العقوبات الاقتصادية على روسيا تثير قلق الشركات الألمانية

مخاوف من آفاق قاتمة لأكبر اقتصاد في أوروبا بعد انكماشه المفاجئ في الربع الثاني

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أثناء محادثة جانبية قبل بدء المباراة النهائية في بطولة كأس العالم الشهر الماضي (أ. ب)
TT

أعلن اتحاد «بي جي إيه» الألماني للشركات العاملة في التجارة الخارجية أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا تثير قلق الشركات الألمانية العاملة في مجال التجارة.

وفي مقابلة مع مجلة «فوكوس» الألمانية التي تصدر غدا الاثنين، قال أنتون بورنر، رئيس الاتحاد، إن المشكلة الكبرى تتمثل في «الاضطراب وفقدان الثقة والخوف، وهو ما يؤثر على نشاط هذه الشركات».

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، قال بورنر إن الشركات التي لم تعقد صفقات مع روسيا ستتردد في الاستثمار هناك في ظل هذا الوضع. وأعرب بورنر عن اعتقاده أن الاقتصاد الألماني يمكنه أن يتحمل تداعيات العقوبات «لكن الأمر سيستغرق أعواما أو عقودا لحين استعادة الثقة في روسيا مرة أخرى». كما أشارت غرفة التجارة والصناعة الألمانية إلى وجود «اضطراب ملحوظ» لدى الشركات المتوسطة، مضيفا أن «الكثير من هذه الشركات ستبدي تحفظا في علاقاتها مع الشركاء الروس بصورة أقوى مما تتطلبه العقوبات».

وقد سجل الاقتصاد الألماني انكماشا مفاجئا في الربع الثاني من العام، وذلك للمرة الأولى في أكثر من سنة، مع تأثر أكبر اقتصاد في أوروبا بأداء التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي خاصة في قطاع البناء. ومن المرجح أن تثير هذه البيانات وضعف اقتصادات دول أخرى رئيسة مثل إيطاليا شكوكا جديدة بشأن التعافي في منطقة اليورو التي تواجه صعوبات في الخروج من الأزمة المالية الشديدة التي عصفت بها.

وقال مكتب الإحصاء الاتحادي في ألمانيا إن الاقتصاد انكمش 0.2 في المائة بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران). كانت التوقعات في استطلاع أجرته «رويترز» أن يستقر الاقتصاد دون نمو أو انكماش. ويشير ذلك إلى تباطؤ ملحوظ عن الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى مارس (آذار) حين نما الاقتصاد بقوة لأسباب منها الطقس الشتوي المعتدل. وفي ضربة أخرى للاقتصاد، عدل مكتب الإحصاء نسبة النمو في الربع الأول بالخفض لتصبح 0.7 في المائة، بدلا من 0.8 في المائة في التقديرات الأولية.

وأظهرت البيانات غير المعدلة أن الاقتصاد نما 0.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثاني، ليأتي دون متوسط التوقعات في استطلاع أجرته «رويترز» لنمو نسبته 1.5 في المائة. وبحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» فإن أكثر ما يثير القلق هو أن مؤشرات ألمانيا بدأت تعاني، حيث تواجه انخفاضا حادا في المعنويات الاقتصادية، وفقا لما ورد في التقارير يوم الثلاثاء الماضي. وكانت ألمانيا، التي تشكل أكثر من ربع إجمالي اقتصاد منطقة اليورو، تدعم بقية المنطقة طوال الأعوام القليلة الماضية.

وأظهر تقرير معهد الأبحاث الاقتصادية «ZEW» في مانهايم بألمانيا أن المعنويات الاقتصادية في ألمانيا انخفضت خلال الشهر الحالي إلى أدنى مستوياتها منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2012. وأضاف التقرير أن الانخفاض «قد يكون مرتبطا بالتوترات الجيوسياسية المستمرة التي أثرت على الاقتصاد الألماني». وجاء هذا التراجع بعد تحذير أطلقته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لأن دراساتها أظهرت «تراجع زخم النمو» في ألمانيا. وأوضح تقرير رسمي صدر الأسبوع الماضي أن إنتاج المصانع الألمانية كان أقل كثيرا من المتوقع في شهر يونيو.

يصف كارستين برزيسكي، الخبير الاقتصادي في مجموعة «آي إن جي» في بروكسل، المعنويات المنخفضة في ألمانيا بأنها «إشارة إلى أن أداء النمو في الربع الثاني قد يتحول فجأة من اقتصاره على دولة واحدة إلى اتجاه سائد غير مرغوب». وسوف تكون لمزيد من التباطؤ الاقتصادي في أوروبا تداعيات خطيرة على بقية أنحاء العالم، وسط مخاوف بشأن اقتصاد الولايات المتحدة، التي شهدت بداية متعثرة عام 2014، قبل أن تعزز من نموها المعتدل، وأيضا اليابان التي من المعتقد أنها شهدت انكماشا حادا في الربع الثاني.

