تونس تطلق ثالث اكتتاب لتعبئة موارد إضافية لميزانية 2014

بهدف تعبئة مبلغ 312 مليون دولار

تعاني تونس من ارتفاع نسب التضخم نتيجة تردي أوضاعها الاقتصادية
TT

أطلقت تونس يوم أمس ثالث عملية اكتتاب في تاريخها الحديث ودعت التونسيين إلى المساهمة بفعالية في القرض الوطني الموجه لتغطية جزء من موارد ميزانية سنة 2014 في ظل تنامي نفقات الدولة وتراجع مداخيلها المتأتية أساسا من القطاع السياحي والفلاحة والمناجم. وتهدف هذه العملية حسب كبار المسؤولين في وزارة المالية والاقتصاد وفي البنك المركزي التونسي، إلى تعبئة هذا المبلغ بهدف أساسي هو دعم موارد الدولة والتخفيف من التعويل على المساعدات المالية الأجنبية.

ودعا حكيم بن حمودة، وزير الاقتصاد والمالية إلى دعم مبادرة الاكتتاب الوطني، وقال في تصريح لوسائل الإعلام إن هذه العملية ستمكن من توفير مبلغ 500 مليون دينار تونسي على الأقل (قرابة 312 مليون دولار) لخزينة الدولة. وأضاف أن الدراسات الأولية توقعت ضعف هذا المبلغ، وأضاف قائلا: «نعول كثيرا على تفهم التونسيين وتضامنهم من أجل الإقبال على هذا الاكتتاب والمساهمة في إنجاحه».

واعتبر بن حمودة أن تعبئة مبلغ 500 مليون دينار تونسي «مبلغ واقعي وموضوعي»، وقلل من أهمية تخوفات أولية أبدتها عدة أطراف سياسية واقتصادية ونقابية تجاه عملية الاكتتاب التي تتم في ظل تراجع كبير للقدرة الشرائية للتونسيين وتدني مداخيل العائلة التونسية.

وتخشى عدة أطراف من تأثير حدة ارتفاع التداين الأسري وانخفاض نسبة الادخار الوطني إلى مستويات دنيا على هذه العملية. وللتأكيد على انخراط أعضاء الحكومة التونسية في عملية الاكتتاب، قال حكيم بن حمودة وزير الاقتصاد والمالية إن كل أعضاء الحكومة سيساهمون في الاكتتاب باقتطاع نسبة عشرة في المائة من رواتبهم لشهر مايو (أيار) الحالي. بيد أن الحكومة التونسية تعول على رجال الأعمال ومؤسسات القطاع الخاص للتوجه بحماس إلى إنجاح الاكتتاب الوطني الذي يقدم فوائد أفضل مما تقدمه البنوك التونسية.

وتعاني تونس من ارتفاع نسب التضخم نتيجة تردي أوضاعها الاقتصادية ويقدر نسبة التضخم عند الاستهلاك العائلي بنحو خمسة في المائة خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي. وأشار عز الدين سعيدان، الخبير الاقتصادي التونسي إلى أن نسبة التضخم المقبولة لا بد أن تقل عن ثلاثة في المائة. يذكر أن نسبة التضخم كانت في حدود ستة في المائة خلال فترة حكم الترويكا بزعامة حركة النهضة.

وبشأن عملية الاكتتاب التي انطلقت أمس وتتواصل إلى نهاية الشهر الحالي، ذكرت مصادر من وزارة المالية والاقتصاد لـ«الشرق الأوسط» أنه يمكن للمكتتبين الاختيار بين ثلاثة أصناف عند المشاركة في القرض الرفاعي الوطني وتتراوح نسب الفائدة 95.‏5 في المائة و15.‏6 في المائة و35.‏6 في المائة، وذلك بالتوالي حسب فترة السداد إن كانت خمس سنوات أو سبع أو عشر سنوات. وتتراوح القيمة الاسمية لكل سند بين عشرة دنانير تونسية (نحو 6.25 دولار) ومائة دينار تونسي (قرابة 62.5 دولار).

يشار إلى أن تونس أصدرت منذ الاستقلال ثلاثة قروض رفاعية وطنية الأول كان سنة 1964 عند الانطلاق في بناء الدولة الحديثة وحاجة البلاد لمزيد من الموارد للتعليم والصحة على وجه الخصوص والثاني سنة 1986 لما مرت البلاد خلال تلك الفترة بأزمة مالية واقتصادية خانقة، والثالث خلال هذه السنة لتعبئة موارد مالية لفائدة ميزانية الدولة.

وينتظر أن تعرض الحكومة التونسية خلال هذه الفترة مشروع ميزانية تكميلية على أنظار المجلس التأسيسي (البرلمان) وذلك في محاولة للإيفاء بالتزاماتها تجاه الفئات الاجتماعية الفقيرة التي لا تزال تنتظر نتائج إيجابية للثورة على أحوالها المتردية.

وتعرضت ميزانية 2014 أثناء مناقشتها نهاية السنة الماضية تحت قبة البرلمان، إلى انتقادات عدة صدرت عن خبراء اقتصاديين، وذلك على خلفية وعود كثيرة بالتنمية والتشغيل في مجملها غير قابلة للتنفيذ بسبب ضعف الموارد وتراجع الناتج الوطني المحلي.

في غضون ذلك، يعقد المهدي جمعة، رئيس الحكومة التونسية مؤتمرا صحافيا يوم غد الأربعاء لتقديم أهم ما أنجزته حكومته خلال المائة يوم الأولى من عمرها ويجيب عن مسائل سياسية وأمنية واقتصادية. ومن المنتظر أن يتطرق جمعة إلى برامج الإصلاح التي اتخذتها الحكومة ومدى تقدم التحضيرات لمؤتمر الحوار الاقتصادي المزمع عقده يوم 28 مايو الحالي، ومن ثم مصارحة التونسيين من جديد بواقع الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد وحقيقة المساعدات الأجنبية.

ومن المتوقع حسب مؤشرات كثيرة، أن تتخذ الحكومة إثر مؤتمر الحوار الاقتصادي عدة إجراءات اقتصادية توصف بـ«المؤلمة» من بينها مراجعة سياسة دعم المواد الأكثر استهلاكا ومن بينها أسعار المواد الغذائية واعتماد سياسة تقشف بدأتها من خلال التفكير في التخلي عن 80 ألف سيارة من السيارات الإدارية (ملك الدولة) لكبار الموظفين والتخفيض في أسعار وصولات البنزين الموجهة للوظيفة العمومية بنسبة عشرة في المائة.

وفي خطوة استباقية لسياسة الحكومة التقشفية، حذر الاتحاد العام التونسي للشغل (كبرى المنظمات العمالية في تونس) من مغبة المس بالفئات الفقيرة عبر مراجعة دعم المنتجات الغذائية والاستهلاكية. وقال أمينه العام حسين العباسي في افتتاح مؤتمر نقابي عقد نهاية الأسبوع الماضي، إن المنظمة العمالية توافق على إجراءات ظرفية يتطلبها الواقع الاقتصادي ولكنها ترفض تحميل مسؤولية تردي الأوضاع في تونس إلى العمال والإجراء ومن ثم الترويج لصعوبات حالية في دفع الأجور والامتناع بعد ذلك عن الدخول في مفاوضات للزيادة في الأجور وتحسين المقدرة الشرائية للتونسيين.