تصورات العلماء للوقائع من اسباب الخلاف في مسائل الصيرفة الإسلامية

الشرق الاوسط تنظم ندوة «الصيرفة الإسلامية بين الخلاف المذموم والمحمود»

TT

على الرغم من اختلاف العلماء في مسائل الصيرفة الإسلامية المعاصرة التي شهدت أخيرا زخماً كبيرا كونها تلامس حاجة عامة الناس في ظل وجود العديد من قنوات الاستثمار المتاحة، إلا أن هؤلاء العلماء يؤكدون أن اختلافهم رحمة من رب العالمين للمستفتين، وذلك في ندوة الصيرفة الإسلامية بين الخلاف المذموم والمحمود، التي كان ضيوفها الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد المطلق عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وفضيلة الشيخ الدكتور يوسف بن عبد الله الشبيلي عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء، وفضيلة الشيخ الدكتور محمد بن علي القري استاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز. وأكد المشاركون في الندوة أن وجود قوائم مباحة للشركات المدرجة في سوق الأسهم لا يعنى أنها توصية لشراء أسهم في تلك الشركات. وفي ما يلي نص الندوة....

> ما هي أسباب اختلاف العلماء في مسائل الصيرفة المعاصرة؟

ـ الشيخ الدكتور عبد الله المطلق: أحكام الصيرفة المعاصرة هي من أحكام الفقه الإسلامي، وأسباب الاختلاف في أحكام الصيرفة هي أسباب الخلاف في الفقه الإسلامي، لأن أحكام الصيرفة جزء لا يتجزأ من الأحكام في الفقه الإسلامي، لكن من أهم أسباب وقوع الخلاف في مسائل الصيرفة الإسلامية المعاصرة، تصور الوقائع المحكوم عليها؛ فقد يتصورها بعض العلماء بصورة غير الصورة التي تصورها بها بعض العلماء، فإذا تصور هؤلاء العلماء مسألة الصيرفة أو مسألة الفقه الإسلامي المعينة مثلا بهذا الشكل ثم حكموا عليها ثم أتى آخرون فتصوروها تصورا آخر وحكموا عليها، أثر ذلك الاختلاف في التصور بالاختلاف في الحكم، ولهذا نماذج معينة من مسائل البيوع. وهي كثيرة جدا، فمثلا من المسائل التي يختلف الحكم فيها باختلاف النظر إليها مسألة مثل البيع بالتصريف، من رأى أنه بيع بالتصريف، منعه وقال لا يجوز لأن هذا بيع معلق على شرط، ومن رأى أنه وكالة بالعمولة أجازه، لأن الذي يصرف هو وكيل للتاجر ويأخذ مقابل تصريفه والنماذج في هذا متعددة، ومن أمثلتها أيضا مسائل البطاقة ـ بطاقات الائتمان ـ فهل النظر فيها مبني على الحوالة أو على الضمان، فهناك مسائل متعددة يجري النظر فيها أو يجري الحكم فيها بناء على التصور لواقعها.

ـ الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي: يرجع اختلاف العلماء في المسائل المالية المعاصرة إلى أسباب متعددة، فقد تكون المسألة من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء المتقدمون، فاختلف فيها المعاصرون بناء على الاختلاف السابق، مثل مسألة الإلزام بالوعد في بيوع المرابحة، وقد يكون الخلاف ناشئا عن الاختلاف في تكييف العقد، كما في العمولات التي يأخذها البنك من التاجر في البطاقات الائتمانية، فمنهم من يرى تحريمها؛ على اعتبار أنها فائدة مقابل القرض، أو أجر على الضمان، ومنهم من يرى جوازها على اعتبار أنها أجرة مقابل السمسرة، أي التسويق للتاجر.

وقد يكون الاختلاف لفظياً، وهو ما يسميه أهل العلم اختلاف التنوع، بأن يفتي البعض بتحريم عقد من العقود؛ لاشتماله على بعض المحظورات الشرعية، ويفتي فريق آخر بالجواز بضوابط تنتفي معها تلك المحظورات، ومن أمثلة ذلك عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، حيث أفتى مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة بتحريمه، وصدر قرار مجمع الفقه بجوازه بضوابط، وليس بين القرارين فيما أرى تعارض؛ فصورة العقد التي تناولها قرار هيئة كبار العلماء لا تتوافر فيها الضوابط التي تضمنها قرار المجمع. > نحن نفهم من هذا الكلام أن فيه كثيرا من المسائل لا يختلف العلماء في أصل المسألة بجوازها مثل التورق، فكثير من الذين اختلفوا في التورق المصرفي المعاصر يرى جواز التورق، ولكنهم توقفوا في مسائل التورق المصرفي المعاصر، فإذا كان غالبية الذين توقفوا يجيزون التورق الفقهي، لكن يتوقفون في التورق المصرفي المعاصر. فما هو سبب نشوء هذا الخلاف؟ لأن أصل المسألة واضح أنه يجوز عندهم، لكن عندما جاءوا لطريقة تنفيذ الصيرفة المعاصرة للتورق توقف بعضهم وبعضهم أجاز، فنحن نريد أن نعرف على أي أساس منع من منع وأباح من أباح، مع العلم أن أصل المسألة جائز لدى الفريقين؟