وصرح ستانلي فيشر، نائب رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي، في مؤتمر عقد في استوكهولم، بأن التراجع الاقتصادي الأوروبي كان عاملا مهما في تراجع النمو في الولايات المتحدة. لكنه قال إن النمو الألماني كان ثابتا في الربع الثاني، حيث اتخذ مسارا أكثر تفاؤلا من كثيرين توقعوا أن يشهد انكماشا ضئيلا. إلى جانب التوترات الجيوسياسية، نتج ضعف الاقتصاد الألماني عن انخفاض الطلب من شركاء منطقة اليورو التجاريين، وعوامل أخرى من بينها أخطاء إحصائية نتجت عن طقس معتدل غير معتاد في الربع الأول.

وقال برزيسكي «كانت تداعيات الأزمة الأوكرانية محدودة حتى الآن بعودة الشكوك وانخفاض حاد في الصادرات الألمانية إلى روسيا. ومن الواضح أن أي تصعيد جديد للأزمة قد يبدأ في الإضرار بالاقتصاد. لهذا السبب يجب أن يستمر تعزيز الطلب المحلي، خاصة الاستثمارات المحلية، على رأس أولويات جميع صناع السياسات».

وأدى الخلاف بين الغرب وروسيا حول أوكرانيا إلى فرض عقوبات متبادلة من الولايات المتحدة وأوروبا من جانب وروسيا من جانب آخر. في حين تملك روسيا حصة صغيرة في الاقتصاد العالمي، 3 في المائة، إلا أنها واحد من أكبر 10 شركاء تجاريين لألمانيا، وفقا للجمعية الألمانية للغرف التجارية والصناعية. وتعتمد نحو 300.000 وظيفة في ألمانيا على الصادرات إلى روسيا.

وقدر محللو مصرف «ناتيكيس» الفرنسي أن انخفاض الصادرات إلى روسيا بنسبة 30 في المائة في العام الحالي سوف يؤدي إلى خصم 0.3 في المائة من حجم النمو الاقتصادي في ألمانيا.

واعترف ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، خلال الأسبوع الماضي، بأن التوترات الاقتصادية الناجمة عن الأزمة الأوكرانية سوف يكون لها «تأثير أكبر على منطقة اليورو من مناطق أخرى في العالم».

يذكر أن منطقة اليورو خرجت من حالة ركود في الربع الثاني من عام 2013 بأكثر تعريف عام وهو العودة إلى النمو. ولكن لم تتحرر المنطقة من صدمتي الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون السيادية التي هزت إسبانيا وإيطاليا وكانت لها تكاليف إقراض عالية وأدت إلى تقديم خطط إنقاذ إلى قبرص واليونان وآيرلندا والبرتغال.

وفي حين ترتبط الحكومات باتفاق بفرض الرقابة على الإنفاق، يظل الطلب منخفضا، والاستثمارات ضعيفة، ولا يزال أكثر من 18 مليون شخص في الاتحاد يعانون من البطالة. وفي شهر يونيو الماضي، ذكرت مجموعة من خبراء الاقتصاد البارزين المرتبطين بمركز أبحاث السياسات الاقتصادية أن منطقة اليورو كانت، على أفضل تقدير، تمر بمرحلة من «التوقف الممتد» في الركود الذي بدأ في الربع الثالث من عام 2011.

وعلى الرغم من الزيادة المعتدلة التي يشهدها نمو بعض البلدان بما فيها بعض من الدول الأعضاء الأكثر تضررا على أطراف منطقة اليورو، فإن هناك إشارات على مدار الشهور توحي بأن الطلب غير كاف لتحقيق نمو قائم بذاته. ووقعت إيطاليا مرة أخرى في حالة من الركود، وتبدو فرنسا، ثاني أكبر عضو في منطقة اليورو بعد ألمانيا، في حالة سيئة. واعترف السيد دراغي بهشاشة التعافي في مؤتمر صحافي عقد الأسبوع الماضي، واصفا إياه بأنه «ضعيف وهش وغير متساو»، حتى مع رفضه هو وزملائه في مجلس إدارة البنك المركزي لاتخاذ تدابير نقدية إضافية في محاولة لتحفيز الاقتصاد.

وقد يساعد تحقيق نمو أقوى في حل أكثر مشاكل دراغي إلحاحا، والتي تتمثل في خطورة انزلاق منطقة اليورو إلى دوامة انخفاض الأسعار مما يلحق أضرارا اقتصادية، حيث ترتفع أسعار المستهلك بنسبة سنوية ضئيلة بلغت 0.4 في المائة. ويكشف أحدث توقعات البنك المركزي أن اقتصاد منطقة اليورو سينمو بمعدل 1 في المائة في العام الحالي، وسوف يصل إلى 1.8 في المائة في عام 2016.

وكتبت ماري ديرون، الخبيرة الاقتصادية في دراسات التمويل الكلي في «موديز»، تقريرا أشارت فيه إلى أن قوة منطقة اليورو تعتمد إلى حد كبير على تحسن تراكمي ضئيل للشركات والأسر التي تتحمل عبء الديون التي تقوض الإنفاق. وقالت «في المجمل السيناريو الأكثر احتمالا هو أن تظل منطقة اليورو ذات نمو إيجابي لكنه منخفض».