المدير العام لمنظمة التجارة العالمية: فوائد الدول العربية كبيرة وقطاع الاتصالات أكبر الرابحين

باسكال لامي لـ"الشرق الأوسط" : تسييس ملفات التجارة العالمية يعرقل التوصل إلى اتفاقيات

TT

اشار لامي الى ان فوائد الدول العربية بشكل خاص من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية كبيرة، حيث كانت هناك فوائد كثيرة من مفاوضات قطاعات الخدمات، جعلتها في موقف جيد، فعلي سبيل المثال، ساهمت المفاوضات المتعلقة بقطاع الاتصالات في تعجيل تحرير هذا القطاع بمعدل سريع جدا. كما سمحت تجارة الخدمات بتعزيز القدرة التنافسية لشركات الاتصالات العربية وحسنت من فرص وصولها الى الاسواق الاجنبية.

> ما هو مستقبل جولة الدوحة الآن بعد انقضاء المهلة المحددة في 30 ابريل، ولماذا كل هذه الصعوبة في المفاوضات؟ ـ نحن الآن في فترة حساسة للغاية، فأعضاء منظمة التجارة العالمية قد فوتوا موعد 30 ابريل الذي كان محددا للاتفاق على ما نسميه «الكيفية» او الأرقام الأساسية لخفض الدعم الزراعي واختراق التعرفات والرسوم الزراعية والصناعية. وقد يعطي استخدام تعبير «الكيفية» انطباعا بان هناك مفاوضات ذات طابع فني بحت، بينما هي في الواقع مفاوضات سياسية مشحونة بشكل كبير، وبالطبع فإن كثيرا من المواضيع لها جانب تقني، مثل السؤال عن أنواع الدعم المسموح بها، وكيفية التعامل مع المنتجات الزراعية الحساسة، ولكن عندما نتكلم عن فتح الأسواق الزراعية أو الصناعية للمزيد من الواردات، أو عن قطع الدعم عمن يتلقوه، فإنك تتحدث عن قضايا سياسية بالغة الأهمية. لهذا السبب فهي مفاوضات صعبة. > ولكن أليس إذن من مصلحة تلك الدول تفعيل آليات التفاوض بشكل اسرع؟

ـ كل دولة تريد المحافظة علي الوضع الراهن، ولو كان هذا «الوضع الراهن» ليس في مصلحة مواطني هذا البلد أو ذاك، ناهيك من علاقتها ببلدان أخرى، مع الأخذ في الاعتبار أن إقناع هذه الدول، التي غالبا ما تكون سياسيا قوية جدا، ليس سهلا على الإطلاق، وحتى التفكير في هذا الأمر ليس عملية هينة على الإطلاق. علاوة علي ذلك، فهناك 150 دولة في منظمة التجارة العالمية، واتخاذ القرارات عملا بمبدأ توافق الآراء والإجماع أمر يجعل من مفاوضات منظمة التجارة العالمية عملية معقدة جدا.

> هل يعني هذا أن منظمة التجارة العالمية أمام مرحلة تحول في مسارها؟ هل عليها أن تبحث عن استراتيجية جديدة للتفاوض؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي؟

ـ الاستراتيجية التفاوضية في منظمه التجارة العالمية ليست سوى محصلة جمع استراتيجيات التفاوض من 150 عضوا. ومنذ بدء المفاوضات في إطار جدول أعمال الدوحة للتنمية في عام 2001، والأعضاء يواصلون التفاوض بخطوات قوية جدا لحماية مصالحهم، مثلا بإقامة تحالفات بينية وتحالفات بين كتل ودول أخرى، وتقديم مقترحات تفاوض محددة. وبشكل عام فقد تكون تحالف العشرين (الذي يرمز له اختصارا G20) وتحالف مجموعة الثلاثة والثلاثين G33 على سبيل المثال لا الحصر، وقدمت هذه التكتلات إسهامات كبيرة في المفاوضات. فمصر مثلا كانت نشطة للغاية في مجموعة العشرين، وتمكنت من تعزيز مصالحها الزراعية، ودول عربية مثل الأردن والبحرين وقطر وتونس والمغرب والإمارات العربية المتحدة ومعها مصر كلها تمكنت من الوصول إلى تقدم ملموس في مجال عروض تجارة الخدمات. والمطلوب حاليا الوصول إلى باقة متكاملة نهائية لتلك المجموعة لتلتقي مع البلدان المترددة في اتخاذ بعض القرارات الصعبة وتحتاج إلي إحراز تقدم في هذا الملف. ولا بد أن تتذكر بأن كل مرحلة من المفاوضات هي حل وسط لا يشمل فقط «اريد أن آخذ»، بل أيضا «يمكن أن أمنح». وقد حان الآن وقت البراغماتية والخطوات العملية، وآن لجميع اللاعبين أن يروا ما يمكن تقديمه لكي نحقق التنمية والمنافع المنبثقة طبقا لأجندة الدوحة للتنمية. > إذن يمكن القول إن هناك تأثيرا سياسيا قويا من أعضاء منظمه التجارة العالمية على مسيرتها وأعمالها، فهل يسري هذا التأثير أيضا في عملية قبول الدول الأعضاء مثلما يحدث مع روسيا الآن؟

