التدهور الاقتصادي: أزمة الشرق الأوسط الأخرى

TT

يقوم هذا التقرير الصادر عن مجلس العلاقات الخارجية بالقاء الضوء على الدور المركزي للتجارة في تحقيق الازدهار المستقبلي لدول الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

لقد كان الاداء الاقتصادي للعديد من دول المنطقة خلال ربع او نصف القرن السابق مخيبا للآمال، بالرغم من الميزة التي منحتها ثروة النفط العظيمة. ان السبب الرئيسي وراء ذلك يتمثل في الفشل في تطوير روابط مع الاقتصاد العالمي من خلال الاستثمار الخارجي والتجارة في خدمات وسلع غير نفطية. هناك سبب ثان يعود الى ان معظم الحكومات في الشرق الاوسط وشمال افريقيا قد حققت تقدما هزيلا في مجال التقليص من تدخل الدولة في الاقتصاد.

ان الرسالة الحاسمة هنا هي ان انفتاحا اعظم على التجارة والقيام باصلاحات اقتصادية داخلية كفيل بتعزيز بعضهما البعض مؤديا الى خلق نمو اسرع، والى تقليص البطالة، والى رفع مستويات المعيشة. اذا اذنت جولة جديدة من مفاوضات التجارة العالمية باشراف منظمة التجارة العالمية ببدء مرحلة جديدة من تحرير التجارة، كما يجب ان نأمل، فان ذلك سيكون قادرا بالضبط على توفير تلك الفرصة لحكومات المنطقة لاطلاق عملية الاصلاح هذه.

مع ذلك، وبغض النظر عن الطبيعة الدقيقة للبيئة الاقتصادية الدولية، فان النقطة الاساسية هي ان كافة نماذج التنمية الاقتصادية الناجحة قد اشتملت على تسخير للتجارة. انني آمل ان يقدم هذا التقرير مخططا لأقطار الشرق الأوسط وشمال افريقيا يسمح لها بتحقيق مكاسب عظيمة ممكنة من خلال القيام باصلاح سياستها التجارية.

كان في التحضير لهذه الدراسة تجربة مفيدة لكل واحد ممن شارك معنا. ان القضايا التي اثارتها شديدة التعقيد لدرجة ما، كنت في البداية آمل ان تعمل الفرص الخارجية لوحدها على المساعدة في إحداث نمو كبير في اقتصادات بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا. ساد الاعتقاد في هذا المجال بأن التأسيس لمنطقة التجارة الحرة ذات الفاعلية في المنطقة، بالاضافة الى اتفاقات اكثر تقدما مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة تعطي حرية للوصول للسوق، ستوفر حلولا جزئية ممكنة للتحديات الهائلة التي تواجه البلدان التي تم بحثها.

اصبح واضحا مع تقدم العمل ان المشاكل الاساسية لهذه الاقتصادات تنبع اساسا من الداخل وتتعلق بالحاجة لتبني سياسات جديدة تحكم الاقتصاد المحلي.

ان الحقيقة هي ان منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا قد بقيت متخلفة وراء مناطق اخرى في الاداء الاقتصادي خلال العقود الماضية منذ الخمسينات. فكما يوضح هذا التقرير، فان الدخل الفردي في مصر في الخمسينات قد كان مشابها لمثيله في كوريا الجنوبية، بينما يصل الىوم الى اقل من 20 في المائة من الكوري الجنوبي. كذلك، كان للسعودية ناتج اجمالي محلي يفوق ما كان لتايوان; لكنه اليوم يبلغ حوالي 50 في المائة من الناتج التايواني. ان المشكلة الحقيقية لاقتصادات اقطار الشرق الأوسط وشمال افريقيا تكمن في غياب تحرير الاقتصاد وفي ضعف التعليم. شهدت دول اخرى حروبا ونفقات عسكرية عالية، وبالتالي فان هذه العوامل لا تقدم تفسيرا للفشل النسبي. ان العوائق التجارية هي بدون شك جزء من المشكلة، مما يثبت مرة اخرى ان سياسة الحماية هي ببساطة غير ناجحة. ان التعرفة الجمركية في المتوسط عالمية جدا نسبيا. لكن الاصلاح المطلوب هو ايضا داخل الحدود.

