نزول عملات اليورو الورقية والمعدنية إلى السوق تم بسهولة مدهشة

قيمة اليورو رهن بإنتاجية اقتصادات أوروبا مقابل الولايات المتحدة

TT

ان نزول اليورو الورقية والمعدنية كان يمكن ان يشكل كابوسا تخطيطيا واداريا، انما في الواقع، حصل ذلك بسهولة مدهشة ولم يحدث اي شغب في الشارع ولا مشاكل توزيع حقيقية. دخلت عملة اليورو الورقية والمعدنية في التداول بطريقة اسرع مما توقع الكثيرون، اذ لم يمض اسبوع واحد حتى كان اكثر من 50 في المائة من المعاملات تجري بالعملة الاوروبية الموحدة.

كان ثمة توقع ان يجري استبدال عدد كبير من النقود الورقية والمعدنية، وان يقرر المستهلكون انفاقها بدل استبدالها، وبذلك يرفعون من حجم الانفاق الاستهلاكي. ويمكن ان يوجد ثمة مستهلكون غير راغبين في استبدال موجوداتهم النقدية عبر القنوات الرسمية اذا كان قد تم الحصول على تلك الموجودات بطريقة مريبة (مثلا السوق السوداء او القنوات السرية)، اذ يفضلون ان ينفقوا ما يملكون من النقود بدل استبدالها. غير انه لم يكن هناك اي دليل قاطع يثبت الكثير من الروايات التي تناقلها الناس من انه جرى شراء فيلا في «كوستا دل سول»، ودُفع ثمنها بواسطة حقائب مليئة بالنقود. قد لا يكون هذا النوع من الصفقات ورد في الاحصاءات الرسمية، غير انه لم يظهر اي ارتفاع في مبيعات التجزئة او اي غلاء بالمواد الاستهلاكية عند انعطاف العام.

ان اعتماد اليورو مكّن تجار التجزئة من رفع الاسعار، وعلى وجه الخصوص اسوار الالبسة والاحذية وبعض اصناف المواد الغذائية. ولما كان على اكثر تجار التجزئة ان يغيروا لوائح اسعارهم حصل ارتفاع في الاسعار من جراء عملية التدوير ووضع اسعار جديدة لها مسحة «سيكولوجية» مثل 3.95 او 2.99 وما شابه او فقط تنفيذ مبكر لاسعار كان سبق ان قررت. من تداعيات هذه التغييرات في بطاقات الاسعار الاسهام برفع معدل التضخم في منطقة اليورو الى 2.7 في المائة في يناير (كانون الثاني) من 2.1 في المائة كانت سائدة في الشهرين السابقين. غير ان الارتفاع في الاسعار لم يكن على العموم كبيرا كما كانت توحيه الروايات المخيفة. فقد تراجع التضخم منذ ذلك الوقت الى 2.4 في المائة في فبراير (شباط). وفي هذا المجال نتوقع ان يبقى التضخم في انخفاض طيلة الاشهر الستة القادمة، حيث استمرار خسارة الوظائف ادى بالمستهلكين في منطقة اليورو الى ان يتخذوا موقف الحذر تجاه الانفاق.

من شأن هذا الحذر ان يجعل من الصعب على تجار التجزئة في منطقة اليورو ان يرفعوا اسعارهم من دون ان يعانوا انخفاضا في حجم المبيعات.

