الانتخابات المصرية وتداعياتها على العلاقات الاقتصادية مع ألمانيا

السفير المصري لدى برلين : القاهرة وبرلين مرتبطتان بمبادرة ربط شمال أفريقيا

يتوقع المراقبون أن تنشط حركة الاقتصاد المصري بعد الانتخابات
TT

قد تبدو الانتخابات المصرية وما ينتج منها من تغيير في السلطة شأنا مصريا داخليا. لكن واقع الحال يؤكد أن المصالح الغربية في المنطقة تتأثر سلبا أو إيجابا بتوجهات النظام الحاكم في مصر. واليوم تعطي ألمانيا اهتماما كبيرا للانتخابات الرئاسية وما يرافقها من أحداث. والسبب في ذلك أن برلين، التي تلعب دورا اقتصاديا وسياسيا مهما في المنطقة العربية، تعتبر مصر الدولة الأكثر تأثيرا على الوضع السياسي والاقتصادي بشكل عام في الشرق الأوسط، ولذا لم يكن غريبا أن تستقبل المستشارة أنجيلا ميركل الرئيس السابق محمد مرسي عقب توليه السلطة مباشرة، وكانت أول زيارة قام بها مسؤول أوروبي وغربي إلى مصر في تلك الفترة لوزير الخارجية الألماني السابق غيدو فسترفيلي، ووقعت ألمانيا آنذاك مع حكومة مرسي اتفاقيات اقتصادية جديدة للتعاون.

وعن الانتخابات الرئاسية المصرية وتداعياتها على العلاقات السياسية والاقتصادية بين برلين والقاهرة وموقف الحكومة الألمانية من الأوضاع الحالية، والتي تغيرت كليا منذ سقوط الرئيس السابق مرسي، ومدى تأثير ذلك على الاستثمارات الألمانية في البلاد، قال السفير المصري في برلين الدكتور محمد حجازي، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «عندما انتخب الرئيس السابق محمد مرسي استقبل في ألمانيا، على الرغم من أن موقف الحكومة الألمانية لا ينسجم مع سياسات (الإخوان المسلمين)، لكن خلال الفترة السابقة استنكرت الصحافة الألمانية بشدة أعمال العنف في مصر والأحكام التي قضت بإعدام بعض المتورطين من (الإخوان) في أحداث عنف بعد الإطاحة بالرئيس السابق، وأصبحت هناك معارضة ألمانية سوف تطرح أسئلة قبل اتخاذ الحكومة الألمانية أي موقف تجاه النظام المصري الجديد، فهي تريد أن تعرف نوع هذا النظام وكيف يمكن التعامل معه».

وعن الدعم الألماني للاقتصاد المصري يقول السفير حجازي «لدينا حجم تعاون تجاري مهم جدا وصل العام الماضي إلى نحو 4.5 مليار يورو، وإحصاءات يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) لهذا العام تشير إلى تقدم كبير، وفي معدلات النمو الاقتصادي المصري الألماني لدينا حجم تعاون إنمائي مهم في حدود 351.88 مليون يورو، يتوزع على كل الأنشطة التنموية الاقتصادية من بناء مصارف وفي مجالات صحية وتعليمية وتدريبية إلى تأهيل مهني وغيره من الأنشطة الاقتصادية، منها برنامج شراكة التحول وقدره مائة مليون يورو لدول الربيع العربي، حصة مصر من هذا المبلغ تصل إلى 40 مليون يورو. وهناك أيضا 58 مليون يورو أضيفت هذا العام لبلدان الربيع العربية يخص مصر منها قدر مناسب، وبالإضافة إلى ذلك هناك برنامج تبادل ديون مصري ألماني مهم بمعدل 240 مليون يورو أقرته المستشارة أنجيلا ميركل لمصر عام 2011، تم الانتهاء من تقديم مشروعات وتبادل ديون الشريحة الأولى كاملة بحدود 80 مليون يورو، والشريحة الثانية وقدرها 160 مليون يورو هي في طور التباحث حولها مع البرلمان الألماني الجديد ولجنة الميزانية والمسؤولين، وخلافا لذلك هناك تعاون ثقافي مهم جدا من خلال جامعتين ألمانيتين في القاهرة، وتبادل طلابي ودارسون في مراحل الماجستير والدكتوراه. وفي إطار دعمها وحرصها على مساعدة مصر في حماية تراثها الثقافي سلمت ألمانيا مؤخرا ثلاث قطع أثرية مهمة إلى السلطات المصرية كانت مهربة من مصر. إنها بعض المؤشرات لتأكيد حجم التعاون المصري الألماني الذي لم ينقطع يوما ولن ينقطع إدراكا من ألمانيا لمكانة مصر ومحوريتها وبوصفها ركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط.

