اتحاد الغرف الخليجية يطالب بتشكيل مجلس أعلى لإدارة الأزمات الاقتصادية

الظروف الراهنة تفرض على دول التعاون تنويع مصادر الدخل واتباع سياسات مالية ونقدية مرنة

TT

طالبت الأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي بضرورة قيام مجلس أعلى لادارة الأزمات الاقتصادية على مستوى كل دولة من دول مجلس التعاون وعلى المستوى الكلي لهذه الدول من خلال إطار مجلس التعاون الخليجي لتنسيق السياسات والإجراءات الاقتصادية التي يجب اتخاذها أثناء الأزمات حتى لا يصبح هناك تعارض أو تضارب في ما بين هذه السياسات سواء على مستوى القطاعات المحلية في كل دولة أو على المستوى الاقتصادي الكلي في ما بين دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بعد الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الاميركية في 11 سبتمبر (ايلول) والتي شكلت صدمة قوية لجميع المراقبين والمهتمين وعن تأثيراتها السلبية على الأداء الاقتصادي العالمي. واشارت مصادر في الاتحاد الى أن على دول التعاون الاهتمام بدعم الثقة في الجهاز المالي والمصرفي الذي يعد عصب الحياة الاقتصادية المعاصرة، والمصدر الأساسي لعوامل القوة والضعف في أي اقتصاد، حيث أن الحاجة ماسة إلى تقوية الرقابة على هذا الجهاز للتأكد من سلامة أدائه في كافة الأوقات من خلال اتباع أساليب الرقابة المالية والمصرفية الحديثة والعمل على تعزيز القاعدة الرأسمالية لكافة المؤسسات المالية والمصرفية. وقالت المصادر إن اتحاد الغرف الخليجية شدد على ضرورة أن تعمل دول المجلس على حماية منجزاتها الاقتصادية التي حققتها عبر سنوات من الجهد والعمل الدؤوب الذي لم يعرف الكلل أو الملل من تأثير الأزمات العالمية أو الإقليمية غير المتوقعة، وذلك من خلال النظر بجدية إلى إحداث تغييرات جوهرية على طريقة إدارة اقتصاداتها بما يتوافق مع طبيعة ما يشهده العالم من تغييرات جديدة ومفاجئة كل يوم. واكدت الأمانة أن إدارة الأزمات الاقتصادية أصبحت علماً اقتصادياً هاماً ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بفن القيادة الاقتصادية الحكيمة التي تأخذ بعين الاعتبار تأثير الأحداث غير المتوقعة على الأداء الاقتصادي الكلي والقطاعي، حيث أن الأمانة تعتقد أن عناصر الاستراتيجية الخاصة بإدارة الاقتصاد الخليجي أثناء الأزمات تتركز بالإضافة إلى البنود السابقة على ضرورة اتباع سياسات مالية ونقدية مرنة تقوم على تعزيز الاحتياطات النقدية والمالية، بحيث تشكل ملاذاً آمناً لهذه الدول في الأوقات العصيبة والأزمات غير المتوقعة، وأن إدارة الاحتياطي الأجنبي في دول المجلس يجب أن تكون ضمن إطار نظرة شمولية بعيدة المدى تعمل على تعظيم العائد الاقتصادي لهذه الاحتياطات وتدعم دورها في حماية دول المجلس من التداعيات السلبية لأي أزمة قد تتعرض لها.