قمنا باجراء بعض المسوحات المفيدة خلال الفترة من يوليو (تموز) وحتى ديسمبر (كانون الاول) 2000، شملت هذه المسوحات تسع دول ومناطق هي: مصر والضفة الغربية وقطاع غزة، واسرائيل والاردن ولبنان والسعودية وسورية وتونس والامارات العربية المتحدة. وكانت الاجابات مفيدة جدا، مشيرة الى ان المشاكل الرئيسية تكمن في التعرفة العالية والبيروقراطية والروتين (المؤدي للفساد). ان من المفيد الاشارة الى ان 20 في المائة من الاشخاص الذين تم اجراء المقابلات معهم قد ذكروا بأن متوسط مبالغ الفساد المدفوعة تتجاوز 2 في المائة من قيمة البضائع. (دفع اكثر من 3 في المائة اكثر من 10 في المائة من قيمة البضائع). كما ان التعرفة الجمركية كانت اعلى بكثير في البلدان الاخرى مما هي عليه في تركيا او اسرائيل.

وجدنا ان الدور الكبير الذي تلعبه الدولة كطرف اقتصادي هو جانب آخر من جوانب الخلل الاقتصادي. لقد ادى تحرير الاقتصاد في اماكن اخرى في السنوات الاخيرة (كما هو الحال في الاتحاد الاوروبي، وهو المثال الرئيسي في ذلك) الى حصول انسحاب كبير للدولة في وظائف الصناعة والخدمات. ادى ذلك الى الخصخصة وادخال روح التنافس في مجالات المرافق الرئيسية. لكن التقدم في هذا الامر في دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا كان بطيئا للغاية. لم يتجاوز الدخل الناتج عن الخصخصة نسبة 3 في المائة من المجموع العالي خلال التسعينات.

بقي قطاع البنوك في الغالب بيد الدولة. فمثلا، تتحكم البنوك الاربعة المملوكة من قبل الدولة في مصر بنسبة 70 في المائة من قيمة موجودات البنوك التجارية ونسبة 60 في المائة من قيمة ودائع البنوك التجارية. ان هناك حاجة للتغيير في العقلية. ان كانت الخدمات تفتقر للفاعلية فانها تشكل عبئا على انتاجية الدولة. لقد تعلم آخرون الدرس القائل إن في المنافسة (والمنافسين الاجانب بشكل خاص) خير للاقتصاد، وان سياسة الحماية تقود الى الركود. ان احدى الطرق الجيدة المستخدمة غالبا لتقييم مدى جاذبية اقتصاد ما هي في النظر الى الاستثمار الاجنبي المباشر، فمثلا تمثل الصين، باستثمار مباشر اجنبي بلغ 43 بليون دولار في عام 2001، نموذجا على ذلك. بالمقارنة، فان هذا الاستثمار في الهند لا يبلغ الا جزءا ضئيلا من ذلك. كما ان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وبكل بساطة، لا تجتذب الا القليل من الاستثمار الداخلي. ان هناك حاجة للتخلص من البيروقراطية ولجعل النظام القانوني اكثر فاعلية. تشتمل مجالات السياسات ذات الحاجة للاصلاح قضايا اخرى مثل الحصص والترخيص، مكافحة الاغراق، الضرائب، والتخلص من الاحتكارات. ينبغي ان يكون التركيز اذاً على الانفتاح الاقتصادي وعلى توفير نظام يمتاز بالشفافية يمكن الاعمال التجارية من الازدهار في ظل المنافسة.

هناك بالطبع قضايا اخرى تبقى بحاجة للمعالجة كالتعليم: فنسبة الامية في المنطقة تصل حتى 40 في المائة، كما ينبغي تحسين المعدلات المنخفضة للتسجيل في المدارس الثانوية.

لا يعتقد احد ان الاصلاحات الضرورية يمكن تطبيقها بسهولة. مع ذلك ينبغي زيادة سرعة التغيير بشكل جذري، كما يجب مواجهة تلك المصالح التي تقاوم التغيير.

* مدير عام سابق لمنظمة التجارة الدولية، والرئيس الحالي لـ«غولدمان ماكس انترناشيونال» و«بي. بي» برنارد هوكمان مدير ابحاث التجارة في مجموعة ابحاث التنمية التابعة للبنك الدولي