ـ الشيخ الدكتور عبد الله المطلق:

الذين منعوا الآن بعضهم يرى أنه تورق صوري، وأنه لا يوجد فيه بيوع في الخارج، وأن الأمر لا يعدو أن يكون بيوعا ورقية ومن الذين منعوا من يمنع هذه المعاملات لما فيها من توكيل البنك، لأنه يرى أن توكيل البنك في البيع بعد شراء العميل منه مما يثير الشُبه ويعطي للبنك أن يتولى أحيانا طرفي العقد، وهذا الأمر قد يدفع بعض من لا يلتزم بالدقة بجعل الأمور صورية، فيجري العقود ولم يكن ثمة بيع ولا شراء.

ـ الشيخ الدكتور محمد القري:

أكثر الخلاف الذي يقع بين الناس في مجال المعاملات المصرفية، إنما هو راجع إلى اختلافهم في تصور المعاملة محل النظر، الأمر الذي يؤثر في التكييف ثم على ما يتوصل إليه من حكم بشأنها. وهذا كله يقع ضمن نطاق الخلاف المقبول الذي يمكن من خلال الحوار والمناقشة الوصول فيه إلى الاتفاق. هذا لا يعني أن كل خلاف هو من هذا النوع، لأن بعض الخلاف لا يعتد به إذا كان يخالف ما انتهى إليه اجماع الفقهاء أو جماهير أهل النظر منهم. مثال ذلك الخلاف على حكم الفوائد المصرفية. فبعض الناس يقول اختلف الفقهاء، هذا الخلاف لا اعتبار له عندنا لأن الاجماع قد انعقد عند الفقهاء المعاصرين أن الفوائد المصرفية هي من الربا المحرم. أما الاختلاف فيما يتعلق بالمعاملات الأخرى وأنواع المعاقدات التي تجري في البنوك مثل بطاقة الائتمان والاختلاف، هل هي عقد كفالة أم عقد وكالة...إلخ، أو الخلاف الذي وقع في مسألة المرابحة للآمر بالشراء عندما بدأت بها البنوك الإسلامية، إذ ان بعضهم رأى أن الوعد الملزم من قبل العميل بالشراء من البنك والاتفاق المسبق على نسبة الربح وما إلى ذلك، ينتهي إلى بيع ما ليس عند الإنسان لأنهم رأوه عقدا على محل غير مملوك من قبل البنك، بينما البعض الآخر رأى أن الوعد مختلف عن العقد، وانه لا يترتب عليه التزام بالشراء وإنما بالتعويض عن الضرر وهلم جرا، وهذه الاختلافات بعض الناس يراها أمراً سلبياً وأنها خطر داهم على المصرفية الإسلامية، بينما هي في الحقيقة اختلافات تؤدي إلى الاتفاق فيما بعد، فهي أشبه بالكير الذي ينقي الحديد من الشوائب لينتهي إلى الصفاء مع الإقرار بأن الإجماع بين جميع المجتهدين هو أمر متعذر، ولكن ما كان عليه الجمهور فهو الحق إن شاء الله، فالمرابحة الآن حصل شبه اتفاق بين الهيئات الشرعية على صيغة معينة لها لاقت القبول، بعد أن مرت بنوع من الاختلاف وتعدد في وجهات النظر، فهذا اختلاف طبيعي وهو من سنة الحياة وهو موجود في كل عصر ولا بأس به.

ـ الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي:

التورق الذي تجريه المصارف اليوم على نوعين: تورق حقيقي، بحيث يبيع المصرف على العميل سلعة بالأجل، وبعد أن يقبضها العميل يبيعها في السوق نقداً على غير البنك، فهذا هو التورق الذي اختلف فيه الفقهاء المتقدمون. ومعظم العلماء المعاصرين على جوازه.

وفي النوع الثاني يشتري العميل من البنك سلعة بالأجل ويوكل البنك في بيعها، بدون أن يقبضها العميل، ويسمي البعض هذا تورقاً منظماً، وفي الحقيقة فإن تسمية هذه المعاملة تورقاً أدخل اللبس في أذهان الكثيرين، حيث ظنوا أن هذا من التورق الذي جرى فيه الخلاف بين الفقهاء المتقدمين، بينما الفقهاء يقصدون النوع الأول، وأما هذا النوع من التورق فإنه حادث، والخلاف في النوع الأول لا ينسحب على الثاني؛ لأن توكيل البنك في البيع وعدم قبض العميل للسلعة يعد في نظر كثير من المعاصرين حيلة على التمويل الربوي؛ لأن العميل لم يقبض من البنك إلا نقوداً وسيرد إليه مثل تلك النقود وزيادة، فهو قرض بفائدة؛ لا سيما وأن تنفيذ البنوك لهذا العقد في كثير من الأحيان يؤكد أنه عقد صوري، وأن السلعة أدخلت في العقد لمجرد إضفاء الشرعية، حيث يجري التورق في سلع يتعذر قبضها، وقد لا تكون مملوكة للبنك، ولهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بتحريمه.

