تأثير حوادث 11 سبتمبر على اقتصادات الدول العربية

د. هنــري توفيق عــزام *

TT

إن الهجوم الذي تعرضت له الولايات المتحدة في 11 سبتمبر (ايلول) لم تظهر بعد آثاره بالكامل على الأقطار العربية، غير أن النتائج السلبية ستصبح أكثر وضوحاً خلال الأشهر القادمة. فلقد تأثرت كافة دول العالم بالتطورات التي نتجت عن الأزمة، خاصة في ما يتعلق بالعولمة والانفتاح وحرية انسياب البشر ورؤوس الأموال والبضائع عبر الحدود. كذلك ارتفعت درجة المخاطر المرتبطة بعوامل عدم الاستقرار السياسي في عدة أقطار من أنحاء العالم بما في ذلك بعض الدول العربية.

لقد كانت الولايات المتحدة تعاني من الركود حتى قبل 11 سبتمبر، وقد ساهمت الأزمة في جعل الأمور تسير إلى الأسوأ. وهناك من الأسباب ما يجعلنا نتوقع أن يكون التراجع الاقتصادي الحالي أعمق وأطول من حالات الركود السابقة التي شهدتها الولايات المتحدة خلال العشرين عاماً الماضية. ويعزى هذا إلى الحجم الكبير للاستثمار الذي سجل خلال فترة التسعينات والذي تباطأ مؤخراً، وإلى حقيقة أن حالة الركود الأميركي قد تزامنت مع التباطؤ الاقتصادي في العديد من دول العالم.

ولمواجهة التباطؤ الاقتصادي هذا قامت البنوك المركزية في دول العالم الرئيسية بضخ المزيد من السيولة في أسواقها المالية، إذ خفض البنك الفيدرالي الأميركي الفائدة على الودائع قصيرة الأجل بين البنوك إلى 2%، وهذا أدنى معدل لها منذ 40 عاماً، كذلك خفضت البنوك المركزية الرئيسية الأخرى في العالم معدلات الفوائد المحلية. على أن سعر الفائدة الحقيقية (أي سعر الفائدة على الودائع مطروحاً منه نسبة التضخم) ما زالت موجبة على ودائع الدولار واليورو، مما يشير الى أنه ما زال هناك مجال لمزيد من التخفيض في أسعار الفائدة العالمية. كذلك تراجعت أسعار الفوائد المحلية في معظم الدول العربية لتجاري تراجع أسعار الفائدة العالمية. ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه خلال الأشهر القليلة القادمة وهذه من الأمور الإيجابية التي نتجت عن الأزمة.

وتتوقع الأسواق تراجع الطلب على النفط بسبب الركود الاقتصادي العالمي، وتشير التقديرات الى أنه في حال تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي في العالم بحدود 1% فإن هذا سيؤدي إلى تقليص الطلب العالمي على النفط بمقدار 400.000 برميل يومياً، وهناك أيضاً تراجع متوقع في الطلب على النفط بسبب ضعف حركة الطيران العالمي والتي تستهلك سنوياً حوالي 10% من الطلب العالمي على النفط. وبالإضافة إلى التراجع المتوقع في الاستهلاك العالمي للنفط العام القادم، فإن الأقطار المنتجة للنفط من خارج الأوبك قد تزيد من إنتاجها بمقدار 500.000 برميل يومياً مما يضع المزيد من الضغط على دول أوبك لتقليص إنتاجها، وكل هذا سيؤدي إلى ضعف سوق النفط خلال عام 2002 وقد تتراجع الأسعار إلى معدل 18 دولارا للبرميل لخام برنت مقارنة مع معدل 24 دولارا للبرميل مقدر لهذا العام.

ولقد أدت أحداث سبتمبر إلى تراجع تدفقات رؤوس الأموال الخاصة إلى الأسواق الناشئة وتتوقع مؤسسة التمويل الدولي أن تنخفض هذه التدفقات إلى 106 بلايين دولار هذا العام مقارنة مع 166 بليون دولار عام 2000، على أن تصل العام القادم إلى 127 بليون دولار. وبالنسبة للاستثمارات الخارجية المباشرة في المنطقة العربية، فمن المقدر أن تنخفض إلى 3.5 بليون دولار هذا العام بعد أن وصلت إلى 4.6 بليون عام 2000، ويتوقع أن لا تتعدى تلك الاستثمارات 3 بلايين دولار العام القادم.

وثمة تأثير آخر لهجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة وهو زيادة المشاعر المعادية للعرب في الخارج مما شجع بعض المستثمرين من أبناء المنطقة على التفكير في تقليص تعاملاتهم المالية الواسعة مع الولايات المتحدة، خوفاً من تجميد الأموال كجزء من الحرب التي تشنها أميركا ضد الإرهاب. ويقدر أن ثلثي استثمارات العرب في الخارج والتي هي بحدود 1000 بليون دولار مستثمرة في الأسواق المالية للولايات المتحدة أو مودعة في بنوك أميركية أو في فروع هذه البنوك. ولغاية الآن لم تسجل حركة خروج أموال عربية من الأسواق أو البنوك الأميركية، غير أن الأمور قد تأخذ منحىً حاداً إلى الأسوأ إذا قررت الولايات المتحدة أن تهاجم قطراً عربياً أو أكثر بدون مبرر معقول، أو أن تجمد موجودات وحسابات مؤسسات وأفراد مشتبه فيهم بدون برهان قاطع على ارتباطهم بالإرهاب.

