المدينة المنورة.. منصة استثمارية فارقة في الاقتصاد السعودي

البنك الدولي يدرس المناخ الاستثماري للمنطقة

منطقة المدينة المنورة تشهد حراكا اقتصاديا كبيرا خلال الفترة الحالية («الشرق الأوسط»)
TT

باتت منطقة المدينة المنورة مرشحة لأن تكون المنصة الأكثر جذبا للأموال الاستثمارية خلال السنوات القليلة المقبلة، يأتي ذلك في وقت تسعى فيه المنطقة خلال الفترة الحالية إلى إعادة بلورة البيئة الاستثمارية ودفعها نحو الأمام، وسط رؤية جديدة بدأ الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنورة، تنفيذها على أرض الواقع.

وتعد منطقة المدينة المنورة خلال الفترة الحالية، منصة بالغة الأهمية على أرض الاستثمار في السعودية، وهو الأمر الذي يجعل عوامل تقدّم بيئة الاستثمار فيها بعد خطوات حثيثة من إمارة المنطقة بالتعاون مع الغرف التجارية والوزارات الحكومية في هذا الشأن، أمرا متوقعا.

ولم تتوقف خطوات منطقة المدينة المنورة لتحسين بيئتها الاستثمارية عند الوزارات والغرف التجارية في البلاد، بل إنها امتدت في خطوة أكثر توسعا إلى دعوة البنك الدولي لزيارة المنطقة ودراسة مناخ الاستثمار فيها، في خطوة جديدة من المتوقع أن تحدث نقلة نوعية في بيئة الاستثمار لدى منطقة المدينة المنورة.

ويأتي بدء أعمال مؤسسة «نماء المنورة»، الذراع التنفيذية لـ«وقف المنورة»، لدعم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المنطقة؛ خطوة مهمة لاقتصاد المنطقة خلال الفترة المقبلة، يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه أمير منطقة المدينة المنورة أنه في ظل هذا الحراك التنموي الراهن الذي تعيشه السعودية، خاصة المشروعات التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتوسعة المسجد النبوي وتطوير المناطق المحيطة به؛ أنشئ «وقف المنورة» ليكون الأداة الفاعلة في تعزيز العمل التنموي بالمنطقة، والذي انبثقت منه مؤسسة «نماء المنورة».

وتعد مؤسسة «نماء المدينة» مؤسسة غير ربحية تطلق الكثير من المبادرات لدعم منظومة المنشآت المتوسطة والصغيرة، خاصة أن هذا القطاع الحيوي يشكل أكثر من 90 في المائة من المنشآت المسجلة في سجلات وزارة التجارة، وذلك من أجل تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، إيمانا بأن دعم هذا القطاع ونموه سيكون له أثر إيجابي على الاقتصاد المحلي وتنميته.

وعطفا على هذه التطورات، أكد يوسف الميمني، عضو الهيئة الاستشارية في المجلس الاقتصادي الأعلى، وعضو مجلس الاستثمار في منطقة المدينة المنورة، لـ«الشرق الأوسط»، يوم أمس؛ أن منطقة المدينة المنورة تعد المنطقة الأكثر تنوعا من حيث القنوات الاستثمارية الجاذبة.

وقال الميمني خلال حديثه: «تعد منطقة المدينة المنورة من أهم مناطق المملكة كونها تحوي المسجد النبوي الشريف الذي يزوره ملايين المسلمين، كما أن أهمية المنطقة تأتي في ظل اهتمام ورعاية خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة بها».

ولفت إلى أن مبادرات الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنورة، ستجعل المناخ الاستثماري والاقتصادي للمنطقة أكثر تميزا خلال الفترة المقبلة، مضيفا: «المرحلة القادمة تمثل مرحلة مهمة في تاريخ منطقة المدينة المنورة، فهناك توسعة كبرى للمسجد النبوي الشريف، إضافة إلى تطوير المناطق المحيطة به من خلال إنشاء العمائر السكنية لاستيعاب ملايين الزوار، إضافة إلى مشاريع التحسين والتجميل التي تشهدها بعض طرق المنطقة خلال الفترة الحالية».

وأوضح عضو الهيئة الاستشارية في المجلس الاقتصادي الأعلى، أن التوسعة الضخمة لمسجد قباء والمراكز المحيطة به، وبدء مشروع دار الهجرة لإسكان الزوار بطاقة استيعابية قدرها 120 ألف زائر بتكلفة 60 مليار ريال (16 مليار دولار)، وقرب استكمال مشروع قطار الحرمين الذي يربط المدينة المنورة بمكة المكرمة؛ كل ذلك يزيد من جاذبية الاستثمار في منطقة المدينة المنورة.

وأكد أن منطقة المدينة المنورة تحظى بمدن ومحافظات بدأت تتصدر اهتمامات السيّاح خلال الفترة الحالية، وقال: «كما أن المشاريع الكبرى في مدينة ينبع الصناعية التي تبلغ قيمتها 75 مليار ريال (20 مليار دولار)، إضافة إلى ما تشهده من نشاط سياحي كبير، كما هو الحال في كل من العلا وبدر؛ يزيد من جاذبية الاستثمار في المنطقة».

