بعض المحللين يكذب ويصدق كذبته

سـعود الأحمد

TT

مع تزايد القنوات الفضائية، وبعد أن عجت الساحات الإعلامية بجمهور غفير من المحللين، في مجتمع بعضه يتعامل في السوق وهو لا يفرق بين التحليل الفني والتحليل السياسي. وفي وقت يتعطش ممثلو هذه القنوات الإعلامية لاستقطاب ذوي الأقلام والمتحدثين المتخصصين. من هنا صار البعض يتحدث عن إحصائيات وأرقام من نسج خياله. حتى المحررون الصحافيون، صاروا محللين وهم لم يتعلموا أبجديات التحليل! وكل هذا يمكن السكوت عنه، لولا أنه طفح الكيل، حتى بلغ الأمر بالبعض أنه يتحدث على الملأ في أمور فنية، ويحاول أقناعهم بما يقول، وهو يعلم مسبقاً أنه على غير هدى، ليصل به عناده وإصراره إلى أن يصدق هو نفسه أنه على حق! وبصراحة كل أمر يهون، إلا التحدث بأرقام وإحصائيات ليس لها أساس من الصحة، لأن الأرقام دائماً تفضح صاحبها.

 يحكى أن جحا العطار قال لغلمان الحي ذات يوم، إن في بيت آل فلان وليمة، فصدقه الصبية وانصرفوا لذلك البيت لينعموا بالمشاركة في الوليمة. وبعد أن انصرفوا بقي جحا في مكانه وحيداً ينتظر عودتهم، لكنهم عندما تأخروا، أخذ جحا يفكر في جميع الاحتمالات التي أخرت عودة الصبية، ثم قال في نفسه ربما أكون صادقاً، وأن بالفعل هناك وليمة والصبية الآن ينالون من لذيذ المأكل والمشرب، فركب جحا حماره ولحق بهم. لكنني أعتقد أن جحا لو قابلهم بعد كذبته سيخجل أو يتأسف لهم عن كذبته، لأن الناس قديماً كانوا بسطاء ويتصرفون ببراءة. أما أهل هذا الزمان فيكذب الواحد ويقابلك بعد أن أنكشف أمره، وهو في أحسن حالاته (سبحان الله!)، كأنه ما عمل شيئاً، إلا إن كان الكذب مفخرة! تجمعنا المناسبات والصدف، بأصدقاء كتاب وصحافيين نعرفهم جيداً (على حقيقتهم)، فنراهم يتوسطون المجالس وهم يلبسون ثياباً ليست لهم ويتقمصون أدواراً لا يجيدونها. فيتحدث الواحد منهم في أمور ومجالات متخصصة هو خال الوفاض منها، لا تعيقه دقة التخصيص ولا أهمية التوثيق (ومرجعه الوحيد يقولون)، فيدخل في مواضيع لا يعرف كيف يخرج منها. وبعضهم يصل به الحال أن يرى في نفسه محللا سياسيا وماليا وفنيا (من لا شيء)، فيعرض للناس سيناريو خطة الحرب الأميركية المرسومة على إيران (كأنه البارح معهم بالبيت الأبيض)، ويصف بدقة المستقبل العالمي للمنطقة وأهداف الإدارة الأميركية على المدى القريب والبعيد... وعلاقة أميركا بجميع دول العالم وشعوبها... كل هذا وأنت تعرفه شخصا بسيطا لا يجيد (ولا يحب) القراءة حتى بلغته الأم. والمشكلة هنا أنك إن تركته (يغالط) ضل وأضل، وإن صححت معلوماته أحرجته (أمام الناس)... ولذلك فإن الأولى أن تختار بعناية مجلسك.

* محلل مالي [email protected]