كما أن الاقتصاد الخليجي يجب أن يولي اهتماما للعمل على تنويع مصادر الدخل، حيث أن الاعتماد المفرط لاقتصادات دول المنطقة على النفط كمصدر رئيسي للدخل والنمو الاقتصادي تصاحبه مخاطر اقتصادية وغير اقتصادية عديدة، فالنفط لم يعد سلعة اقتصادية بحتة بل اصبح سلعة سياسية، وهو من أهم مصادر عدم الاستقرار السياسي لكثير من دول العالم نظراً لحساسية هذه السلعة وأهميتها الكبيرة للتنمية الاقتصادية لكل دول العالم وعلى رأسها الدول المتقدمة، بالإضافة إلى تنويع وتمتين شبكة العلاقات الاقتصادية لدول المجلس في ما بينها ومع كافة الدول والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والعالمية خاصة مع الدول العربية والإسلامية وبقية الدول النامية، وعدم التركيز في بناء هذه العلاقات على الدول الغربية في مجالات التصدير والاستيراد للسلع والخدمات أو في مجال الاستثمارات المباشرة والمالية وغيرها من المجالات الاقتصادية الأخرى، فهذا الأمر يعزز من مقدرة دول المجلس على تحويل علاقاتها عن الدول التي تعاني من أزمات مفاجئة ويقلل من درجة تأثرها بهذه الأزمات، حيث أثبتت التجربة أن الدول التي تعتمد في تحقيق النمو الاقتصادي يجري من احداث خارجية، لذلك تبدو دول المجلس بحاجة إلى مراجعة حقيقية لهيكل وبنية اقتصاداتها وأسواقها المحلية من خلال تقوية هياكلها الانتاجية واعادة النظر في سياسات التنمية الاقتصادية التي تتبعها واعطاء القطاع الخاص دورا اكبر في ممارسة الأنشطة الاقتصادية. < الاقتصاديات الخليجية ستتأثر بأحداث سبتمبر < ولفتت المصادر بأنه من المرجح أن تغرق أحداث سبتمبر الماضي الاقتصاد الأميركي في ركود حاد وهو الذي كان يمر قبل هذه الاعتداءات في مرحلة عدم استقرار اقتصادي، ويعاني من تراجع أداء مختلف الفعاليات الاقتصادية والانتاجية والمالية. ونتيجة لتشابك وتشعب العلاقات الاقتصادية لدول المجلس مع اقتصادات الدول المتقدمة عموماً واقتصاد الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً كان من الطبيعي أن يتأثر الأداء الاقتصادي لدول المجلس نتيجة هذه الضربات بصورة مباشرة وغير مباشرة، واوضحت الأمانة بان دول المجلس تمتلك استثمارات بمئات المليارات في الدول الغربية حيث تشير بعض التقديرات إلى ان هذه الاستثمارات تتراوح بين 600 إلى 800 مليار دولار، لذلك توقعت مصادر متنوعة بان يؤدي تراجع مؤشرات الأسواق العالمية إلى تكبد دول المجلس خسائر في استثماراتها في هذه الأسواق بعشرات المليارات من الدولارات. من ناحية أخرى أدى التراجع في الأداء الاقتصادي العالمي بفعل هذه الاعتداءات وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي لكافة الدول إلى تراجع معدلات الطلب على النفط الخام مما شكل ضغطاً قوياً على الأسعار العالمية للنفط التي انخفضت بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة قدرت بحوالي 15 في المائة، وإذا ما استمر هذا التراجع نتيجة التوقعات باستمرار الأزمة العالمية التي ترتبت على الاعتداءات فان دول المجلس قد تجد نفسها في وضع اقتصادي حرج. وتوقعت الأمانة أيضاً أن تواجه البورصات الخليجية وضعاً صعباً خاصة إذا ما واجهت الشركات الاستثمارية المدرجة في البورصات المحلية خسائر في الولايات المتحدة، حيث أن بعض هذه الشركات تمارس نشاطاتها بشكل مكثف في الولايات المتحدة وفي عدد من الدول الغربية الأخرى. كما يواجه قطاع السياحة والسفر في دول المجلس وضعاً دقيقاً صعباً كامتداد طبيعي لما يواجه هذا القطاع هذه الأيام على الصعيد العالمي، فقد تم إلغاء الكثير من الحجوزات السياحية إلى دول المنطقة، مما جعل نسب الأشغال في معظم فنادق الدرجة الأولى تتراجع بمعدلات ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، وتواجه شركات الطيران وشركات التأمين الخليجية أوقاتا عصيبة هذه الأيام بسبب ارتفاع المخاطر التي تواجهها إضافة إلى تراجع معدلات الطلب على الخدمات التي تقدمها.

< ضرورة تبني استراتيجية اقتصادية لمواجهة الأزمات < إن التداعيات الاقتصادية المؤثرة للأحداث المؤسفة في الولايات المتحدة الاميركية على دول مجلس التعاون الخليجي تطرح سؤالاً مهماً وجوهرياً في هذه المرحلة الحساسة حول ما أعدت له هذه الدول من خطط استراتيجية وبرامج عملية لمواجهة تأثيرات الأحداث الإقليمية والعالمية المفاجئة على اقتصاداتها، فهذه المنطقة من اشد المناطق تأثراً وتحسساً بما يجري على الصعيدين العالمي والإقليمي من أحداث وتطورات غير مواتية بنفس القدر التي تتعرض له هي ذاتها لمثل هذه الأحداث والتطورات، ولعل ما واجهته هذه الدول في حرب الخليج الثانية من أزمة اقتصادية حادة لخير مثال ودليل على ذلك. من هنا تأتي أهمية أن تعمل دول المجلس جاهدة على تبني استراتيجية اقتصادية لادارة اقتصاداتها أثناء الأزمات الاقتصادية العالمية والإقليمية والعمل في المدى البعيد على تحصين اقتصاداتها في مواجهة الآثار السلبية لمثل هذه الأزمات مع الاعتراف مسبقاً بصعوبة مثل هذا الأمر في ظل العولمة الاقتصادية.