وأكد السفير أن «الاستثمارات الألمانية في مصر تصل إلى نحو 700 مليون يورو، وإذا ما أضفنا إليها اليوم الاستثمارات في مجالي الغاز والبترول لتضاعف هذا الرقم كثيرا. وبقيت برلين خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر الثورتين تعمل بشكل فاعل إدراكا منها لأهمية هذه السوق وحجمها وقدرتها على الانتشار في المنطقة العربية والأفريقية والمتوسطية وأبعادها الجغرافية، لأن لها مكانة جغرافية مهمة جدا ومحور حركة للتجارة العالمية. وعليه فإن الجانب الألماني عزز استثماراته ولم يقللها، ويتوافد على مصر بشكل دوري، ونسعى إلى التعاون معهم في مجالات عدة خاصة في مجالات الطاقة المتجددة، وربما وصل إلى مسامع المصريين اكتشاف غازي مهم جدا في منطقة كفر الشيخ بدلتا النيل، وهذا محسوب للجانب الألماني عبر مشاركة شركة (آر دبليو إي) وغيرها من الشركات التي قدمت عددا من المشروعات في مجال الطاقات المتجددة وإنشاء محطات توليد طاقة شمسية، ومصر وألمانيا مرتبطتان من خلال مبادرة ربط شمال أفريقيا وأوروبا في مجال إنتاج الطاقة المتجددة، وذلك استنادا إلى مذكرة تفاهم وقعناها مع جي إي آي، بالإضافة إلى مبادرات أخرى نسعى إلى تنميتها وتطويرها. كما تحقق نجاح للتعاون الألماني المصري في مجال التأهيل المهني وتدريب الكوادر والتعليم وفي المجالات الثقافية المتعددة. والحقيقة فإن المستثمر الألماني مهم ولديه رغبة في الاستمرار في السوق المصرية، وبعد الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي لدى المستثمر الألماني الرغبة في أن يكون له حضور واضح في مصر. فمصر سوق وموقع جغرافي، وتتوافر فيها موارد اقتصادية وطاقة بشرية، وهذه معادلة رابحة لأي مستثمر».

وعن تأثير الأوضاع الأمنية على الاستثمارات الألمانية في مصر يقول حجازي «يدرك المستثمر أن كل المؤشرات الاقتصادية في مصر قوية، ورغم ما يواجهه الاقتصاد المصري من صعوبات، فإن الاقتصاد استمر لمدة ثلاث سنوات يواجه مسؤولياته، لذا فهو اقتصاد قوي. البنية التحتية متميزة سواء من حيث الطرقات أو الاتصالات أو البنية المصرفية أو قوانين الاستثمار الدافعة، كلها على أحدث مستوى عالمي، وبالتالي فهذه البيئة الجاذبة ما زالت قائمة ومتوافرا لها البعد». وأضاف السفير «قد يكون للوضع الأمني تأثير سلبي على القطاع السياحي، رغم ذلك ما زالت السياحة الألمانية مهمة جدا، ووصل إلى مصر في 2013 نحو 850 ألف زائر ألماني من أصل 1.3 مليون عام 2010، وفي شهري يناير وفبراير من العام الحالي وصل العدد إلى 143 ألف ألماني، ونأمل في عودة الاستقرار كي نستقطب جزءا رئيسا من السياحة الألمانية، كما نسعى لتخفيف تحذيرات السفر الألمانية إلى بعض المناطق في سيناء في وقت تصل فيه السياحة الألمانية في البحر الأحمر إلى أرقام جيدة».