«المركزي المصري» بصدد تيسير سياسته النقدية لتشجيع النمو

بعد خفض أسعار الفائدة بواقع 50 نقطة أساس

بنك المركزي المصري
TT

بعد أيام قليلة على اتخاذ البنك المركزي المصري خطوة مفاجئة بتخفيض أسعار الفائدة بواقع 50 نقطة أساس، بدا البنك مقبلا على خطوة هامة في ما يتعلق بتيسير سياسته النقدية مع هبوط قياسي للجنيه مقابل الدولار في السوق الرسمية.

ويعزز الهبوط الحاد في الجنيه على مدار الأيام القليلة الماضية من فرضية اتجاه البنك نحو المرونة في ما يتعلق بأسعار الصرف، وهي خطوة إصلاحية هامة تطالب بها المؤسسات الاقتصادية الدولية، لكنها قد تثير قلاقل في الاقتصاد البالغ حجمه نحو 285 مليار دولار، وهو الأكبر في شمال أفريقيا، مع هبوط حاد في احتياطات النقد الأجنبي والتزام الحكومة بسداد مديونيتها.

وقال محللون لـ«الشرق الأوسط» إن الارتفاع الذي شهده الدولار مقابل الجنيه في السوق الرسمية خلال الأيام الماضية يؤشر على اتجاه البنك المركزي المصري نحو المزيد من المرونة في سعر الصرف بعد 4 سنوات من التشديد مع التركيز على النمو الاقتصادي. وأعلن البنك المركزي أمس الاثنين أنه باع 38.4 مليون دولار من ضمن 40 مليون دولار طرحها للبيع للبنوك في العطاء الدوري رقم 303. وأوضح البنك أن سعر الدولار خلال عطاء أمس ارتفع إلى 7.2401 جنيه مقابل 7.1901 جنيه خلال عطاء أول من أمس الأحد. واستحدث البنك المركزي في أواخر 2012 نظاما جديدا لتوفير السيولة الدولارية للبنوك المحلية، وذلك من خلال آلية العطاءات.

وفي آخر مزادين للبنك المركزي لبيع الدولار ارتفعت العملة الأميركية بواقع 10 قروش لأعلى مستوى منذ بدء العمل بنظام المزادات في ديسمبر (كانون الأول) 2012. وهذا هو أول خفض رسمي لسعر العملة منذ منتصف العام الماضي.

ويطرح البنك نحو 3 عطاءات أسبوعية بشكل منتظم، بالإضافة إلى العطاءات الاستثنائية. وتجرى هذه العطاءات بنظام المزايدة من أجل الوصول إلى قيمة عادلة للجنيه أمام الدولار. لكن المركزي قرر في نهاية الشهر الماضي زيادة عدد المزادات الدولارية التي ينظمها البنك أسبوعيا إلى 4 مزادات بدلا من 3 في خطوة جديدة لمواجهة السوق الموازية للدولار والقضاء عليها.

وتبلغ قيمة العطاءات الدولارية التي طرحها البنك المركزي 8.16 مليار دولار حتى نهاية أبريل (نيسان) الماضي وفقا للبيانات المستقاة من موقع البنك المركزي المصري، إضافة إلى عطاءات استثنائية بقيمة 4.2 مليار دولار. وقال هاني جنينة، رئيس قسم الأبحاث لدى فاروس لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف: «الهبوط الذي شهده الجنيه مقابل الدولار بعض خفض أسعار الفائدة يعني تحرك البنك المركزي للمزيد من المرونة في سعر الصرف، وهي خطوة إصلاحية هامة من شأنها أن تعزز النمو الاقتصادي وتجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية».

وخفض البنك المركزي سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة بواقع 50 نقطة أساس لكل منهما ليصبحا عند مستوى 8.75 في المائة و9.75 في المائة على التوالي. ويعد هذا التخفيض هو الأول من نوعه منذ أكثر من عام من آخر مرة قام بها البنك المركزي بتخفيض أسعار الفائدة في 5 ديسمبر 2013.