وشدد الميمني خلال حديثه على أن مشروع «نماء المنورة» سيكون أثره الإيجابي واضحا في ملف مساعدة الشباب لأن يكونوا أصحاب أعمال، وقال: «كما أن التزام بنك التسليف بتقديم نحو 700 مليون ريال (186.6 مليون دولار) لإقراض شباب المنطقة، سيكون له أثر كبير على دعم البيئة الاستثمارية في المشاريع المتوسطة والصغيرة خلال المرحلة المقبلة». وأشار إلى أن مشروع مدينة المعرفة سيجذب نحو 30 مليار ريال (8 مليارات دولار)، موجها في الوقت ذاته دعوته لرجال الأعمال إلى استثمار الفرص الواعدة في منطقة المدينة المنورة، في ظل الحراك الاقتصادي الكبير الذي تشهده المنطقة خلال الفترة الحالية.

وفي ذات السياق، زارت خبيرة البنك الدولي الدكتورة رانيا زايد، الغرفة التجارية الصناعية بالمدينة المنورة، وذلك بهدف دراسة مناخ وآفاق الاستثمار بالمدينة المنورة، تلبية لرغبة وتوجيهات الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنورة.

وأوضح علي عواري، أمين عام غرفة المدينة، أنه بحث خلال الزيارة التي تمت مؤخرا آليات وإمكانيات التعاون لتحسين بيئة أداء الأعمال ومناخ الاستثمار في منطقة المدينة المنورة، مبينا أن الزيارة جاءت ضمن إطار البرنامج الخاص بالجهات ذات العلاقة بالاستثمار وبيئة أداء الأعمال بالمنطقة الذي يهدف إلى تحسين بيئة أداء الأعمال ومناخ الاستثمار بالمنطقة عبر تبادل الأفكار والرؤى والعمل كفريق موحد مع البنك الدولي للوصول إلى بيئة استثمارية نشطة وجاذبة للمستثمرين من داخل وخارج منطقة المدينة المنورة.

ويعد البنك الدولي بطبيعة الحال، الجهة المسؤولة عن تحسين بيئة الأعمال وتعزيز النمو في بلدان العالم المختلفة وقياس مستوى التنافسية فيها وتصنيفها، ويأتي هذا التعاون بين منطقة المدينة المنورة والبنك الدولي في وقت باتت فيه المنطقة مرشحة خلال الفترة القريبة المقبلة لأن تشكّل علامة فارقة في الاقتصاد السعودي.

وتأتي هذه المستجدات في الوقت الذي كشف فيه تقرير دولي عن أن المدينة المنورة مثال فريد على تنافسية المدن العالمية، كونها تمثل مركزا تاريخيا للتنوير الروحي والفكري، مستشهدا بتاريخ المدينة - في وقت سابق - حينما كان طلاب العلم يجتمعون بعد الصلاة حول أعمدة المسجد النبوي الشريف ليتلقوا دروسهم على أيدي العلماء من حول العالم، لتكون المدينة المنورة - في ذلك الوقت - كشبكة الإنترنت في عصرنا الحالي.

وبيّن التقرير الصادر من مجلس الأجندة العالمية للتنافسية التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس»، أن تنافسية المدينة المنورة وفقا لرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في نمو وتطوير المدينة، هي أنه لا توجد مدينة في العالم تستطيع أن تحتل مثل هذه المكانة في عالم حديث مترابط، في ظل اقتصاد المعرفة في القرن الواحد والعشرين.

وذكر التقرير أنه يفد إلى المدينة المنورة ملايين الزائرين على مدار العام، ليس فقط في موسم الحج، بل يأتون أيضا أثناء العمرة، لتكون بذلك مركزا مهما في استقطاب الزوار من كل أنحاء العالم، وإضافة إلى ذلك، فهي تحتضن جامعات حديثة تمكنها من إقامة مؤتمرات تناقش قضايا رئيسة وفكرية في العصر الحالي، ما يدعو إلى حضور خبراء من كل العلوم، ويقود إلى استثمارات ضخمة في مشاريع سكنية وتجارية ذات نشاط فكري.

ويضيف التقرير أنه من الممكن أن يصبح الحراك المرتبط بالمؤتمرات والعدد الكبير من زوار المسجد النبوي الشريف، عنصر جذب للمستثمرين والشركات العالمية الباحثة عن الاستقرار، خصوصا أن المدينة المنورة تستطيع أن تقيم ندوات غير رسمية، مثل دعوة الفيزيائيين وعلماء الفلك، والأطباء، وغيرها من المؤتمرات العلمية، خصوصا أنه يمكن أن يضاف التحفيز الفكري إلى الجانب الروحي، لتستعيد المدينة دورها القيادي الفكري بإسهامها في جيل المعرفة والنشر، والحفاظ على دورها التاريخي والديني.

ويذكر التقرير أن الاستثمارات التي أعلنتها الحكومة السعودية في البنية التحتية تعد من أهم وأكبر المشاريع، والتي تتمثل في شبكة مواصلات سريعة تربط بين المنطقة والمسجد النبوي في رحلة تستغرق دقائق، لتجد الشركات التي تمتلك مميزات معرفة قوية تشجيعا على التمركز في المدينة، في ظل عقد مؤتمرات عامة تجمع العقول العالمية العظيمة التي ستجد حافزا على المكوث في المدينة المنورة.