اليورو: أكبر عملية تحول نقدي في التاريخ الحديث

الرأي العام يتقبل العملة الموحدة لكن معظم الأوروبيين مستاؤون من إحراق العملات الوطنية

TT

«اليورو» أو العملة الأوروبية الموحدة، هي القطاع الأهم الذي نجح فيه الاوروبيون لتحقيق وحدتهم على احسن وجه. ومع ذلك فان ادخال القطع النقدية والورقية للعملة الاوروبية الموحدة (اليورو) حيز التداول في يناير (كانون الثاني) 2002 في اسواق الاثنتي عشرة دولة اوروبية، يواجه بثلاثة تحديات، فعلى الدول ان تطبق اجراءات امنية ضخمة، وعلى المواطنين الاعتياد على سلم جديد من القيم، وعلى الشركات التحول الى استخدام اليورو بشكل سريع. ففي فرنسا، أدت فواتيرالكهرباء الجديدة الى ارباك المشتركين في مؤسسة كهرباء فرنسا، واخطأ 50 الفا منهم في تسديد قيمة فواتيرهم عندما سددوا بالفرنك الفرنسي ما كان يفترض تسديده باليورو. وفي اسبانيا، وجد الـ270 موظفا في احدى شركات المعلوماتية انفسهم اصحاب ملايين خلال بضع ساعات لانهم قبضوا رواتبهم نفسها باليورو بدلا من البيزيتا. ويقول سايمون سميث، المحلل في وكالة «ستاندارد اند بورز» المالية، ان التحدي الرئيسي جعل الرأي العام الاوروبي يتقبل اليورو، ان الاوروبيين في الواقع مترددون. واشار تحقيق لمؤسسة «هاريس» نشر في يناير الماضي الى ان معظم الاوروبيين مستاؤون من تبديل عملاتهم الوطنية باليورو. وقد اطلقت الحكومات الاوروبية التي تدرك هذا الخطر، حملات ترويج مكلفة لاقناع المواطنين وتسهيل اعتيادهم على السلم الجديد للقيم. وفي بعض الدول، كما في فرنسا، حيث ان استخدام الشيكات واسع الانتشار، تقوم الحكومات بدعوة مواطنيها الى استخدام العملة الجديدة اعتبارا من هذه السنة ودفع نفقاتهم بموجب شيكات محررة باليورو. وفي الايام الاخيرة من ديسمبر (كانون الاول) 2001، سيكون من الضروري ادارة عملية ضخمة جدا تتمثل بتزويد عشرات الآلاف عدادات التوزيع الآلي بالاوراق النقدية لليورو. وهكذا ستخضع ملايين عدادات توزيع الاوراق المالية العاملة حاليا لعمليات تعديل ايضا. وسيتسع مدى المشاكل الامنية خلال الفترة التي ستشهد استخدام العملتين الوطنية واليورو معا وذلك في مطلع يناير المقبل، حيث سيرفع حجم القيم المنقولة والمخزنة الى ثلاثة او ربما اربعة اضعاف. وهناك مشكلة أخرى تقض المضاجع ايضا وهي العمل سريعا على سحب العملات القديمة المستخدمة واتلافها. وستصبح العملة الاوروبية حقيقة للمواطنين بعد انزال القطع النقدية الورقية والمعدنية الى السوق في الاول من يناير عام 2002 .

في السادس من يوليو (تموز) 1785، اي بعد تسعة اعوام من استقلالها عن انجلترا، اعتمدت المستعمرات السابقة الـ13 التي شكلت الولايات المتحدة الجديدة اسم «الدولار» بدلا من تسميات لسلة معقدة من العملات التي جاءت من العالم القديم. وجاء الاسم من تحوير اسم «التالر» البوهيمي الذي كان عملة معدنية من الفضة في بداية القرن السادس عشر تم انتاجها في مدينة جوشيمستال الغنية بالمناجم.

وبعد مائتي عام اصبحت هذه العملة «قطعة الثماني» الاسبانية التي تسمى حتى اليوم الـ«دوليرا» وكان يجري التداول بها في المستعمرات البريطانية. وقد اعتمد الدولار الاميركي ليحل محل تسميات عدة نقود، من بينها الدولار الاسباني المسنن او قطعة الثمانية ريال او الدولار الهولندي الذي يحمل صورة الاسد.

وفي عام 1792، اعتمدت الولايات المتحدة النظام العشري بدلا من تدرجات الريال الاسباني (من 2 الى 4 ثم 8 فـ16). واخيرا، بعد عامين سك اول دولار اميركي، واصبحت هذه العملة الموحدة لـ13 مستعمرة في الاصل، مرجعا عالميا للتجارة. ويقول مدير خزانة الجمعية البلجيكية للعملات جاك شونهيت ان اعتماد عملة موحدة في الولايات المتحدة لقي استياء في الخارج اكثر من داخل البلاد. وقبل الدولار، كانت قطعة الثمانية ريال تستخدم في المبادلات التي كانت تشهد ازدهارا بين اوروبا والصين. وقد سببت هذه المبادرة الاميركية اضطرابا كبيرا لأوروبا، حسبما ذكر هذا الخبير الذي يدرس تاريخ العملات منذ اكثر من ثلاثين عاما.

وفي الواقع، كان عدد كبير من الدول الاوروبية، من بينها انجلترا وفرنسا والنمسا والدنمارك، يسك عملات شبيهة جدا بقطعة الثماني الاسبانية التي استوحي للدولار حجمها ووزنها وكمية الفضة فيها. واشار شونهيت الى انه بالمقارنة بين الدولار واليورو كانت هناك عملية انتقالية امتدت حوالي عشرين سنة. خلال هذه الفترة اختير الاسم واتخذ القرار من قبل الولايات الاميركية الـ13 لجعله العملة الرسمية للبلاد تماما كما فعلت الدول الـ12 (او دول منطقة اليورو) لتبني عملة موحدة. وشيئا فشيئا اتخذ الدولار اهمية في التجارة الدولية وطرحت مشكلة غير متوقعة.