السعودية: توجه هيئة تنظيم الكهرباء لاستكمال الخصخصة واستجلاب استثمارات بقيمة 133 مليار دولار

محافظ الهيئة لـ («الشرق الأوسط») : تكلفة القطاع الصناعي ثلاثة في المائة فقط من المصروفات التشغيلية

جانب من منصة ورشة عمل «دراسة تطوير خارطة الطريق للانتقال إلى سوق الكهرباء التنافسي في السعودية» أمس بالرياض (تصوير: سعد العنزي)
TT

كشفت هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج لـ«الشرق الأوسط»، عن توجهها نحو استكمال مستحقات الخصخصة، وجلب استثمارات محلية وأجنبية بقيمة 500 مليار ريال (133.3 مليار دولار) خلال عشر سنوات.

وقال الدكتور عبد الله الشهري محافظ الهيئة لـ«الشرق الأوسط»: «قبل سنوات عدة اتخذت الدولة قرارا بخصخصة الخدمات، سواء الاتصالات أو الكهرباء أو المياه، وبالتالي انتقال هذه الخدمات من مرحلة الإدارة المركزية التي تعتمد على جهة واحدة تمول من قبل الدولة إلى مجال مفتوح لمشاركة القطاع الخاص».

وأوضح الشهري أن الهيكل الجديد للهيئة يحتاج إلى خطة متدرجة مبنية على أسس سليمة وفق التجارب العالمية، مبينا أن الهيئة أعدت خطة لإعادة هيكلة صناعة الكهرباء لتوسيع مشاركة القطاع الخاص.

ونوه بأهمية تقليص الاعتماد على دعم الدولة، مبينا أن ذلك أول الخطوات لإعداد خطة هيكلة صناعة الكهرباء، بحيث تسمح باستيعاب المتغيرات، موضحا أن الخطة مبنية على أربع مراحل أساسية متدرجة، وهي فصل أنشطة صناعة الكهرباء كفصل التوليد عن النقل، وبالتالي عن التوزيع، مشيرا إلى أن هذه مطالب أساسية للخصخصة.

ولفت الشهري إلى توجه الهيئة لإنشاء كيانات مستقلة لإنتاج الكهرباء تمكن القطاع الخاص من المشاركة فيها بفاعلية، وبمنافسة مفتوحة على أسس سليمة، حيث يبقى قطاع النقل مملوكا بالكامل لجهة واحدة تملكها الشركة السعودية للكهرباء، وجهة أخرى من الدولة، والهدف من ذلك هو خلق منافسة في مجال التوزيع، بحيث يؤدي إلى تحسين الخدمة، وهي من الأشياء الأساسية التي تهدف إلى خطة إعادة الهيكلة كمرحلة أولى.

وقال: «تأتي المرحلة الثانية، وهي المنافسة في التجويد، بحيث يسمح لشركات التوزيع وكبار المشاركين بالتعاقد مباشرة مع المنتجين بأسعار تراقب الهيئة مستوياتها، بحيث تكون هناك عدالة وشفافية».

أما المرحلة الأخيرة، وفق الشهري، فهي الانتقال إلى سوق الكهرباء، بحيث تكون هناك منافسة في مجال تقديم الخدمة للمشترك النهائي، حتى يتمكن معظم المشتركين من الشراء مباشرة من السوق حسب الأسعار التي تحددها قوى السوق بالعرض والطلب، مشيرا إلى أن هناك فئة قليلة من المشتركين الذين يحتاجون إلى دعم من الدولة، يوجه إليهم من خلال تعريفة تحددها الدولة في هذا الخصوص.

وعلى صعيد الانفتاح على الاستثمار الأجنبي، أكد الشهري أن الاستثمار المحلي والأجنبي الآن مشارك في محطات عدة كبيرة، جاءت بمشاركة من القطاع الخاص بشقيه الداخلي والخارجي، مبينا أنه حسن الخدمة التي يؤديها.

وزاد أن هذا التوجه خلق نوعا من المنافسة، غير أنه يعتقد أن هناك حاجة إلى توسيع هذا المجال بحيث يكون مجالا أكبر، وعلى أسس تجارية فقط دون أي التزامات طويلة المدى من الدولة أو من الشركة السعودية للكهرباء مقابل هذه المشروعات.

وفيما يتعلق بشكاوى القطاع الصناعي من زيادة تكلفة تسعير الكهرباء بخلاف الإسكان، أكد الشهري أن هذا القطاع يدفع الآن تكاليف إنتاج فقط للشركة السعودية للكهرباء، مشيرا إلى أنه لولا دعم الدولة لهذا القطاع لكانت التكلفة أكثر مما هي عليه حاليا.

وقال محافظ الهيئة: «لدينا دراسات تبين أن تعريفة الكهرباء في السعودية من أقل التعريفات على مستوى العالم، بالإضافة إلى دراسات أجريت تبين أن تأثير الكهرباء على الاستهلاك الصناعي قليل جدا، وأن نسبة كبيرة من الصناعيين أو المصانع لا تمثل تكلفة الكهرباء أكثر من ثلاثة في المائة من مصروفاتهم التشغيلية».

وأضاف: «حتى لو زادت تكلفة الكهرباء لدى الصناعيين من عشرة إلى عشرين في المائة، فهي ما زالت في حدود ثلاثة إلى أربعة في المائة من مصروفاتهم التشغيلية، وهي محدودة جدا».