> هذا يقودنا إلى سؤال متى يكون رأي الفقيه في مثل هذه المسائل معتبرا، فنحن نعرف أن المسائل المالية أصبحت معقدة جدا، وليس كل إنسان يستطيع أن يحل المشاكل المالية لتعقيد العقود وإجراءاتها وطريقة تنفيذها، فهل كل من حمل العلم الشرعي يستطيع أن يُفتي في هذه المسائل أم لا بد أن يكون على دراية ومعرفة بهذه المسائل بطريقة تطبيقها وتنفيذها بحيث يستطيع أن يفتي فيها؟

ـ الشيخ الدكتور محمد القري الفتوى هي بيان الحكم الشرعي في المسألة، وهي في النهاية رأي يمكن ان يصدر عن أي أحد، ولكن يفترض ان لا يتصدر له إلا من كان أهلاً له وأن لا يفتي في مسألة، إلا أن يكون على علم ودراية وفهم كامل للمسألة في جوانبها المختلفة ثم يبقى أن المعول هو على الدليل، فمن كان معه الدليل فكلامه صواب، ومن كان يختلف عن ذلك فيوزن بميزان الدليل وليس بميزان المفتي نفسه، ولذلك ناقش علماء أصول الفقه مسائل هل تؤخذ الفتوى من فاسق... إلخ. ولذلك يجب ان لا نتخوف من كثرة الآراء والفتاوى لأن عندنا الميزان الذي نعرف به الصواب والخطأ. ـ الشيخ الدكتور عبد الله المطلق:

فيما يخص متى يكون رأي الفقيه في مثل هذه المسائل معتبرا؟ رأي الفقيه هو اجتهاد، ونحن عندما نقيم اجتهاد الفقيه نقيمه بالنسبة لغيره من الفقهاء وبالنسبة لمن حوله من العامة، فرأي الفقيه لا يكون حاكما على فقيه آخر، فهذه اجتهادات، وكل واحد من الفقهاء يجب عليه أن يجتهد في بيان حكم الواقعة من أدلة مستنبطة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا علم الحق مع أخيه وجب عليه الانصياع له، أما بالنسبة لمن هم حول الفقيه من العامة الذين لا يستطيعون أن يجتهدوا في نوازل المسائل، فإنه يجب عليهم أن يقلدوا المجتهد أو الفقيه في مثل هذه المسألة حتى يجدوا غيره هو أقرب إلى الله تعالى أو يكونوا أقرب إلى الله تعالى بالأخذ منه، هذه هي وجهة نظري في متى يكون رأي الفقيه في مثل هذه المسائل معتبرا.

أما فيما يخص التخصص، فرب العالمين في القرآن الكريم أمر المتخصصين الشرعيين أن يهتموا بالخبراء، لأن الفقيه مهما بلغ من الفقه الشرعي إلا أنه في تطبيق الفقه على الواقع يحتاج إلى خبرة الخبير بالواقع، ولهذا قال الله تعالى: «فاسأل به خبيرا»، وقال «ولا ينبئك مثل خبير» والهيئات الشرعية الآن في البنوك تعتمد على رأي الخبراء في المنتجات التي تصوغها أو يصوغها الخبراء بيانا لعلاج الواقع ولتسيير العملية الاقتصادية في البنك، فيأتي رأي الفقيه الشرعي بعد رأي الخبير الاقتصادي متضامنين في البحث عن المصلحة؛ الفقيه يبحث من حيث انطباق الحكم الشرعي على الواقعة التي صورها الخبير، وإذا نظرنا إلى الخبراء في الفقه الإسلامي وجدنا أن الاعتماد عليهم ثابت في السنة النبوية وفي قضاء الخلفاء الراشدين، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يحيل في بعض القضايا إلى النساء لأنهن أهل خبرة فيها، وكان يحيل إلى بعض المتخصصين في بعض الأمور التي تحتاج إلى خبرة، وإذا نظرنا إلى مسائل القضاء في عهد عمر وفي عهد عثمان وفي عهد علي رضي الله عنهم وهم من الخلفاء الراشدين، وجدنا أنهم كانوا يعتمدون في أحكامهم على قول الخبراء مثلما حدث في قصة الحطيئة عندما هجا الزبرقان بن بدر، فبنى الخليفة الراشد حكمه على قول حسان وكعب بن مالك، وهذا العمل جار عليه في هيئة كبار العلماء وفي المجامع الفقهية، فهم يستعينون بالخبراء المتخصصين في المسألة التي يراد بحثها.

ـ الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي:

الأصل أن الاختلاف في مسائل المعاملات المعاصرة من الاختلاف سائغ، لأن الأغلب فيها أنها من المسائل غير القطعية، بشرط أن يكون المجتهد أو المفتي قد بنى قوله ذلك على اجتهاد وتحرٍ في المسألة، ومن كان حاله كذلك فهو بإذن الله إما مأجور بأجرين أو بأجر واحد، كما قال عليه الصلاة والسلام: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد» ومثل هذا الاختلاف محمود، بل قد وجد مثله بين الصحابة، رضوان الله عليهم، وهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كاختلافهم في صلاة العصر في غزوة بني قريضة، وذلك عندما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريضة» فمنهم من صلاها في وقتها في الطريق ومنهم من صلاها بعد خروج وقتها في بني قريضة. فأقر النبي صلى الله عليه وسلم كلا الفريقين على اجتهاده، ولم يعنف أياً منهم.