ـ كما تعلمون فإن المنظمة تتخذ القرارات على أساس توافق الآراء والإجماع، ومن الواضح أن هذه ليست الطريقة الأسهل للوصول إلى النتائج، ولكن في الأمور الأساسية التي تهم المصالح الوطنية، فليس هناك نظام آخر غير الاجماع لقبول عضوية دولة في المنظمة، لأن الإجماع ضمان لشرعية قرارات المنظمة وبالتالي عضوية الدولة الراغبة في الانضمام. كما يجب الإشارة إلى أن منظمة التجارة العالمية واحدة من عدد قليل جدا من المنظمات الدولية التي تتساوى فيها جميع البلدان، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، غنية أم فقيرة، ولجميعها نفس الثقل في التصويت. والواقع ان وزن ونفوذ أصغر وأضعف البلدان يكون أقوى على طاولة مفاوضات منظمة التجارة العالمية، وبالتالي فهي في مكانة أفضل من جلوسها على طاولة المحادثات الثنائية وجها لوجه مع الاقتصادات الكبيرة مثل الولايات المتحدة او الاتحاد الأوروبي والصين هذه الايام.

وفي نظام مثل هذا الذي نتبعه فمن المهم أن تكون العملية التفاوضية شفافة وشاملة، بدون مفاجآت. ولا يمكنك ان تتفاوض على اتفاق ما لم يشعر كل الاعضاء بأنهم أصحاب هذه العملية ونتائجها، بالتالي فالنتائج تكون مشتركة على الجميع. أما البلدان التي ترغب في ان تصبح أعضاء في منظمة التجارة العالمية، كما هو الحال في روسيا الآن، وفي حال السعودية التي انضمت العام الماضي، يجب أن تتبع مسارين: الأول التفاوض الثنائي للوصول الى أسواق كل أعضاء منظمة التجارة العالمية، والثاني اثبات نقل قوانينها الداخلية برمتها طبقا لقواعد منظمة التجارة العالمية. ويشرف فريق عمل يتألف من جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية على اتمام جميع هذه لقواعد قبل الموافقة الجماعية على الانضمام. وبالنسبة لروسيا فقد أحرزت تقدما في عقد مفاوضات ثنائية مع الدول الاعضاء في منظمة التجارة العالمية.

> تثار دائما العديد من التساؤلات حول فائدة منظمة التجارة العالمية بالنسبة للبلدان النامية وأنها فقط لفائدة الدول الغنية، هل تعتقد فعلا بأن المنظمة تقدم ايجابيات للدول النامية؟

ـ بالطبع مفيدة للغاية. ليس هناك تجمع تستطيع البلدان النامية ممارسة حقوقها التجارية بنجاح مثلما تتمتع به هنا، وهذا يرجع الى اتخاذ القرار من خلال الإجماع، كما شرحت سابقا. كذلك يساوي نظام حل النزاعات في المنظمة بين جميع الأعضاء، فحتى أصغر الاعضاء يمكنه رفع دعاوى ضد الدول الكبري والفوز فيها، وقد حدث ذلك بانتظام.

علاوة على ذلك، تعرف الدول النامية أنها في ظل قواعد منظمة التجارة العالمية يمكنها أن تصل إلي اسواق البلدان الغنية. وفي ضوء القواعد نفسها، للبلدان النامية دائما معاملة خاصة للوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقات منظمة التجارة العالمية. فعلي سبيل المثال، فإن البلدان النامية تستفيد من فترات انتقالية طويلة لتنفيذ اتفاقيات منظمة التجارة العالمية. إضافه إلى ذلك، فان البلدان النامية قادرة علي الاحتفاظ بتعرفات جمركية عالية علي الواردات، لضمان الحصول على موارد مالية لتمويل ميزانياتها. كما نقدم أيضا المساعدات والاستشارات المتصلة بالتجارة الي البلدان النامية، ففي العام الماضي كان هناك 462 حالة مساعدة فنية، أنفقت عليها المنظمة واحدا وعشرين مليون فرنك سويسري ونصف المليون، لمساعدة البلدان النامية على تحسين ادماجها في النظام التجاري العالمي. > هل تعتقد أن هذه التحركات مفيدة عمليا للدول النامية؟

ـ أعتقد ان القواعد التجارية كما هي عليها الآن أصبحت بحاجة الى إعادة التوازن لصالح البلدان النامية. لهذا السبب وافقنا في عام 2001 على إصدار برنامج الدوحة للتنمية. وهناك العديد من السبل التي ستؤدي إلى تلك النتائج، ستحدث من خلال تخفيضات كبيرة في الدعم الزراعي المقدم الى الفلاحين في البلدان الغنية، ومن خلال زيادة فرص وصول منتجات الدول النامية الى أسواق البلدان الغنية، أو تعزيز المعاملات التجارية بين الجنوب والجنوب. أما فوائد العالم العربي بشكل خاص من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية فهي كبيرة، حيث كانت هناك فوائد كثيرة من مفاوضات قطاعات الخدمات جعلتها في موقف جيد، فعلى سبيل المثال، ساهمت المفاوضات المتعلقة بقطاع الاتصالات في تعجيل تحرير هذا القطاع بمعدل سريع جدا. كما سمحت تجارة الخدمات بتعزيز القدرة التنافسية لشركات الاتصالات العربية وحسنت من فرص وصولها الى الاسواق الاجنبية. فعلى سبيل المثال تمكنت شركة «اتصالات» الإماراتية من الحصول على %26في شركة الاتصالات الباكستانية، وهناك أمثلة أخرى متعددة. فهل تريد أن تسأل مرة أخرى هل تساعد منظمة التجارة العالمية البلدان النامية؟ ليس عندي أدنى شك بأن اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ستزيد من حجم تعاملات تلك الدول التجارية.