البطالة في لبنان تقترب من مستوى 20 في المائة وتدفع بالشباب نحو خيار الهجرة

TT

بيروت ـ رويترز: تلتقط ام انيس الموسوي منديلا تمسح به دموعها التي تساقطت قبل ان تبدأ بالكلام ثم تسارع الى الاعتذار.

لم تقصد المرأة ذات الاربعين عاما البكاء كما تقول الا ان «كثرة الضغط يولد الانفجار» في اشارة الى ان السبب يعود الى انها «لا تخرج من منزلها كثيرا». لكن في الحقيقة يوجد سبب اكبر يظهر في عيني كل فرد من عائلة ام انيس المؤلفة من سبعة اطفال لم يتجاوز اكبرهم التاسعة عشرة من العمر.

انه «الخوف من المجهول» الذي تعيشه العائلة منذ ان فصل الوالد من عمله قبل حوالي سنة ونصف السنة وعجزه عن تأمين البديل.

لم يكن ابو انيس وحده الذي تم فصله من العمل يومها بل ان اكثر من 300 موظف من الشركة عينها تعرضوا للطرد بسبب ازمة مالية.

ولا تزال العائلة تتذكر ذلك اليوم جيدا فترويه ام انيس كأنه حصل بالامس.

يومها رجع الوالد من عمله مبكرا وبوجه اسود من الغم والقهر نظر الى اطفاله واحدا واحدا ثم غاب عن الوعي ولم يستيقظ ابو انيس الا بشلل نصفي حرمه حتى من القدرة على الكلام.

تعيش معظم العائلات اللبنانية خوفا دائما من ان يفقد معيلها او احد افرادها عمله. فعمليات الاستغناء الواسعة التي تقوم بها المؤسسات الكبيرة والصغيرة تبدو وكأنها خبر يومي.

وتشير اخر الدراسات المتعلقة بنسبة البطالة في لبنان الى ارتفاعها الى 20 في المائة خصوصا في صفوف الشباب.

ويشير احد الخبراء الاقتصاديين الى ان احد الاسباب الرئيسية للبطالة في لبنان يعود الى سياسة الحكومة الاقتصادية الخاطئة الداعمة لقطاع الخدمات على حساب قطاعي الزراعة والصناعة في مقابل السماح لليد العاملة والبضائع الاجنبية بدخول البلاد بلا حسيب او رقيب وخصوصا من بلدان حيث مستوى المعيشة والاجور ادنى من لبنان ولا سيما من سوريا.

ويضيف الخبير الاقتصادي «هذا بالاضافة الى اتخاذ الحكومة من دعم صرف الليرة أمام الدولار هدفا أساسيا وذلك من خلال رفع الفوائد على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية التي بدأت تصدرها الدولة لتمويل العجز لزيادة الطلب عليها فتكونت ثروات هائلة لدى المستثمرين بسندات الخزينة على حساب حجم التسليف للمؤسسات المنتجة الامر الذي تسبب باغلاق العديد منها وتفشي البطالة». وكانت المؤسسة الوطنية للاستخدام بالتعاون مع مكتب العمل الدولي في برنامج الامم المتحدة الانمائي قد أصدرت منذ عدة شهور نتائج التحقيق الاحصائي لدى المؤسسات الصناعية والتجارية لعام .1999 وخلصت الدراسة الى توقعات متشائمة حيال التوظيف بين 2000 و2002 اذ حددت ما بين تسعة الاف وعشرة الاف وظيفة سنويا اي بمعدل وسطي 7.1 في المائة مقابل 4.2% في دراسة مماثلة صادرة عام .1997 يظهر مع عادل الحسيني وجه اخر للبطالة. فابن الخامسة والعشرين عاما لم تعرف يداه العمل ابدا.

فقد امضى جزءا من سنوات مراهقته في التسكع في الطرقات في منطقة حي السلم احدى افقر المناطق في لبنان واكثرها بؤسا ولم يتعب نفسه بالبحث عن عمل على حد قوله «لعدم ايماني بلبنان كوطن يستأهل ان افني عمري فيه». كان عادل يعتمد على والدته عاملة النظافة في احدى المستشفيات لتعيله واخويه اللذين يصغرانه سنا.

الا انه منذ خمس سنوات توفيت والدته تاركة اخويه «امانة في عنقي» فقرر التنازل عن موقفه من «البلد الذي لم يعطنا فرصة عادلة كشباب» وقدم طلبات هجرة الى «كل بلدان العالم بما فيها الهند». لم يوفق عادل ابدا طوال الخمس سنوات الماضية في الحصول على عمل ولا حتى كعامل نظافة باحدى الشركات الخاصة وكان يستدين من اصدقائه واحيانا بالفائدة كي يعيل نفسه واخويه على امل الحصول على تأشيرة للهجرة من دون عودة.

ينضم عادل بذلك الى عدد كبير من الشباب اللبناني الذين يحملون الطموح عينه في الهروب الى الخارج لدرجة انه دق في لبنان مؤخرا ناقوس الخطر في ما يخص موضوع الهجرة التي بلغت ارقاما قياسية بين الشباب.

وتبرز وجوه جديدة للبطالة في صفوف الشباب اللبناني المتعلم تحديدا نظرا الى غياب فرص العمل المناسبة لاختصاصاتهم. اذ يعاني لبنان من «تخمة» في كثير من الاختصاصات كالطب والهندسة.

فمنذ فترة قريبة دقت نقابة المهندسين في لبنان ناقوس الخطر لارتفاع عدد المهندسين العاطلين عن العمل الذي بلغ حوالي ثلاثة الاف مهندس.

لا يمكن اعتبار محمود سلمان الشاب الجامعي عاطلا عن العمل فهو خريج كلية التجارة من احدى الجامعات الخاصة في بيروت ويعمل منذ تسع سنوات في احدى الشركات التجارية الا انه يعتبر نفسه عاملا بالاسم فقط. فالراتب الذي يتقاضاه يؤمن له بالكاد مصروفه الشخصي.

لا يرى سلمان اي فرق بينه وبين شاب عاطل عن العمل «كلانا غير مؤهل ماديا للارتباط وتكوين عائلة». ويشير الى تجربته مع زميلة له في العمل احبا بعضيهما كثيرا وارادا الارتباط.

يقول سلمان «بقينا ست سنوات نقول لانفسنا في السنة القادمة سنرتبط ثم نضطر الى التأجيل الى السنة التي تليها» الى ان تزوجت هي من احد الشباب المهاجرين بعد ان مل الاثنان من الانتظار.

وعندما طلب سلمان من المدير زيادة على راتبه اخبره المدير انه لا يستطيع ذلك واذا كان راتبه لا يعجبه فيستطيع ان يبحث عن عمل في مكان اخر.

ويقول سلمان ان ارباب العمل «يستغلون الوضع الاقتصادي السيء فيخفضون الرواتب وهم يعرفون انهم يستطيعون استبدال من لا يعجبه بآخر بكل سهولة». ويخلص الى نوع جديد من البطالة الخفية يعيشها امثاله من الشباب متمثلة في تقاضي رواتب متدنية تزيد الحالة سوءا ويقول سلمان انها تدفع الشباب الى التفكير في الهجرة الى اي بلد كان.