ومثل هذا الخلاف لا يجب دفعه لانه مما اقتضته السنة الإلهية في اختلاف الناس في أفهامهم وعقولهم وإدراكا لهم، فالعالم الفلاني قد يستنبط من النص ما لا يستنبطه الآخر.

ولكن إذا خرج مثل هذا الاختلاف عن نطاقه المعتبر شرعا، فإنه يكون مذموماً، كأن يخالف المفتي في مسألة قطعية، قد أجمع عليها علماء الأمة، فقوله في هذه الحال يوصف بأنه شاذ، مثل تجويز الفوائد البنكية، أو تجويز الاستثمار أو المضاربة في الشركات التي أصل نشاطها محرم، إذ الإجماع منعقد على حرمة هذين الأمرين.

ومن الاختلاف المذموم الاختلاف الناشئ عن تعصب وهوى لا عن اجتهاد وبحث في الأدلة. وكذلك الاختلاف الذي يؤدي إلى النزاع والفرقة ومنابذة المخالف وتجريحه، فهذا من الافتراق المذموم الذي نهانا الله عنه بقوله: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم». ولقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة في نبذ الفرقة، فقد كانوا ـ مع اختلافهم فيما بينهم في بعض المسائل ـ متوادين متآلفين، ومما يروى في ذلك قول الإمام أحمد: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق بن راهويه، وهو وإن كان يخالفنا في بعض المسائل إلا أن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً، ويقول يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، تناظرت معه في عدد من المسائل واختلفنا فيها، فلما افترقنا أخذ بيدي وقال يا أبا موسى أما يصلح أن نكون إخوانا وإن اختلفنا.

ـ الشيخ الدكتور محمد القري:

أنا أريد أن أعلق على مسألة الخبرة. الواقع أنه منذ وجدت البنوك الإسلامية اتجهت إلى شيء جديد لم يكن معهودا في القديم، وهو تأسيس هيئة شرعية في المؤسسة المالية، لما وجدت الحاجة لمثل ذلك؟ لأن المسائل التي يُفتى فيها يجب ان يكون عند من يفتي الوقت الكافي لدراستها وفهمها ومناقشة هذه المسائل مع الخبراء المختصين، وكذلك ان تقع المناقشة والحوار وتقليب الأمر قبل اصدار الفتوى. ولذلك كانت الهيئات الشرعية دائما مكونة من ثلاثة او اربعة او خمسة او نحو ذلك حتى يكتمل التصور الصحيح للمسألة وتكون الخبرة قد تكونت للوصول إلى الاجتهاد المطلوب الذي يكون على فهم، فالخبرة لا بد منها وضمن عمل المؤسسات المالية، ووضع لها جهة وإجراءات تستطيع أن تحقق هذا المطلوب.

ـ الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي:

فيما يتعلق بوجوب كون المفتي في المعاملات المالية متخصصاً فيها، أرى أنه لا يلزم ذلك، ولكن يجب عليه إذا لم يكن مطلعاً على حقيقة المعاملة وتفاصيلها أن يستعين بأهل الخبرة المتخصصين في المسألة، ومن خلال تصوره لها يستطيع أن يبني حكمه عليها؛ لأن المفترض أن يكون عنده آلة الاجتهاد التي تؤهله لإصدار الفتوى.

> يدعو كثير من عامة الناس إلى توحيد الفتوى خصوصا في المعاملات المصرفية المعاصرة، فهل يمكن ذلك، وما الآثار المترتبة على ذلك؟

ـ الشيخ الدكتور عبد الله المطلق:

