المجلس الأعلى للحسابات المغربي يحذر من خطورة تأخير إصلاح أنظمة التقاعد

انتقد انعدام دقة الفرضيات التي تبنى عليها توقعات الموازنة العامة

TT

حذر تقرير أعده المجلس الأعلى للحسابات المغربي (أعلى هيئة للرقابة المالية) من خطورة استمرار الوضع الحالي لأنظمة التقاعد، مؤكدا أنها تعاني من اختلالات هيكلية، تتمثل في محدودية ديمومتها وارتفاع التزاماتها غير المشمولة بالتغطية، حيث بلغ مجموع التزاماتها إلى نهاية سنة 2011 ما يناهز 188 مليار درهم (22 مليار دولار).

وأوضح التقرير، الذي قدمه أمس إدريس جطو رئيس المجلس الأعلى للحسابات، أمام البرلمان بغرفتيه (النواب والمستشارين)، أن استمرار هذا الوضع قد يترتب عليه استنفاد أنظمة التقاعد لمجموع الاحتياطيات، وبالتالي عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه المتقاعدين. وتوقع التقرير أن تزداد الوضعية سوءا نظرا لتأخر إصلاحها، مشيرا إلى أن إشكالية التقاعد اتخذت في السنوات العشرين الأخيرة طابعا دوليا، إذ انخرطت جميع الدول المتقدمة وعدد من الدول ذات الاقتصاديات الصاعدة في مسلسل إصلاحات عميقة وجوهرية، مشيرا إلى أن مجمل الإصلاحات التي نفذت على الصعيد العالمي شملت المقاييس الرئيسة الأربعة، التي ترهن ديمومة أنظمة التقاعد على المدى الطويل. ويتعلق الأمر بتأخير سن التقاعد، حيث أصبحت غالبية الدول تعتمد سن تقاعد ما بين 66 و64 سنة، واحتساب المعاش على أساس متوسط الأجر لمدة أطول تتراوح ما بين 15 و25 سنة، أو مجموع مدة النشاط المهني، والزيادة في نسبة المساهمات، وإحداث أنظمة تكميلية.

ولتجاوز الاختلالات التي تعرفها أنظمة التقاعد بالمغرب، أوصى التقرير باتخاذ إجراءات شجاعة، من خلال الحوار وتغليب المصلحة العامة، واسترجاع متأخرات الدولة لصالح صناديق التقاعد، وحل مشكل الصناديق الداخلية داخل بعض المؤسسات العمومية، والاتفاق على تكوين لجنة وطنية للمتابعة. كما جرى خلال السنة الماضية الاتفاق على رفع الحد الأدنى لمعاش التقاعد، والحفاظ على القدرة الشرائية للمتقاعدين، واعتماد نظام تكميلي إجباري وأنظمة تكميلية اختيارية، والبحث عن حلول تتلاءم مع إمكانيات وإكراهات الواقع المغربي.

كما تطرق التقرير إلى وضعية صندوق المقاصة (صندوق دعم المواد الأساسية)، مؤكدا أن نفقاته لا تقل خطورة عن توازن المالية العمومية، خصوصا مع الارتفاع الذي عرفته خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث ارتفعت من أربعة مليارات درهم سنة 2002 إلى 66 مليار درهم (7.8 مليار دولار) خلال سنة 2011، بحيث أصبحت كلفتها تمثل إشكالية كبرى لتوازن المالية العمومية، وتسفر عن عجز يقلص الهامش المتاح لتمويل الاستثمار العمومي، وتؤدي إلى بطء في وتيرة إنجاز المشاريع الكبرى المهيكلة للاقتصاد المغربي.

وأوضح التقرير أيضا أن نظام المقاصة انحرف عن وظيفته الأصلية، المتعلقة باستقرار أسعار المواد الأساسية، ليتحول إلى آلية للمساعدة، لا تعكس واقع التكاليف وتحجب حقيقة الأسعار، خاصة في قطاعات الطاقة الكهربائية والنقل.

وفي انتظار إيجاد آلية فعالة وآمنة تمكن من استهداف الفئات الأكثر حاجة للدعم، أوصى المجلس بضرورة التمييز بين دعم مواد الأولوية ذات الطابع الاجتماعي، من سكر ودقيق وغاز المنزل، وباقي أنواع الدعم الذي يمكن رفعه تدريجيا عن المواد البترولية السائلة وتوجيهه إلى الاستثمار في قطاع النقل، من أجل تحديث حظيرة السيارات والشاحنات، والتي يصل معدل عمرها حاليا إلى أكثر من 82 سنة، بهدف تقليص معدل استهلاكها للوقود والحد من التلوث.

كما أوصى المجلس بأن يشمل الإصلاح المكتب المغربي للكهرباء والماء الصالح للشرب. ولمواجهة الارتفاع المتزايد للطلب على الطاقة وتقليص الاعتماد على الخارج في هذا القطاع الذي يستورد 16 في المائة من حاجياته، أوصى التقرير بالحرص على التطبيق السليم للاستراتيجية الوطنية للطاقة، التي تتمثل أهدافها في تطوير الطاقات المتجددة، لا سيما الطاقة الشمسية والطاقة الريحية والطاقة الكهرومائية، وكذا تفعيل السياسة الوطنية للنجاعة الطاقية.

وفي مجال حكامة نظام المقاصة، دعا التقرير إلى توسيع اختصاصات هذا الصندوق حتى لا يقتصر دوره على صرف الدعم، بل يمتد إلى جعل الصندوق ملاحظا فعليا بشأن المواد المدعمة، والإسهام في اليقظة الدائمة تجاه المخاطر المالية التي تواجهها البلاد.

على صعيد متصل، انتقد التقرير طريقة تنفيذ قوانين المالية (الموازنة العامة)، وسجل العديد من الملاحظات بشأنها، من بينها تجاوز نسب العجز المسجلة لتلك المتوقعة، إذ بلغت نسبة عجز الموازنة ستة في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2011، مقابل توقعات في حدود أربعة في المائة، مما يؤكد عدم دقة الفرضيات التي تبنى عليها توقعات مشاريع قوانين المالية، كما انتقد التقرير ذاته، ضعف وتيرة تنفيذ موازنة الاستثمار، وهو ما يكشف عن بطء إنجاز المشاريع المبرمجة، وبالتالي ارتفاع مبلغ الاعتمادات المرحلة من سنة إلى أخرى، والمبالغة في تحويل الاعتمادات على مستوى بعض الفصول واللجوء لفصل النفقات المشتركة من أجل إمداد بعض المؤسسات العمومية، والحسابات الخصوصية للخزينة وأجهزة أخرى باعتمادات غير مبرمجة، مما يحد من دور قانون المالية كأداة للتوقع والترخيص، ومن دور السلطة التشريعية في تتبع إنجاز قوانين المالية.