نهاية مرحلة وطي صفحة في تاريخ فوكسهول وترنّح مسيرة صناعة السيارات البريطانية

TT

خرجت خلال الاسبوع الماضي آخر سيارة من خط انتاج مصنع سيارات فوكسهول بمدينة لوتون، شمال غرب العاصمة البريطانية لندن، وذلك بعد قرار إغلاق المصنع الذي ارتبط اسمه بهذه الماركة البريطانية العريقة منذ ما يقرب من 100 سنة السيارة ـ العلامة كانت من طراز «فيكترا» وهي لن تباع بل ستضم الى موجودات متحف فوكسهول، مع العلم ان هذه الماركة التي لعبت دوراً مميزاً في تطور صناعة السيارات البريطانية تحوّلت خلال العقدين الاخيرين الى مجرد اسم تجاري محصور بالسوق المحلية وحدها تحمله سيارات أوبل. فحتى في جمهورية ايرلندا لا وجود لفوكسهول بل لأوبل.

والواقع ان ماركة فوكسهول، رغم دخولها منذ اكثر من 75 سنة تحت عباءة شركة جنرال موتورز الاميركية، كبرى شركات صناعة السيارات في العالم، ظلت تنتج سيارات متميزة الشكل عن شقيقتها الالمانية أوبل حتى اواخر عقد الستينات من القرن الماضي. كما انها رغم ذوبان شخصيتها وانكماش اسواقها العالمية بمقتضى استراتيجيات جنرال موتورز التسويقية ظلت ماركة مرغوبة وعزيزة الجانب داخل بريطانيا، حيث تتنافس تقليدياً في قطاع السيارات الشعبية مع منافستها الدائمة فورد ـ بريطانيا (فورد ـ اوروبا الآن). ولهذا السبب وحده اختارت الشركة الاميركية الأم الابقاء على الإسم التجاري في هذه السوق بعدما كانت قد سحبته من التداول في كل دول العالم الأخرى.

من جهة اخرى، وكما سبقت الإشارة، لفوكسهول مع مدينة لوتون بالذات «عِشرة عُمر» تمتد لقرابة الـ100 سنة. وظلت موجودة طوال هذه المدة في قلب حياة منطقة بدفورد شاير، حيث تقع لوتون وجارتها بلدة دنستابل، ولها فيها جذور انسانية واقتصادية عتيقة. فقد أسس مصنع لوتون عام 1903 واختارت فوكسهول المدينة ليكون فيها مقرها الرئيسي. وفي ديسمبر (كانون الاول) من عام 1925 صارت فوكسهول جزءاً من جنرال موتورز. ولكن ظل مصنع لوتون على امتداد السنين والعقود ينتج الطرازات العديدة الشهيرة التي ميّزت انتاج الشركة عندما كانت لها شخصيتها المميزة مثل الـ«كريستا» والـ«فيكتور» والـ«فيلوكس» والـ«فيفا».

* افول نجم الصانعين البريطانيين

* فوكسهول، كغيرها من الماركات البريطانية عاشت فترات حرجة منذ عقد الخمسينات، لكنها بحكم ارتباطها بجنرال موتورز تمكنت من الصمود والاستمرار، في حين اختفت الماركات البريطانية الشهيرة الاخرى تباعاً، ولا سيما وسط الهزات التي قضت على شركتي «بي إم سي» (شركة السيارات البريطانية ـ ليلاند ثم روفر ثم إم جي روفر لاحقاً) وروتس (كرايسلر اوروبا ثم تالبوت التي ابتلعتها بيجو لاحقاً). وللعلم كانت هاتان الشركتان تشكلان المنافسة الأقوى لسيارات فوكسهول وفورد في السوق البريطانية بفضل ماركاتهما الشهيرة اوستن وموريس وإم جي ورايلي وولزلي (بي إم سي) وهيلمان وهمبر وصنبيم وسينغر (روتس). غير ان استقلال المستعمرات البريطانية في آسيا وافريقيا تباعاً خلال الاربعينات والخمسينات والستينات ساهم في تراجع نصيب السيارات البريطانية من الاسواق العالمية التي كانت تدخلها بسهولة وتحظى فيها برواج كبير، مثل شبه القارة الهندية ومصر وجنوب افريقيا ونيجيريا وكينيا. كذلك ادت المشاكل العمالية والاخطاء الادارية في عدد من كبريات الشركات الصانعة الى تفاقم الوضع وبدء سيل من الاندماجات واستنساخ الطرازات المتشابهة تحت ماركات مختلفة ضمن الشركة الواحدة. وادت هذه الممارسة الى اختفاء معظم الاسماء الشهيرة وتداعي استقلالية صناعة السيارات البريطانية مع نهاية القرن العشرين، حتى انه لم يبق اليوم الا شركة واحدة مستقلة هي إم جي روفر. وكما هو معروف استعادت هذه الشركة استقلاليتها منقوصةً اخيراً بعدما تخلت عنها مجموعة بي إم دبليو. وكانت بي إم دبليو قد فصلت عنها ماركتي لاندروفر و«ميني» قبل بيعها لمجموعة مالية بسعر رمزي.

حال فوكسهول طبعاً كانت وظلت مغايرة. الا ان شخصيتها المستقلة اخذت تتلاشى خلال عقد السبعينات. وبحلول عقد الثمانينات صارت سيارات فوكسهول بمختلف طرازاتها مجرد نسخ عن آوبل، لاتختلف عنها الا بالشعرية الامامية (المشبك) والشعار، كما اقتصر تسويقها على بريطانيا.

* رياح العولمة

* ومع اشتداد هبوب رياح «العولمة» اخذ المشهد العام في عالم صناعة السيارات يتبدل. فعدد الشركات الصانعة تناقص، والشركات الباقية وسعت مرافقها الانتاجية في مختلف انحاء العالم. ولم تعد الماركات العالمية ـ باستثناء مقراتها الادارية ـ مرتبطة بمكان واحد. وهكذا، صارت تنتج الطرازات المختلفة للماركة الواحدة في عدة دول وليس فقط في عدة مصانع في الدولة الواحدة. كما اضحت الاجزاء والمكونات بدورها تصنع وتستورد من عدة دول وترسل الى مراكز التجميع المختلفة. وفي حالة فوكسهول كان طبيعياً ان يخسر مصنع لوتون مكانته المميزة وسط حسابات الارباح والنجاعة والتحكم بالنفقات عند جنرال موتورز. وبالتالي اصدرت الشركة خلال عامي 2000 و2001 جملة من القرارات الجريئة في اطار اعادة هيكلة استراتيجيتها التصنيعية والتسويقية على امتداد العالم، شملت إلغاء اولدزموبيل، اقدم ماركة سيارات اميركية، وإجراء اقتطاعات كبيرة في الطاقة الانتاجية لأوبل، وإغلاق عدد من المصانع التي سيشكل استمرارها ازدواجية لا حاجة لها. وهكذا، بينما كانت فورد، المنافس الشرس لفوكسهول، ايضاً تتخذ قرارها بوقف الانتاج في مصنعها الضخم ومعقلها التاريخي في ضاحية داغنهام (شرق لندن)، بدأ العد التنازلي لمصنع لوتون... الصامد تحت اعلام فوكسهول منذ 1903.