توحيد جهة الفتوى من مسائل السياسة الشرعية المنوطة بولي الأمر، وقد أصدر مجلس هيئة كبار العلماء قرارا يمنع فيه الفتوى في وسائل الإعلام إلا من المخولين بإجازة من سماحة المفتي العام للمملكة، والذين يدعون إلى توحيد الفتوى بحرارة هم الذين يضيقون ذرعا بالخلاف ويظنون أنه نشاز في حياة المسلمين، ويرون انه يجب على علماء المسلمين أن يتحدوا في الفتوى، وفي الواقع أن هؤلاء من حيث لا يشعرون يدعون إلى أن يفقد الفقه الإسلامي ميزة من أعظم الميزات التي هي حرية الاجتهاد والبحث في الوصول إلى المعلومة الصحيحة، وألا تكون المسائل مسائل إجماع يؤخذ فيها رأي الأغلبية ويمنع غيرهم من الاجتهاد، فهؤلاء ينظرون بمنظار يفرق الناس في المجالس أو في طبيعة عملهم، ممن يأخذ بهذا الرأي وآخر يأخذ بهذا الرأي، يعتبرون هذا العمل من الأشياء المشينة التي لا يجوز أن تنسب إلى الإسلام الذي يدعو إلى وحدة الأمة وأن يكونوا يدا واحدة وصفا واحدا معتصمين بكتاب الله وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، لكن الحقيقة أن اختلافهم في الاجتهاد وأن اختلافهم في وسائل البحث ميزة تثري الفقه والفكر وترفع الحرج عن الامة، وأن ذلك لم يعبهم في أزهى عصور الأمة الإسلامية، بل لقد اختلف اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وهم القدوة في وضع اسارى بدر، ثم اختلفوا بعد ذلك في مسائل حفظتها لنا السنة النبوية واختلف أبو بكر وعمر في قضايا حرب المرتدين وفي غيرها، فنحن نوطن إخواننا بأن الخلاف المبني على الاجتهاد المشروع من محاسن الفقه الإسلامي التي يتميز بها وأن ذلك لا بد أن يكون في الأطر المشروعة التي أرادها الشرع، وقد ألف بعض علماء المسلمين كتابا سماه «رحمة الأمة في اختلاف الأئمة».

ـ الشيخ الدكتور محمد القري:

أنا لا شك أوافق على كل ما ذكره معالي الدكتور عبد الله المطلق وفقه الله، وأحب أن أتطرق إلى جوانب أخرى في المسألة محل النظر؛ نحن نعلم أن المجامع الفقهية والهيئات العلمية إنما أسست لكي تكون هيئات للاجتهاد الجماعي وليس لاحتكار الاجتهاد، وهذا خلط في أذهان كثير من الناس. هذا المشروع الذي ينادي به البعض يحتاج إلى مزيد تأمل لأن الغرض منه ليس الاجتهاد الجماعي ولكن احتكار الفتوى. مثل هذا التنظيم لم يطبق في أي وقت من ادوار التاريخ الإسلامي، وإذا كان من ينادي به يظن انه سبيل للقضاء على الاختلاف، فهو لن يقضي على الاختلاف بل سيزيده، ثم ان القضاء على الاختلاف ليس أمراً مطلوباً أصلاً وبخاصة الاختلاف النافع المفيد الذي يؤدي إلى اجتهادات صحيحة موافقة للدليل. لو اننا تصورنا المصرفية الإسلامية تبنت منذ بداية عهدها قبل نحو 30 سنة هذه المركزية في الاجتهاد، ما كان ممكنا أن تصل إلى ما وصلت إليه الآن، فتعدد الآراء نافع ومفيد وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.

المسألة الثانية، يجب أن نفكر في مجال المصرفية الإسلامية في المتلقي للفتاوى، نعلم ان هذه الفتاوى والاجتهادات موجهة للناس الذين يتلقون هذه الاجتهادات والفتاوى، فما لقي القبول عندهم انتشر وشاع العمل به، وما لم يلق القبول فإنه سرعان ما ينتهي ويترك. وفي نهاية الأمر هم سيستمعون إلى من يثقون به من العلماء من ذوي الديانة والأمانة والعلم والفهم الذين يرون أنهم محل ثقة فيما يتعلق بالاجتهاد والفتوى، الاختلاف اذن يمكن ان ينتهي إلى اتفاق، ولكن يجب أن نؤطر هذا الاختلاف حتى يكون وسيلة لتلاقح الأفكار وتقليب المسائل للتوصل إلى الحق ولا يكون ذلك إلا أن نشجع ونزيد من الحوار والنقاش بين الفقهاء، نحن أحوج ما نكون ليس إلى هيئة مركزية ولكن إلى منتدى فقهي إلى ملتقى للحوار الفقهي، يناقش فيه الناس الأمور ويتبادلون وجهات النظر وتتلاقح الأفكار ويستفيد كل واحد منهم من علم وتجربة وخبرة الآخر، ثم يصدرون على رأي واحد ومن اختلف على ذلك الرأي يكون اختلافه بعد ان استنفذ كافة فرص الوصول إلى رأي مشترك مع أقرانه. ولا شك ان الرأي الذي يتفق عليه الجمهور خير من الرأي الذي ينفرد به واحدهم حتى يصلوا إلى رأي يعكس اجتهاداً جماعياً، وما يحدث عندنا الآن أن الناس يتحاورون على صفحات الجرائد وشاشات التلفاز وكل من صدر عنه رأي يصعب عليه التنازل عنه أو تغييره ولو أعطي فرصة للحوار لكان الأمر غير ذلك.

