفزة وإصلاح القضاء والإدارة والضرائب وقوانين الملكية العقارية».

وقلل لحلو من مخاطر استيراد التضخم في حال تحرير سعر صرف الدرهم. وقال: «أن يصبح الدرهم قابلا للتصدير وللتداول الحر لا يعني أن ذلك سيؤدي إلى التضخم، فاقتصادنا صغير. وكنت أتمنى لو تمكنا من تحقيق العملة المغاربية الموحدة، وتنسيق السياسات الاستثمارية والقوانين الضريبية بين البلدان المغاربية لكي نشكل قوة إقليمية قادرة على المنافسة». ويرتبط سعر صرف الدرهم منذ فك ارتباطه بالفرنك الفرنسي في 1973 بسلة من العملات مشكلة حسب أهمية كل عملة في التجارة الخارجية للمغرب، التي تغيرت تركيبتها عدة مرات حسب التحولات التي عرفها العالم خلال هذه السنوات. وتتكون هذه السلة حاليا من اليورو بنسبة 80 في المائة، ومن الدولار بنسبة 20 في المائة، الشيء الذي جعل قيمة الدرهم ترتفع في السنوات الأخيرة تحت تأثير ارتفاع اليورو مقابل الدولار. ونتيجة لذلك ارتفعت بعض الأصوات مطالبة بتخفيض سعر الدرهم بهدف دعم الصادرات. غير أن السلطات المالية كانت دائما ترفض ذلك، فعلى مدى ربع قرن لم يقدم المغرب على تخفيض عملته سوى مرتين؛ الأولى في 1990، إثر الارتفاع القوي للدرهم في سياق سياسة التقويم الهيكلي خلال عقد الثمانينات من القرن المضي، حيث جرى تخفيضه بنحو تسعة في المائة، والثانية في 2001 عندما جرى تخفيضه بنسبة خمسة في المائة عن طريق تعديل حصة اليورو والدولار في السلة المعتمدة لتحديد قيمة الدرهم. ويُعتقد حاليا أن فصل سعر الدرهم عن سلة العملات المرجعية، وتحرير سعر صرفه قد يؤدي إلى انخفاض قيمته، نظرا للوزن الحالي اليورو في هذه السلة.

غير أن سعد الحمومي، رئيس قطاع المقاولات الصغرى لدى اتحاد رجال الأعمال، يقول إن «إشكالية الصادرات في المغرب لا تتعلق فقط بسعر صرف الدرهم، الذي تتعلق به أيضا الكثير من الأمور الأخرى كالأثر على تكلفة الواردات وأسعار السوق الداخلية. نحن نجتاز ظرفا صعبا جراء تداعيات الأزمة العالمية، خاصة في أوروبا، وتشجيع التصدير لا يتعلق فقط بالأسعار. لذلك أرى أن المطلوب من الحكومة هو مزيد من المساعدة والمواكبة للشركات في استكشاف وغزو الأسواق الخارجية، وتوفير المعلومات عن هذه الأسواق، خاصة الأسواق الجديدة والبديلة عن أسواق الاتحاد الأوروبي التي تعصف بها الأزمة، كالأسواق الأفريقية وغيرها من أسواق دول الجنوب».

وبخصوص الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة، يقول الحمومي: «بالنسبة لنا في الاتحاد العام لمقاولات المغرب شكلنا هيئة للحوار والتشاور مع الحكومة، ولدينا لجان تعمل مع مختلف الوزارة من أجل التوصل إلى توافقات حول الإصلاحات الجارية».

وأضاف: «كل ما نطالب به هو أن تكون هناك إجراءات مصاحبة للإصلاحات كي تخفف من وقعها وآثارها السلبية على الشركات، خصوصا شركات القطاع المهيكل التي تؤدي الضرائب، يجب أن تكون الإصلاحات والإجراءات المصاحبة لها في صالحها».

من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي عز الدين أقصبي، أن المغرب يواجه عدة مشكلات هيكلية، على رأسها تفاقم عجز الميزانية وعجز الميزان التجاري وارتفاع المديونية، التي تتطلب مواجهتها رؤية شاملة للإصلاحات.

وأضاف: «لا يمكن معالجة مشكلة منفصلة بمعزل عن باقي المشكلات وعبر مقاربات تقنية صرفة. الأمر هنا يتعلق باختيارات سياسية». وأضاف أقصبي، وهو من مؤسسي الجمعية المغربية للشفافية، أن طرح هذه الإشكاليات يجب أن يجري بشكل موضوعي بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة، متسائلا عن مصير برنامج المساعدات المباشرة للشرائح الاجتماعية الضعيفة في سياق إقرار الحكومة رفع الدعم عن أسعار المحروقات، وعن تضارب الأرقام المعلنة والمناوشات الكلامية بين مندوبية التخطيط والحكومة.