وفي اسواق القطع، لم يكن للتغيير الناعم سوى اثر ايجابي مؤقت على قيمة اليورو. والآن وقد حل اليورو بأوراقه وقطعه المعدنية مكان العملات الاوروبية المختلفة وراح الجمهور يعتاد عليها تدريجيا، اصبحت قيمة العملة الاوروبية الموحدة موضوعا يثير الاهتمام من قبل السياسيين والمصرفيين المركزيين في منطقة اليورو. ان ضعف اليورو ارتبط ذهنيا وعلى نطاق واسع، بادراك المستثمرين ان الولايات المتحدة هي المكان الانسب لاستثمار اموالهم، لذلك نشاهد الرساميل تتدفق من اوروبا باتجاه الولايات المتحدة. ان الانتاجية الضعيفة وسوق العمل الراكد امران يعنيان ان اللاعبين في الاسواق المالية يميلون الى اعتبار اقتصاد منطقة اليورو بمثابة النسيب الفقير اذا قوبل بديناميكية ابن عمه الاقتصاد الاميركي. وهنا يجدر القول، ان على منطقة اليورو ان تعالج فجوة الانتاجية اذا ارادت ان تتجه عملتها الى التعادل مع الدولار. هذه هي المسألة الحقيقية التي تقرر نجاح العملة الاوروبية واقتصادات منطقة اليورو.

كيف يمكن ردم فجوة الانتاجية؟ لقد حصل بعض النجاح في المسألة المفتاح التي هي مرونة سوق العمل. فحساسية نمو العمالة بالنسبة الى التغيير في النشاط الاقتصادي ارتفعت بحدة في اوروبا في العشرين عاما الماضية، وهي الآن اكثر قربا من الولايات المتحدة. وهذا الامر تم انجازه في الغالب بواسطة الارتفاع في عقود التشغيل الجزئي او المؤقت للعمال، مما يجعل، بطريقة آلية، سوق العمل اكثر مرونة واستجابة للتغيير في النشاط، اذ ان العمال المؤقتين ينالون حماية اقل من العمال الثابتين. فامكانية السرعة في الاستخدام وسهولة الاستغناء عن الخدمة تضمنان ان يكون الاقتصاد اكثر تجاوبا مع اي تغير في الطلب وان تبقى معدلات التضخم خافتة حتى عندما يكون النمو قويا، وهذا يعني في السياق الطويل بطالة اقل. ويبلغ معدل البطالة حاليا في الولايات المتحدة 5.5 في المائة مقابل 8.4 في المائة منطقة اليورو. ان ليونة اكبر في سوق العمل تساعد على تضييق الفجوة تدريجيا مع مرور الوقت.

بالرغم من بعض التقدم في مرونة سوق العمل، ثمة امور اخرى يتوجب على اوروبا معالجتها. وفي نظري ان انفاقا كبيرا على البحث والتطوير (في كلا القطاعين العام والخاص) يشكو من تخلف اوروبا نوعا ما عن معدلات الانتاجية العالمية في الولايات المتحدة. فخوض معترك المشاريع الجديدة هو ايضا اسهل بكثير في الولايات المتحدة مما هي الحال في اوروبا. فعدد الشباب الذين يؤسسون مشاريع جديدة في الولايات المتحدة يفوق كثيرا عددهم في اوروبا. ان الافكار الجديدة والابتكارات تتدفق في اميركا باستمرار وهذا يعني انتاجية عالية وارباحا وافرة للشركات.

اما وقد اصبحت اوراق اليورو النقدية والقطع المعدنية في التداول وحيث الكميات المكدسة والموروثة من الماركات الالمانية والفرنكات الفرنسية اختفت في كل مكان، اصبح من الصعب ان يقرر اي بلد التخلي عن عضويته في منطقة اليورو.

وهكذا نرى انه اضحى من المهم ان يكلل الاتحاد النقدي بالنجاح. ولكي ينجح فإن على منطقة اليورو ان تعمل على تضييق فجوة الانتاجية بينها وبين الولايات المتحدة. لقد تم احراز بعض التقدم في هذا المجال، ولكن يبقى الكثير. فتضييق فجوة الانتاجية مع الولايات المتحدة ليس مستحيلا وانما يحتاج الى وقت كاف ويتطلب اصلاحات جذرية لانجازه. فاذا لم تحصل هذه الاصلاحات فسيحاول المستثمرون عبثا في اوروبا مجاراة الولايات المتحدة في الانتاجية والربحية.

* خبيرة اقتصادية بمنطقة اليورو بشركة مريل لينش