ـ الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي:

عندما نتحدث عن توحيد الفتوى، فأرى أنه ينبغي أن نفرق بين احتكار الفتوى وضبط الفتوى، فأنا لا أؤيد الدعوة إلى توحيد الفتوى إذا كان القصد من ذلك أن يسند الإفتاء في جميع القضايا أو بعضها إلى جهة بعينها أو شخص بعينه ويمنع الآخرون من الإفتاء بما يخالف ما يصدر عن تلك الجهة، وذلك فيما أرى مخالف لسنة الله الكونية وسنته الشرعية، أما السنة الكونية فالله سبحانه وتعالى قد خلق الناس مختلفين في عقولهم و أفهامهم. وتفاوت أنظار المجتهدين في المسائل الشرعية أمر جبلّي يتعذر القضاء عليه، ولم يزل الاختلاف بين المجتهدين في الأمة الإسلامية موجوداً منذ أول عهدها وإلى عصرنا الحاضر، ولم يكن ذلك عائقاً لها عن التقدم في أوج عزها، ثم إن توحيد الفتوى يكاد يكون مستحيلاً في هذا العصر الذي تطورت فيه وسائل الإعلام حتى جعلت الأمصار كالقرية الواحدة، فالناس يتلقون الفتاوى عبر وسائل الإعلام من علماء بلدهم ومن غيرهم، فإذا أسند الحاكم في بلد أمر الإفتاء إلى جهة بعينها ومنع العلماء الآخرين من مخالفتها، فغاية ما في الأمر أنه منع علماء بلده، أما المفتون من البلدان الأخرى فلن يمتنعوا عن الإفتاء لأهل تلك البلاد ولغيرهم ولو كان رأيهم مخالفاً لتلك الجهة التي يفترض فيها أن تحتكر الفتوى.

وأيضاً فإن سنة الله الشرعية توجب على المجتهدين أن يبذلوا جهدهم ونظرهم في الأدلة الشرعية ويبينوا حكم الله فيها، وألا يقلدوا غيرهم فيما يرون أنه مخالف لحكم الله. والاختلاف في المسائل الظنية فيه رحمة وتوسعة على الأمة. والناظر في المصرفية الإسلامية يلحظ التوسع الكبير الذي شهدته في العقود الأخيرة وابتكار معاملات متنوعة، ولعل من أهم دوافع ذلك فتح باب الاجتهاد في هذه المسائل، وتنوع المدارس الفقهية، واختلاف آراء الهيئات الشرعية، مما جعل كل هيئة تجتهد في تصميم عقود توافق الضوابط الشرعية التي تراها.

وإن أريد بتوحيد الفتوى ضبطها بحيث تنشأ مؤسسات للاجتهاد الجماعي تضم نخبة من العلماء والخبراء، فلا شك أن هذا أمر مطلوب، وهو يقلل من التضارب في الفتوى، ويورث في نفس المتلقي اطمئناناً، ولكن لا يعني ذلك أن يمنع غيرها من الإفتاء أو أن يعد رأي المخالف لها شاذاً. > يعتقد كثير من الناس أن فتاوى وقرارات المجامع الفقهية هي بمثابة إجماع فهل هذا صحيح؟

ـ الشيخ الدكتور عبد الله المطلق:

هي منزلة بين الاجتهاد الأحادي وبين الإجماع. فهي منزلة في القوة بين الاجتهاد الأحادي وبين الإجماع، ولكنها ليست إجماعا وهي فوق الاجتهاد الأحادي. فهي توجد اطمئنانا وتورث قوة للمتلقي والمستفيد، تبين له أن الرأي صدر من مجموعة فقهية استعانت بمتخصصين خبراء، لأن المجامع الفقهية كلها تستعين بخبراء، فلا يصدر قرار يحتاج إلى خبرة لا في هيئة كبار العلماء ولا في المجامع الفقهية، إلا وقد مر على خبراء أعطوا نظرهم فيه من جهة الخبرة ثم بعد ذلك يبدي الفقهاء رأيهم الفقهي.

> فيما يختص بوجود هيئة شرعية عليا للمصرفية الإسلامية، تؤيدون أم تعارضون؟

ـ الشيخ الدكتور عبد الله المطلق:

نعم نؤيد، لكن يجب وضع ضوابط لعلاقة هذه الهيئة بالهيئات الشرعية المتخصصة في البنوك والشركات، وان تكون مسددة لها وداعمة، ولا يمكن أن تكون ملغية لها، لأنني لا أتصور فيها أن تسد حاجة البنوك والشركات وحدها.

ـ الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي:

أؤيد ذلك، وأرى أن تكون مستقلة عن جميع البنوك وأن تكون لها أجهزة فنية وإعلامية وإدارية متكاملة تكون تابعة لها، وأن تكون من مسؤولياتها مراقبة البنوك من الناحية الشرعية للتأكد من التزام البنوك بقراراتها.

ـ الشيخ الدكتور محمد القري:

