النهر الذي يغرق التجار!

ماجد العمري

TT

كان أحد الأطباء يسير بجوار النهر عندما سمع صرخة لطلب النجدة من رجل يغرق في النهر، جرى الطبيب مسرعا إلى ضفة النهر ثم قفز في الماء لإنقاذ الرجل، أخرجه الطبيب من الماء وبدأ في تقديم الإسعافات الأولية له، وفور أن استعاد الرجل وعيه سمع الطبيب رجلا آخر يصرخ طلبا للمساعدة وهو يغرق في النهر، عندها قفز الطبيب إلى النهر وأنقذ الرجل الثاني، وبمجرد أن بدأ الرجل الثاني يتعافى من الغرق، سمع الطبيب رجلا ثالثا يغرق ويطلب المساعدة، عاد الطبيب إلى الماء وأنقذ الرجل، عندها سمع صرخة أخرى ثم أخرى.. وبعد أن تعب الطبيب من عمليات الإنقاذ، نظر إلى أعلى النهر فوجد رجلا يمسك بالمارة ويلقي بهم إلى النهر! تذكرني هذه القصة بالتغييرات التي تجريها وزارة العمل في السعودية حاليا بقيادة الوزير النشط والمبدع الأستاذ عادل فقيه والتي تشبه إلى حد ما، ما حدث في قصة النهر.. فالوزارة هدفها الرئيس توظيف الشباب العاطل عن العمل وهذا عمل مهم جدا، ويجب أن يشارك الكل في إنجاحه، ولكنها بقراراتها تحول جزءا ليس بالقليل من التجار الشباب أو ملاك المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى عاطلين عن العمل! فالنموذج الاقتصادي الذي بني على مدى أربعين عاما لا يمكن تغييره خلال أشهر، وإنما يحتاج إلى وقت وخطة طويلة المدى على الأقل 10 سنوات، وأما الحلول السريعة فلا تكون بتعطيل مصالح شريحة من المجتمع لأجل توظيف شريحة أخرى.

يروى أن هنري فورد مؤسس شركة فورد للسيارات الشهيرة كان إذا أراد أن يعين مديرا لأحد الأقسام في شركته يدعوه للغداء، ويطلب حساء ويراقب هذا المدير المرتقب، هل سيضع الملح على الحساء قبل أن يتذوقه أم سيتذوقه أولا، فإذا قام بوضع الملح قبل تذوقه فلا يعينه أبدا! والسبب في ذلك من وجهة نظر فورد هو أن هذا المدير يتخذ قراراته قبل أن يختبرها ويدرسها جيدا، وهذا ما يظهر من قرارات الوزارة المتسرعة! المشكلة لدى وزارة العمل الحالية هي أنها تنظر للقطاع الخاص وكأنه هو المسؤول الوحيد عن توظيف الشباب، ولم تنظر إلى أن التعليم أنتج لنا أعدادا كبيرة غير مؤهلة ومدربة لوظائف القطاع الخاص، والمشكلة الأخرى أنه في كل قراراته يحمل القطاع الخاص التكلفة المالية وكأن القطاع الخاص قائم على قروض ودعم حكومي ليسترده منهم بهذه الطريقة! في كتابه «احتلال السوق السعودية»، يذكر الإعلامي جمال خاشقجي أن بلادنا صحراء ولا تتسع لكل هذه العمالة، وأنها تشاركنا في استهلاك الماء والغذاء، وتساهم في ازدحام المدن وأزمة الإسكان والمرور. ويقول طبعا في مقدمة كتابه إنه التقى معالي وزير العمل فترة إعداده للكتاب، قبل شهر تحاورنا مع الأستاذ جمال في «ديوانية العمري» بمزرعتنا في بريدة بحضور مجموعة من شباب الأعمال بالقصيم وتجار ومزارعين، وكان البعض يسمع هذا الكلام ويشعر بالخوف على استثماراته وليس له إلا أن يبتسم ويقول: يا سلام! توظيف آلاف الشباب يحتاج لخطة طويلة المدى لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، للتحول من الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على النفط، إلى الاقتصاد الإنتاجي الذي سيولد ملايين الوظائف، ومن الممكن البدء بخطوات سريعة لاستيعاب آلاف الشباب بتأسيس شركات عملاقة مثل سابك والبنوك وشركات الاتصالات، شراكة بين القطاع الحكومي والخاص، توظف الشباب وتوظف الفوائض المالية وتساهم في الإنتاج الصناعي والتقني والزراعي وغير ذلك، ولو بدأنا بصناعة السيارات والأجهزة بشراكات دولية لاستهلاكنا وجيراننا لكفى ذلك.

أخشى أن وزارة العمل على الرغم من نجاحاتها الكبيرة والتغييرات المتميزة التي تقوم بها تضر بالكثير من شباب الأعمال والمشاريع الكبرى أيضا، حتى كأن لسان حال البعض منهم يردد أبيات المتنبي، ولكن بعد تحريفها بالتالي:

رمتني الوزارة بالأرزاء حتى تجارتي في غشاء من نبال فصرت إذا أصابتني الوزارة تكسرت النصال على النصال!

* كاتب ورجل أعمال