رالف نادر يقر: لا يمكن وقف الرأسمالية

الأميركي من أصل عربي المحارب من أجل المستهلك

TT

قبل 50 سنة، وكان عمره 30 سنة فقط، اشتهر الأميركي العربي رالف نادر بأنه «المحارب من أجل المستهلكين»، وذلك لأنه قاد حملة ضد الشركات الرأسمالية، واتهمها بالتركيز على الربح كهدف أول وأخير، واستغلال المستهلكين ببيعهم منتجات غير مضمونة، وأحيانا خطرة، والتآمر مع البنوك لزيادة شراء الدين، وتقليل شراء النقد.

في ذلك الوقت، ركز نادر على شركات إنتاج السيارات. وقال إن سيارتها غير مضمونة، وأحيانا خطرة، وتهدد، بل تقتل المستخدمين.

ولد رالف نادر في أميركا من أبوين هاجرا من لبنان: ناضر نادر، وروز نادر. كان والداه يملكان مطعما لبنانيا. وبالإضافة إلى تعوده على الحياة، والثقافة، والعادات، العربية (كان يتكلم اللغة العربية)، استمع إلى شكاوى والديه من ارتفاع أسعار اللحوم والخضراوات، واستغلال الممولين، والبنوك، لهما.

ربما لهذا، بعد أن تخرج نادر محاميا من جامعة برنستون (ولاية نيوجيرسي)، تفرغ للدفاع عن المستهلكين، وأعلن «الحرب» على الشركات والبنوك التي تستغلهم.

وفي عام 1965 كتب كتاب «غير آمنة بأي سرعة»، ركز فيه على شركات صناعة السيارات، وجمع أرقاما وإحصائيات عن حوادث السيارات بسبب مشكلات ميكانيكية فيها.

طبعا لم تقبل هذه الشركات العملاقة هذه الحملة، وبالإضافة إلى رفع قضايا ضده، اشتركت في حملة شخصية، منها التجسس عليه، وإغراؤه بعاهرات يصورنه في أوضاع جنسية.

وسارع نادر ورفع قضايا ضد هذه الشركات، وكسب نصف مليون دولار، وأسس بها مركز «القانون المفيد، الذي يخدم الناس، وخصوصا المستهلكين». وانتقل من كاليفورنيا إلى واشنطن، حيث تخصص في كشف الفساد في الوزارات والمصالح الحكومية. ومن كتبه: «من يدير الكونغرس؟» و«شلة رؤساء الشركات» و«مصاصو الدماء: محامو الشركات» و«17 اقتراحا لإصلاح أميركا» و«حكومة شركات، لا حكومة مواطنين».

ومرات كثيرة، ترشح نادر مستقلا لرئاسة الجمهورية، ولم يكن هناك أمل في فوزه، رغم تأييد حزب «الخضر» له. كانت أشهر مرة ترشح فيها عام 2000 عندما حصل على مائة ألف صوت في ولاية فلوريدا. وهى الولاية التي فاز فيها بوش الابن (مرشح الحزب الجمهوري) على ال غور (مرشح الحزب الديمقراطي) بـ500 صوت فقط، وبالتالي فاز برئاسة الجمهورية. واتهم غور نادر بأنه سبب هزيمته.

في الأسبوع الماضي أصدر نادر كتاب «انستوبابل» (لا يمكن وقفها: تحالف يساريين ويمينيين ضد فساد الرأسمالية).

هذه بعض فصول الكتاب:

أولا: ماضي تحالفات يساريين ويمينيين.

ثانيا: انقسام اليمين بين المبادئ والعقيدة.

ثالثا: شركات عملاقة تعرقل تحالف يساريين ويمينيين.

رابعا: من يملك أميركا، الشركات أم الشعب؟

خامسا: يوجد يمينيون أخلاقيون.

سادسا: خطاب إلى مليارديرات.

في الفصل الأخير، كما يبدو من عنوانه، يدعو نادر «الأغنياء الأخلاقيين» إلى التحالف مع الليبراليين لمواجهة جشع وفساد الرأسمالية.

في الكتاب، بعد نحو عشرة كتب، ولأول مرة، بدا نادر وكأنه يساوم الرأسمالية:

أولا: قال إنه لا بد من الاعتراف بقوة الأغنياء، وقدرتهم على التأثير، ليس فقط على المال والاقتصاد، ولكن أيضا على السياسة والثقافة.

ثانيا: فرق بين «الأغنياء الأخلاقيين» و«الأغنياء غير الأخلاقيين».

ثالثا: أشاد بمثقفين بيمينيين يدافعون عن الرأسمالية «المتطرفة».

من بين هؤلاء: غروفر نوركويست، الذي يقود حملة ضد ما يسميه «الضرائب التي تفرضها الحكومة على المواطنين». وفي الحقيقة يريد تخفيض الضرائب تخفيضا كبيرا.

ومن بين هؤلاء: رون أونز، الذي يقود حملة ضد الهجرة إلى أميركا، وخصوصا هجرة مواطنين من دول العالم الثالث. ولا تخلو حملته من عنصرية واضحة، ومن دفاع عن الأغلبية البيضاء.

لهذا، يظهر سؤالان:

أولا: هل تغير نادر بعد أن كان تقدميا؟

ثانيا: هل نادر ليس هو نادر التقدمي؟

كتب نادر في الكتاب أنه وضع عبارات مثقفين يمينيين (مثل نوركويست، واونز) في غلاف كتابه ليس لأنه يتفق معهم «في كل شيء»، ولكن «في أشياء معينة».

من هذه الأشياء: «نعم، تجمع الحكومة ضرائب من الأغنياء لفائدة الفقراء، لكن دون تقليل استثمارات الأغنياء».

ومنها: «نعم، لا بد من قوانين حكومية لمراقبة الشركات، لكن يحتاج اقتصاد السوق الحر إلى حرية كافية للشركات».

ومنها: «نعم، لمراقبة الحكومة، لكن ساحة العدالة الأميركية مفتوحة للجميع (للشركات لتقاضي الحكومة)».

وأخيرا، استشهد نادر بوالد الرأسمالية، آدم سميث، وقال إنه كتب كتابين: في واحد: أيد حرية الشركات المالية. وفي الثاني: انتقد «شهوة الربح».

وهكذا، بعد 50 سنة، وبعد أن صار عمره 80 سنة، صار نادر يؤمن بما سماه «الأخلاقية الواقعية».