أنا أعارض هذا بقوة، فهذا لا يتحقق بهيئة مركزية وإنما يتحقق بوجود مجموعة من العلماء في هيئات كثيرة، ولكن عندهم وقت كاف والتزام صارم بالحوار مع بعضهم البعض؛ بمعنى ان لا يصدر عن أي منهم فتوى في نازلة إلا بعد مناقشتها مع إخوانه. المشكلة التي نعاني منها في الوقت الحاضر، أن أكثر المشتغلين في هذا الباب ليست لديهم فرصة للحوار يتبادلون خلاله وجهات النظر ويستشير كل واحد منهم إخوانه ويعرض عليهم ما توصل إليه اجتهاده وما إلى ذلك، هذا لا يتحقق الآن حتى عند أضيق الحدود، ولعل هذا هو سبب كثرة الفتاوى والآراء. نحن اليوم لسنا محتاجين إلى جهة رسمية جديدة اسمها هيئة مركزية وما إلى ذلك، لكن نحتاج إلى أوعية للنقاش وتبادل وجهات النظر وفهم الأمور فهماً مشتركاً، لا بد من استمرار المنافسة بين المؤسسات المالية حتى في الجوانب الشرعية، هذه المنافسة جيدة ونافعة وقد نفعت بحمد الله في الـ 30 سنة التي مرت من عمر المصرفية الإسلامية، ولذلك يجب أن تستمر، نعم وجود جهة واحدة أمر مطبق في السودان وفي ماليزيا، ولكن ليس بالصورة التي يتخيلها الناس لأنها في تلك البلدان مجرد جهاز للاجتهاد الجماعي ولم يترتب عليها منع البنوك من تكوين هيئات خاصة بها وتبقي المجال مفتوحاً لتلك الهيئات.

ـ الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي:

حتى المتلقي إذا كانت الهيئة مستقلة عن البنوك يكون ادعى هذا لقبول هذه القرارات والثقة بتلك القرارات التي تصدر من تلك الهيئة ويسند الى هذه الهيئة تقريب وجهات النظر ما بين الهيئات الخاصة بتلك البنوك.

ـ الشيخ الدكتور محمد القري:

إذا نحن نتكلم نفس الكلام فما أتصوره أنا هو وجود هذا الوعاء مع وجود الهيئات، ولكن يكون فرصة أن الناس يلتقوا كل شهر ويناقشوا على جدول أعمالهم أمورا كثيرة، فإذا كانت هذه الهيئة العليا هي الوعاء للنقاش وتلاقح الأفكار فهذا جيد. على أن تكون قراراتها غير ملزمة لأحد كما هو شأن الفتوى.

> بين يدي الناس عدد من القوائم تظهر الشركات التي يجوز تداولها والتي يحرم تداولها، فما سبب تعدد هذه القوائم؟ وهل وجود شركة ما في القائمة التي يجوز تداولها تعتبر توصية بشرائها بغض النظر عن المعايير الاستثمارية الأخرى؟

ـ الشيخ الدكتور عبد الله المطلق:

وجود هذه القوائم التي يعدها بعض الإخوة المهتمين بهذا الأمر مما يحتاج إليه المسلم الذي يبيع ويشتري في سوق الاسهم لمعرفة الحلال من الحرام، وهي مما يجب على أهل العلم بيانه للعامة، إذ هي من فروض الكفايات التي إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين وعلى الإخوة الذي يعدون هذه القوائم أن يجتمعوا وان يتفقوا ما أمكن، فان الاختلاف قد يثير العامة.

ولا اعتقد أن المتعاملين في سوق الأسهم سيجعلون إباحة الشركة المعيار الأساسي في شرائها بقطع النظر عن مكانتها الاقتصادية في السوق.

ـ الشيخ الدكتور محمد القري:

هذه ظاهرة أحدثت قدراً كبيراً من التشويش في أذهان الناس حول المعايير الإسلامية للاستثمار في الأسهم وحول وظيفة الفتوى برمتها.

والحال ان تعدد القوائم واختلافها يرجع في الجزء الأكبر منه إلى عدم وجود مصدر يعتمد عليه للمعلومات المالية عن الشركات حتى صناديق الاستثمار الإسلامية التي تطبق معايير استثمار واحدة وتشرف عليها نفس الهيئة الشرعية تختلف، فتجد ان شركة ما عند مدير هذا الصندوق لا يجوز الاستثمار فيها لأن الديون الربوية على الشركة قد تخطت النسبة المسموح بها في المعايير، ثم يجد مدير صندوق آخر ان نفس تلك الشركة قد استوفت متطلبات المعيار الخاص بالديون وان الديون التي عليها أقل من النسبة المعتمدة. فإذا راجعت هذا المدير وذاك وجدت ان السبب يرجع إلى ان مصادر المعلومات نفسها لا يمكن الاعتماد عليها؛ فمثلاً تظهر الأرقام الرسمية للشركة انها مدينة بمبلغ 500 مليون، وهذا يمثل 70 في المائه من قيمتها السوقية، فلا يجوز الاستثمار فيها بناء على المعايير، لكن المدير الآخر لا يقف عند ذلك الحد من جمع المعلومات بل يتصل بمسؤولي الشركة فيقولون له نعم هي ديون كثيرة ولكنها مرابحات وليست ديونا ربوية، وبناء عليه فإن الحكم عليها تغير. ومدير ثالث لا يكتفي حتى بكلام المسؤولين في الشركة بل يرجع إلى البنك ذي العلاقة ليعرف حقيقة الديون التي على الشركة وهكذا.

الإشكال الأساس في نظري هو ان المعلومات التي ينبني عليها الحكم على الشركات، ليست لها جهة متخصصة تقوم بها، وإنما هي اجتهادات فردية ومن هنا جاءت الاختلافات في القوائم.

