الفرنك الفرنسي يخلي الميدان للوليد الجديد «اليورو» بعد أكثر من ستة قرون

TT

عند انتصاف ليلة يوم غد، سيغادر الفرنك الفرنسي ساحة التداول المزدوج تاركا المجال للوليد الجديد «اليورو» بعد ما يزيد على ستة قرون تنقل فيها بين الاكف والخزائن واكشاك الباعة وارتقى عاليا في افئدة الفرنسيين مؤكدا شخصيتهم الوطنية، لكنه ابتداء من يوم 17 فبراير (شباط) الجاري سيفقد اي قيمة قانونية ولن يعود ممكنا استخدامه في اي من عمليات الدفع لتطوى نهائيا صفحة تاريخه الذي استمر 641 عاما. ولكنه يغادر مطمئنا في أن رحيله كان هادئا ولم يسبب أي اضطراب اثناء عملية تحويل العملة، وباستثناء اقلية قليلة رصدها استطلاع لمؤسسة «سوفريس» خلال الفترة من 21 الى 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، لم يسجل المراقبون أي تبدل في تصرفات الفرنسيين في التعامل مع العملة الجديدة ، لابل ان توقعات وزير المالية الفرنسي بحاجة الفرنسيين الى ثلاثة اشهر للتعود عليه كانت مبالغة اثبتت التجرية مايخالفها.

وسيسحب الفرنك نهائيا من التداول بعد غد وحتى 30 يونيو(حزيران) المقبل، يستطيع الفرنسيون ان يستبدلوا في المصارف الفرنكات المتبقية، اما بنك فرنسا فيبدل القطع النقدية خلال ثلاث سنوات، والاوراق النقدية خلال عشر سنوات.

ظهر الفرنك الذي يعتبر من اقدم العملات الاوروبية، للمرة الاولى عام 1360، وتميز تاريخه الطويل بسلسلة من التغييرات في اسمه . فكان اسمه «ايكو» و«لوي دور» واحيانا «تستون» و«أسينيا» (الحوالة). وفي العام 1356، في خضم حرب المائة عام، اسر الانجليز في بواتييه ملك فرنسا جان الثاني الطيب. وبعد اربع سنوات، دفع الملك الفدية التي كانت ثلاثة ملايين «ايكو» وتمكن من العودة الى بلاده «حرا» من الانجليز. ولفظة «فران» الفرنسية تعني «الحر».

ولتخليد ذكرى تلك الحرية المستعادة، أمر الملك في الخامس من ديسمبر (كانون الاول) 1360، بسك اول فرنك في تاريخ العملات الفرنسية وهو كناية قطعة نقدية ذهبية تساوي جنيها «توريا» نسبة الى مدينة تور الفرنسية حيث تم سكه.

وكان لا بد من انتظار الثورة الفرنسية والامبراطورية للتداول فعلا بالفرنك.

وقد فرض قانون 24 جرمينال (الشهر السابع في عهد الثورة الفرنسية) اي 14 ابريل (نيسان) 1803، فرنك الجرمينال المطبوع عليه رسم القنصل الاول بونابرت.

وفي هذه الاثناء، تمكن جاك كور وزير المالية في عهد الملك شارل السابع من احياء الايكو الذهبي في 1436 الذي سك قبل قرنين ابان حكم الملك سان ـ لوي.

وفي عصر النهضة احتجب «الايكو» امام «التستون» . وهذه التسمية مشتقة من اللفظة الايطالية «تستا» التي تعني الرأس. وخلال حروب ايطاليا، بهر لويس الثاني عشر بالقطع النقدية الفضية التي كانت محفورا عليها رسوم الامراء الايطاليين. فأمر بسك تستونات تحمل رسمه.

وإبان حكم هنري الثاني، ترافق سك العملة في فرنسا مع تسمية «النحات العام» الذي كانت مهمته تقضي بتزويد جميع المشاغل في المملكة بالنماذج الضرورية لصنع القطع النقدية. لذلك كانت العملة تحمل جميع السمات التي ستميزها حتى نهاية القرن لثامن عشر، اي اسم الملك وعلامة المشغل والنحات وتاريخ الصدور.

وتعاقب «لوي دور» و«الايكو الفضي» اللذان كان محفورا عليهما رسم الملك في مختلف مراحل عمره، بشعر قصير او بشعر طويل او بصورة نصفية او غيرها.

ولدى اندلاع الثورة الفرنسية، طرحت الدولة في التداول «الاسينيا» (حوالة) وهي عملة ورقية واحيانا معدنية، المرهونة على الممتلكات التي صودرت من الكنيسة. لكن قيمتها ما لبثت ان تدهورت حتى اختفت في .1797 في هذا الوقت انبعث الفرنك من جديد مقسما وفق النظام العشري الى عشرة دسيمات يساوي كل منها عشرة سنتيمات. وبقي هذا النظام النقدي الموروث من الثورة معمولا به طوال القرن التاسع عشر.

وفي القرن العشرين، ترافق تاريخ الفرنك مع تاريخ عمليات خفض قيمته. ففي 27 ديسمبر (كانون الاول) 1958، اطلق الجنرال شارل ديغول الفرنك الجديد الذي تساوي قيمته 100 فرنك قديم.

واذا كان الفرنك الفرنسي، على غرار الفرنك البلجيكي وفرنك لوكسمبورغ، قد دفن، فان فرنكات اخرى ستبقى متداولة، كالفرنك السويسري والفرنك الافريقي وفرنك الباسيفيك المستخدم في الاراضي الفرنسية ما وراء البحار كاليدونيا الجديدة وبولينيزيا.