وقالت «كابيتال إيكنوميكس» في مذكرة بحثية إنها تعدل توقعاتها لأسعار الفائدة في ضوء الخفض المفاجئ وإنها تتوقع الآن أن يخفض البنك المركزي الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس أخرى في الأشهر المقبلة. وتابعت المذكرة: «رغم أن الهبوط في أسعار النفط من غير المرجح أن يكون له تأثير مباشر كبير على التضخم المحلي إلا أنه يساعد في تخفيف الضغوط على ميزان المدفوعات».

أضاف جنينة: «الخطوة التي اتخذها البنك بتخفيض أسعار الفائدة خطوة متوقعة ومدروسة مع تراجع معدلات التضخم وانخفاض أسعار النفط. سيعمل هذا بكل تأكيد على تشجيع الاستثمار».

وتراجع معدل التضخم السنوي الأساسي في مصر إلى 7.69 في المائة في ديسمبر من 7.81 في المائة في الشهر السابق في رابع تراجع متتالٍ له على أساس شهري. وارتفع التضخم بشدة بعد أن قلصت الحكومة الدعم في يوليو (تموز) الماضي عندما رفعت أسعار الوقود بما يصل إلى 78 في المائة. وأضاف جنينة: «في ما يتعلق بمرونة أسعار الصرف، فإن تلك الخطوة كانت متوقعة بشدة قبيل مؤتمر مارس (آذار) الاقتصادي، فهي إشارة قوية للخارج على إصلاح مناخ الاستثمار في مصر الذي يتطلب بالضرورة إصلاح سوق الصرف».

ويطالب صندوق النقد الدولي في آخر مذكرة بحثية حول مصر بتحرير أسعار الصرف، «ما يحسن من توافر الاحتياطات الأجنبية ويعزز المنافسة ويدعم الصادرات والسياحة ويجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو الأمر الذي سيدعم النمو بقوة ويخلق عدد أكبر من الوظائف». وتابع جنينة: «من الواضح أن البنك المركزي المصري يركز على النمو في الوقت الحالي مع تحسن بيئة الاستثمار وعودة الشركات إلى الاقتراض». ونما الاقتصاد المصري في الربع الأول من العام المالي الحالي في الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر (أيلول) الماضي 6.8 في المائة، في أسرع وتيرة نمو فصلية منذ الربع الرابع في العام المالي 2007 - 2008.

ويرى جنينة أن استقرار أسعار الصرف في مصر لن يأخذ وقتا طويلا مع السماح بالجنيه للاقتراب من سعره الحالي في السوق السوداء. وقال: «لن يستغرق ذلك وقتا طويلا، قد نرى الأمور مستقرة بصورة تامة في أسواق الصرف قبيل قمة مارس الاقتصادية».

وقال أحمد سليم، الخبير المصرفي بالبنك العربي الأفريقي، لـ«الشرق الأوسط»: «السياسات التي ينتهجها البنك المركزي بالوقت الحالي تأتي في وقت هام للغاية من أجل تشجيع الاستثمار، فخفض أسعار الفائدة يقلل تكلفة الاستثمار ويشجع الشركات على الاقتراض».

ونمت أنشطة الشركات في مصر بأسرع وتيرة لها في 3 أشهر في ديسمبر الماضي، مع تحسن التعافي الاقتصادي بفضل تنامي الناتج والصادرات. وارتفع مؤشر «إتش إس بي سي» مصر لمديري المشتريات للقطاع الخاص غير النفطي إلى 51.4 نقطة في ديسمبر من 50.7 نقطة في الشهر السابق، ليصل إلى أعلى مستوياته منذ المستوى شبه القياسي 52.4 نقطة الذي سجله في سبتمبر. وتشير أي قراءة فوق الـ50 إلى نمو الأعمال ودونها إلى انكماش. وتابع سليم: «التذبذب الذي يشهده الجنيه في الوقت الحالي يعود إلى المضاربين بالأساس. هي عملية وقتية يجب النظر فيها أيضا إلى قوة العملة الأميركية». والدولار يشهد أفضل أداء له في عدة سنوات مقابل سلة العملات الرئيسية.

* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»