سباقات الـ«فورمولا1».. طريق البحرين نحو الازدهار

منفعته الاقتصادية قدرت بـ 1.3 مليار دولار

جانب من مضمار سباق «فورمولا1» في البحرين
TT

شهد شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي إقامة السباق العاشر لجائزة البحرين الكبرى للـ«فورمولا1» تحت رعاية «طيران الخليج»، الذي استضافته البحرين، وكان جديرا بأن يكون واحدا من السباقات الأكثر إثارة في تاريخ الـ«فورمولا1». وهنا، تجد المملكة البحرينية الفرصة سانحة أمامها لتقييم ما أنجز. فأي حساب ختامي يتكون من جانبين، ولكن هناك مجموعة كبيرة من الأدلة تشير إلى أن الرؤية الجريئة التي اتبعت قبل أكثر من عقد من الزمان نتجت عنها مكاسب مهمة بطرق متعددة.

عندما استضافت البحرين سباق الـ«فورمولا1» في 4 أبريل من عام 2014، فإنها بذلك جلبت أحد أكثر الأحداث ذات الصبغة الأوروبية لأول مرة إلى منطقة الشرق الأوسط. كما أنها لعبت دورا مهما في إضفاء الطابع الدولي على أكثر الرياضات شعبية على مستوى العالم. ويبدو الآن سباق الـ«فورمولا1» مختلفا اختلافا جذريا عما كان عليه في مطلع هذا القرن، حيث تقام السباقات في جميع القارات، وجعلت مجموعات السائقين والفرق والرعاة السباق أكثر انتشارا حول العالم. وفي الواقع، أصبح السباق أحد الأحداث الرياضية الاستثنائية على مستوى العالم التي تعكس تفاعلات الاقتصاد العالمي الآخذ في التطور.

جدير بالذكر أنه ليس من السهل على الإطلاق إجراء تقييم اقتصادي لتأثير إقامة حدث ضخم ومعقد بهذا الشكل، ويعزى ذلك جزئيا إلى أن الكثير من المكاسب ليست في صورتها الطبيعية. ومن بين المكاسب الرئيسة التي أثمر عنها تنظيم سباق الجائزة الكبرى، تقديم الفرصة لتشكيل المفاهيم عن طريق الظهور على مئات الملايين من شاشات التلفزيون في جميع أنحاء العالم بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وفي حين تدر حقوق البث عوائد مالية، فإن اكتساب صوت أقوى من بين العوامل المؤثرة على الاتجاهات الشعبية له ميزة الاستمرارية والتغيير. وقد منحت البحرين على مدار السنوات جوائز بفضل إقامة حدث يتميز بالتنظيم الجيد، بالإضافة إلى الابتكارات المتوالية في تصميم الحدث وتنسيقه. وفي عامي 2006 و2010، استضافت البحرين السباقات الافتتاحية للموسم. وفي عام 2010، تنافس المشاركون في سباق التحمل الذي يبلغ طوله 6.299 كيلومتر للاحتفال باليوبيل الماسي للـ«فورمولا1». وكان سباق الجائزة الكبرى لهذا العام هو أول سباق ليلي يقام بالمملكة على الإطلاق.

ولكن، يوجد أيضا المزيد من المؤشرات المباشرة إلى القيمة الاقتصادية التي حققها السباق. يشير تحليل أجري حول تقديرات التأثير الذي أحدثه تنظيم هذا السباق على البحرين إلى نتائج إيجابية مماثلة للمكاسب التي حققها تنظيم جميع سباقات الـ«فورمولا1» في جميع أنحاء العالم – وهي أحد العوامل التي تسبب الشعبية الدائمة لاستضافة هذا الحدث. وقد قدرت بعض المصادر المنفعة الاقتصادية العامة التي حققها سباق الجائزة الكبرى منذ تأسيسه بما يزيد على 1.3 مليار دولار - وهو رقم يتخطى الناتج المحلي الإجمالي الحالي للمملكة بنسبة أربعة في المائة، ومن ثم ما يعادل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة. ويوفر هذا الحدث ما يقدر بنحو 3.000 وظيفة موسمية، كما يضيف ما يقرب من 400 وظيفة دائمة لقطاعات التجزئة، والخدمات الفندقية، والشركات التجارية. والأهم من ذلك، أن أثر هذه المكاسب يؤثر في الاقتصاد البحريني برمته، بدءا من وكلاء تشغيل الفنادق الدولية، وانتهاء بسائقي سيارات الأجرة. ويقدر عدد الزوار الذين يجذبهم السباق بشكل مباشر بنحو100.000 زائر، تضخ نفقاتهم في الاقتصاد نحو 100 إلى 150 مليون دولار سنويا.