وأكد أن الأسعار والتكلفة المتدنية للكهرباء لا تشجع على تطبيق كفاءة الاستخدام، مبينا أنها تشجع على ممارسات غير محبذة في مجال الترشيد، مشيرا إلى أن تكلفة إنتاج الكهرباء الآن في السعودية بمعدل 15 هللة للكيلوواط - ساعة.

وقال: «إن القطاع الصناعي يدفع تقريبا 14 هللة للكيلوواط - ساعة، فهي أقل من سعر التكلفة والسكن، حيث يدفع معدل ثماني هللات للكيلوواط - ساعة، ولكن تعريفة الدولة في المنشآت الحكومية أعلى لتعويض جزء من هذا النقص، لذلك ما زال هناك نقص في دخل صناعة الكهرباء، لأن الدخل المطلوب كبير، والعائد المتحقق من التعريفة لا يفي بها».

ووفق الشهري، فالدولة من وقت لآخر تقدم عروضا ميسرة لصناعة الكهرباء، مبينا أنه لولا هذا الدعم، لما استطاعت الشركة أن تستمر في التوسع في تقديم الخدمة بالمستوى الذي وصلت إليه الآن.

وعاد الشهري إلى أن الدراسة تبين المراحل التي يجب اتخاذها لجعل الأسعار حرة خاضعة للعرض والطلب، لرسم خارطة الطريق للانتقال من الوضع الحالي إلى سوق الكهرباء التنافسية، مشيرا إلى أنه بنهاية هذه الدراسة خلال ستة أشهر سيكون هناك جدول وخطة واضحة.

وقال الشهري: «جزء من هذه الخطة يقر من قبل الهيئة، وجزء آخر يحتاج إلى قرارات من الدولة، ما يجعلنا نطالب الدولة بإقرارها، وبناء على هذا الجدول تصبح هناك شركات يمكنها المساهمة في تحمل هذه الأعباء الكبيرة».

وأضاف: «الآن في مجال التوليد هناك شركات أنشأت مشروعات بالجبيل في الشعيبة بالشقيل، وهي شركات كبيرة للقطاع الخاص، ولكن نحتاج إلى أن يكون المجال أوسع وعلى أسس تجارية فقط، وليس على أساس العقود الحالية، لأن العقود الحالية منصوصة، وتشتري منه المنتج، سواء أنتجه أو لم ينتجه».

ولفت إلى أن كل ذلك بمثابة أعباء كثيرة تستدعي تغيير شروط العقود، والدخول على أسس تجارية، ووضع مجال شفاف وعادل وواضح للجميع، بحيث يكون الدخول للجميع بأسس تجارية فقط.

وعلى صعيد الطاقة المتجددة والمحافظة على مصادر النفط التي تستهلك بكميات كبيرة في قطاع توليد الكهرباء بالسعودية، قال الشهري: «الدولة جادة في هذا المجال، حيث إنها أسست مدينة الملك عبد الله للطاقة النووية والمتجددة، وأسندت إليها مهمة تطوير الطاقة النووية والمتجددة في السعودية وتشجيع استخدامها».

ولفت إلى أن المدينة لديها حاليا برامج يعملون على إعدادها، ومن المتوقع أن تثمر نتائج جيدة قريبا، مشيرا إلى أن الهيئة كجهة مستعدة للتعاون مع هذه المشروعات، وهي جاهزة لإصدار الرخص، في الوقت الذي لم يفصح فيه عن مواعيد التنفيذ، مشيرا إلى أنه لا يمكن التنبؤ به، لأن المدينة تعمل مع جهات أخرى كثيرة تنتظر قرارا نهائيا من الدولة بشأنها.

جاء ذلك على هامش ورشة عمل نظمتها هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج أمس بالرياض، ورشة عمل دراسة تطوير خارطة الطريق للانتقال إلى سوق الكهرباء التنافسية في السعودية.

وقال الشهري: «هذه الدراسة تستهدف وصف المتطلبات للانتقال من الوضع النهائي إلى خطة الهيكلة إلى سوق الكهرباء، وكشف المتطلبات وفق الصيغة التي يجب أن تكون بها السوق؛ لأن هناك تجارب عالمية عدة في هذا المجال، سنختار منها الصيغة التي تناسب السعودية لتؤدي إلى نتائج أفضل». وأضاف: «هذه الدراسة مدتها ستة أشهر، وفي النهاية ستكون لدينا خطة للانتقال بصناعة الكهرباء من الوضع الحالي الذي تقوم به الشركة بجميع الخدمات وحدها، إلى وضع يكون فيه مجال للقطاع الخاص يشارك في التوليد، وتكون هناك سوق تعطي الحرية للمشترك ليختار من يقدم له الخدمة».

وجزء من الدراسة، وفق الشهري، يتعلق بتحديد الجدول الزمني والمتطلبات والصعوبات التي تحتاج إليها الهيئة للتغلب عليها، إما بإصدار قرارات من الدولة أو اتخاذ إجراءات معينة بحيث يمكن تنفيذها.

وفي هذا الإطار أوضح المهندس ناصر القحطاني نائب محافظ الهيئة لـ«الشرق الأوسط» أن الهيئة تتجه نحو التطوير والانفتاح على الاستثمار بشقيه الداخلي والخارجي، مشيرا إلى استهدافها جلب استثمارات بقيمة 500 مليار ريال (133.3 مليار دولار) خلال عشر سنوات.

وأشار إلى أن السعودية دعمت قطاع الكهرباء لينمو منذ عقود، مبينا أنه يغطي حاليا أكثر من 99 في المائة من المشتركين في البلاد، ومشيرا إلى دعم الدولة السخي الذي جاء بصيغة دعم للوقود والقروض لبناء مشروعات كبيرة.