تأثرت أسواق الأسهم في المنطقة أيضاً بأحداث 11 سبتمبر، وخسر بعضها معظم مكاسبها المسجلة منذ أول العام. فمثلاً السوق السعودي الذي ارتفع 14.4% خلال الفترة من 1 يناير إلى 9 سبتمبر 2001، أنهى شهر نوفمبر على ارتفاع 4.5% فقط، أي بخسارة 10% خلال 11 أسبوعاً عقب الهجوم. وكذلك سوق الكويت الذي ارتفع 32% حتى 9 سبتمبر، أنهى شهر نوفمبر بزيادة 23% فقط أي بتراجع عن المستوى العالمي الذي وصله قبل الهجوم في حدود 10%. أما سوق الأسهم المصري الذي سجل تراجعاً بنسبة 17% منذ بداية العام حتى 9 سبتمبر، زادت خسارته بنسبة بعد أحداث سبتمبر لينهي نوفمبر على خسارة قدرها 39% مقارنة بمستواه في بداية العام. ولقد استطاعت كل من أسواق الأسهم في الأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر من استعادة الخسائر التي منيت بها عقب هجوم سبتمبر 11 وأنهت شهر نوفمبر على ارتفاع مقارنة مع ما كانت عليه قبل الهجوم، كذلك سجل سوق فلسطين تحسناً ملموساً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة قبل أن يعود ويتراجع في الأسبوع الأول من ديسمبر.

الطيران والسياحة كانا القطاعين الأكثر تضرراً في منطقتنا، وتشير التقديرات إلى أن السفر بالجو من وإلى المنطقة العربية قد انخفض بنسبة 35% منذ 11 سبتمبر، وقد قامت عدة شركات طيران كبيرة بإلغاء بعض الخطوط وتقليص عدد الرحلات لديها. وتقدر منظمة الطيران العربية أن خسائر شركات الطيران لدول المنطقة قد تزيد على 10 بلايين دولار بنهاية العام. كذلك تأثر قطاع السياحة خاصة في مصر والأردن ولبنان ودبي، إذ سجلت الفنادق في هذه الدول انخفاضاً في معدل إشغال الغرف يتراوح من 30% إلى 70%. وكان عدد السياح الذين وصلوا إلى العالم العربي من سائر أنحاء العالم أكثر من ثلاثين مليوناً في عام 2000 وأنفقوا 21 بليون دولار، ويقدر الدخل المباشر وغير المباشر من السياحة في العالم العربي بـ60 بليون دولار، والخسارة المتوقعة للقطاع هذا العام قد تزيد عن 10 بلايين دولار للمنطقة ككل.

ويتوقع لمصر ولبنان وسورية وفلسطين والسعودية أن تكون من البلدان العربية الأكثر تأثراً بأحداث سبتمبر. ففي مصر نجد أن الجنيه المصري يتعرض للضغط بتأثير تدني الدخل من العملات الأجنبية المتأتي من السياحة ومن قناة السويس وبسبب توقعات النمو المتدنية هذا العام. كما يبقى لبنان في موقف ضعيف بسبب عوامل عدم الاستقرار الاقليمية والتي قد تؤثر سلباً على نجاح عمليات التخاصية، وعلى قدرة الحكومة في خدمة ديونها التي وصلت إلى مستويات حرجة. وقد تدفع عوامل عدم الاستقرار في المنطقة سورية إلى تأجيل عملية تحرير اقتصادها وإلى توجيه المزيد من مواردها نحو الدفاع والأمن.

وسيكون لأحداث سبتمبر تأثير غير مباشر على دول الخليج، ويتمثل في هبوط أسعار النفط والدخل المتأتي منه وعودة العجز إلى الموازنات الداخلية والخارجية بعد الأداء الجيد الذي سجلته هذه الدول عام 2000. وعلى أي حال فإن لدى معظم هذه الأقطار احتياطات مالية كافية لتمويل أية اختلالات في الموازنات سواء كانت داخلية أم خارجية العام القادم. وقد لا تستطيع المملكة العربية السعودية أن تجذب إليها الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي كانت تأمل فيها بسبب الإعلام السلبي التي تتعرض له في وسائل الإعلام الغربية. وسيستطيع الأردن الحفاظ على معدلات نمو اقتصادي جيدة هذا العام حتى مع الأخذ في الاعتبار انخفاض الدخل من السياحة والفنادق.

ويبدو أن المناطق الفلسطينية ستكون الأكثر تأثراً بأحداث سبتمبر، إذ سمحت هذه الأحداث لأميركا بإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لاتخاذ إجراءات أشد شراسة وعدوانية ضد الشعب الفلسطيني باسم مقاومة الإرهاب، وسيكون لمساواة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالإرهاب ومحاولة القضاء على السلطة الفلسطينية تأثير سلبي كبير على مستقبل عملية السلام مما سيزيد من عوامل عدم الاستقرار التي قد تنعكس سلباً على كافة دول المنطقة.

* جوردان انفستمنت ترست (جوردانفست)