ومن العناصر المهمة لإنجاح أي حدث كبير هو القدرة على التواصل، حيث يقدم سباق الجائزة الكبرى فرصة لجذب عدد كبير من الزوار على نحو غير اعتيادي، بالإضافة إلى البحث عن مجالات ذات اهتمام مشترك. من وجهة نظر مجلس البحرين للتنمية الاقتصادية، أصبح الاتصال التجاري جزءا متزايد الأهمية في البرنامج. وكانت البحرين في العام الماضي رائدة في تنظيم الـ«فورمولا1»، مما سلط الضوء على إمكانية أن يحقق هذا الحدث أهدافا أكبر بكثير. كما حقق هذا الحدث نجاحا في نسخته الثانية لهذا العام، وعلق بيرني إيكلستون، الرئيس التنفيذي للجهة المنظمة لبطولة العالم لسباقات سيارات «فورمولا1»، على هذا النجاح قائلا بأنه أثبت أن «حماسة البحرين للعثور على وسائل جديدة تبرز القيمة التي تقدمها هذه الرياضة لقطاع الأعمال كان في مقدمة الابتكارات التي حققتها خلال العقد الماضي».

إن تنظيم حدث ناجح يمكن أن يكون بذرة لإقامة مجموعة متكاملة من الأحداث والأنشطة ذات الصلة. وتستطيع هذه التطورات أن تزيد الفوائد الاقتصادية بشكل ملحوظ من خلال استهداف جمهور جديد. فضلا عن ذلك، يعد سباق البحرين للجائزة الكبرى الآن مكانا تستطيع فيه الأسر والضيوف الاستمتاع بيوم من الأنشطة، وحضور سباقات أخرى، بالإضافة إلى الحفلات الموسيقية والعروض الأخرى. كما يقدم منبرا للفعاليات التجارية والمؤتمرات، حيث يمكن التواصل بين الشركات المحلية والدولية، وعقد الاتفاقيات، وتقديم الخدمات للضيوف البارزين.

قد يكون سباق الجائزة الكبرى الحدث السنوي الاستثنائي، ولكن البنية التحتية التي أنشئت لدعمه توفر منصة جذابة لسباقات وأنشطة إضافية على مدار العام، مما يسمح لحلبة الصخير باكتساب شهرة متزايدة بصفتها واحدة من المحاور الإقليمية لرياضة السيارات. وتضمنت الفعاليات التي أقيمت على مضمار الحلبة سباقات الـ«فورمولا3»، وسباقات جي تي، وسباقات الانجراف، والكارتينغ، وبطولة العالم لسباق التحمل، وسلسلة سباقات (V8) سوبركار الأسترالية.

ولكن البنية التحتية المادية كان لها دور فعال في تحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية، وبشكل أعم في جنوب جزيرة البحرين. وشهدت منطقة الصخير تنامي أعداد المرافق الترفيهية، بالإضافة إلى عدد من الخطط التي يجري العمل عليها. ومن المرجح، بمرور الوقت، أن يجري تطوير حلبة البحرين الدولية، بحيث تصبح جزءا لا يتجزأ من الفعاليات الأكثر شمولا التي تقام بالمحافظة الجنوبية. وعلى سبيل المثال، حظيت الحلبة باهتمام فعالية «الأسبوع البريطاني العظيم»، وهو جزء من الاستعدادات التي تجرى للاحتفال بذكري مرور مائتي سنة على بدء العلاقات الثنائية بين المملكة المتحدة والبحرين، الذي عقد بالتزامن مع معرض البحرين الدولي للطيران هذا العام.

وجدير بالذكر أن سباق الجائزة الكبرى في البحرين عانى هزات اقتصادية حادة خلال العقد الأول، ولكنه استمر بنجاح إلى أن أتى بثماره. وما يهم في نهاية المطاف أكثر من أي شيء آخر هو إيجاد سبل جديدة للتنمية الاقتصادية في جزء مهم من المملكة، فضلا عن إثبات قدرة مملكة البحرين الدائمة على الابتكار. وهكذا، تحمل هذه الإنجازات إمكانية لإرساء قاعدة نمو دائمة. وبالقدر نفسه من الأهمية، تعكس تاريخ الجزيرة الممتد عبر آلاف السنين بصفتها مركزا يفتح أبوابه أمام جميع البشر ومختلف الأفكار.

* كبير الخبراء الاقتصاديين في مجلس البحرين للتنمية الاقتصادية