رأس المال في القرن الـ21

جمال الدين طالب

TT

ليس هناك كتاب اقتصادي ربما أثار نقاشا وجدلا مثلما يثيره هذه الأيام كتاب «رأس المال في القرن الحادي والعشرين»، الذي نشره بالفرنسية العام الماضي الباحث الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، والذي يتصدر المبيعات في أوروبا وأميركا، وقد نفدت في الأخيرة طبعته الأولى بسرعة نسخته الإنجليزية، التي صدرت في مارس (آذار) الماضي، في 600 صفحة، مما أدى بدار جامعة هارفارد للنشر إلى المسارعة في إصدار طبعات أخرى.

الكتاب يتمحور أساسا حول فكرة عدم المساواة في توزيع الثروة، وتسارع احتكارها بمرور الزمن بين أي أقلية تزداد أقلية بمرور الزمن!. يبحث بيكيتي بالأرقام هذا الموضوع وبمعطيات تغطي 300 سنة في 20 دولة متقدمة، ويحذر فيه الباحث من مخاطر سياسية واقتصادية، من تعاظم الهوة الطبقية، والتآكل الذي تتعرض له الطبقة المتوسطة، الفاصلة بين الأكثر ثراءً والأكثر فقرًا. ويذهب الاقتصادي الفرنسي إلى القول إنه إذا استمر نفس إيقاع نمو ثروات الأكثر ثراء في العالم فإنهم خلال الـ50 سنة المقبلة سيسيطرون ليس على 90 في المائة فقط من ثروات العالم، إنما على 100 في المائة! ويثير هذا الطرح جدلا كبيرا مثلما تثيره دعوة الباحث إلى فرض ضريبة عالمية على الأثرياء، الذين يرى أنهم مستفيدون من التساهل الضريبي للحكومات معهم.

وبقدر ما سجل الكتاب إشادات من بينها إشادات لاقتصاديين مرموقين مثل الأميركي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد بول كروغمان، بقدر ما أثار انتقادات واسعة خاصة من المدافعين على «رأسمالية الاقتصاد»، والذين ذهب بعضهم إلى اتهامه بأنه شيوعي ماركسي وتشبيهه بكارل ماركس ومقارنة كتابه بكتاب ماركس «الرأسمال»، الذي أنجزه في 1867. واللافت أن الاقتصادي الفرنسي صرح ردا على هذه الاتهامات، بأنه «في الواقع لم يتسن له قراءة رأسمال ماركس!».

وقد أخذ الجدل حول كتاب بيكيتي بعدا آخر خلال الأيام الماضية، واحتل النقاش في الكثير من وسائل الإعلام الغربية خاصة، عندما «اتهمته» صحيفة «الفاينانشيال تايمز» الاقتصادية البريطانية بأن المعطيات الرقمية (التي تمتد على نحو 300 سنة في الدول الغربية)، والتي بنى عليها الباحث الفرنسي كتابه، فيها نقاش، إن لم تكن خاطئة، وبالتالي فإن الاستنتاجات التي توصل إليها ليست صحيحة بالضرورة.

وقد رد بيكيتي على الصحيفة الاقتصادية الشهيرة بالقول إنه حتى وإن لم تكن المعطيات الرقمية، التي بنى عليها كتابه، بحاجة إلى تدقيق، فإن الاستنتاج الذي خلص إليه يبقى صحيحا، وهو خطورة عدم المساواة في توزيع الثروة وبكل تبعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وهي الخطورة، التي شدد عليها الأميركي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد بول كروغمان، والذي أشار إلى أن كتاب بيكيتي «سيدفع إلى إعادة النظر في كيفية التفكير في المجتمع والطريقة التي نمارس بها الاقتصاد».

[email protected]