وأنا في هذا المقام اقترح ان تنبري لهذه الوظيفة جهة متخصصة تكون مرجعاً لجميع المستثمرين وتعتمد على خبراء وعلى قنوات معتمدة لجمع المعلومات وتحليلها ويمكن لها ان تبيع خدماتها للصناديق وللمستثمرين.

رب قائل هل يعني هذا ان القوائم المالية للشركات غير صحيحة أو لا يعتمد عليها؟ والجواب بالنفي، إنما المسألة ان تلك القوائم المالية مصممة لتستوفي متطلبات المعايير المحاسبية، ولم تصمم لإغراض المعايير الشرعية. ولذلك فإن الربح على سبيل المثال في المرابحة ربما لا يختلف في قيوده المحاسبية عن الفائدة على القرض. وكلاهما يظهر في القوائم انه التزام بدفع دين. ولكن المعلوم ان الفرق بينهما من ناحية المعايير الشرعية ان الأول حلال مباح والثاني محرم. أما من ناحية هل القول بجواز الاستثمار في شركة ما يعني أيضاً التوصية بالاستثمار فيها؟ فهذا قطعاً الجواب فيه بالنفي. لأن القول بجواز الاستثمار في الشركة إنما هو بيان الحكم الشرعي كما انتهى إليه اجتهاد المفتي تماماً مثل من استفتى عالماً هل يجوز الطلاق فان قال المفتي له يجوز ليس توصية له بأن يبادر إلى طلاق امرأته.

ـ الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي:

أرى أن إصدار مثل هذه القوائم من فروض الكفايات التي يجب على أهل العلم بيانها للناس، فعامة الناس مهما بينت لهم من ضوابط المتاجرة في الأسهم، لا يستطيع غير المتخصص منهم قراءة القوائم المالية للشركة والتعرف على مدى موافقتها للضوابط الشرعية. فكان لزاماً على من كان عالماً بذلك أن يبين الشركات الموافقة للضوابط الشرعية من غيرها عملاً بقول الله تعالى: «وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه» وهذا من النصح للمسلمين، ونحن نجد ولله الحمد اهتماما كبيرا جداً من قبل المستثمرين بانتقاء الشركات الموافقة للضوابط الشرعية، وأذكر أنني كتبت مرة مع الدكتور محمد العصيمي وفقه الله دراسة لإحدى الشركات خلصنا فيها إلى جواز الاكتتاب فيها، ونشرت الفتوى في الإنترنت فاتصل بي من الغد صاحب أحد المواقع التي علقت فيها الفتوى وأخبرني بأنه قرأ الفتوى في أول ليلة علقت فيه في الموقع أكثر من مائة وعشرين ألف شخص، وهذا يدل على حرص المستثمرين على تحري الشركات الخالية من المعاملات المحرمة، وإصدار هذه القوائم كما أن فيه نصحاً للمستثمرين، ففيه نصح للشركات، وقد لحظنا ولله الحمد الاستجابة الطيبة من الكثير من الشركات التي حولت معاملاتها إلى معاملات إسلامية لما ظهرت في هذه القوائم على أنها غير نقية، وهذا أمر يشكرون عليه.

والاختلاف في هذه القوائم هو بسبب اختلاف المعايير والضوابط التي يأخذ بها مصدر تلك القائمة، فالبعض مثلاً لا يرى المساهمة إلا في الشركات النقية فيقتصر في قائمته على تلك الشركات، والبعض يرى جواز المساهمة في الشركات التي يغلب على تعاملاتها الإباحة، ولو لم تكن نقية تماماً فيصدر قائمة بتلك الشركات، وهكذا، فليس هناك اختلاف حقيقي، وإنما تختلف القوائم باختلاف الاجتهاد الذي بنيت عليه.

والحكم على شركة بأنها نقية أو مباحة لا يعد توصية بالشراء فيها، إذ الغرض من هذه القوائم هو بيان الوضع الشرعي للشركة من حيث سلامة معاملاتها من الناحية الشرعية، وينبغي على المستثمر أن يراعي في قراره الاستثماري جانبين؛ الجانب الشرعي بحيث يتجنب الشركات المحرمة، والجانب المالي، بحيث يتجنب الشركات الخاسرة أو ذات الأداء السيئ أو التي تكون أصولها قليلة بالنسبة لقيمتها السوقية ولو كانت من الشركات المباحة؛ لأن وضع الأموال في مثل هذه الشركات قد يكون من إضاعة المال، وإدارات الشركات، كما أنها منهية في شريعتنا عن الربا وغيره من المحرمات فإنها مأمورة بإتقان العمل وإدارة الشركة بكفاءة كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» والتقصير في هذا الجانب يعد خللاً يتحمل المقصر فيه المسؤولية عند الله وعند المساهمين.

> إذا اختلفت الفتوى كما هو حاصل اليوم فبماذا نأخذ؟

* ـ الشيخ الدكتور عبد الله المطلق:

يأخذ المسلم بما يعتقد انه اقرب إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويفعل ما هو الأصلح لدينه، كما يفعل إذا اختلف الأطباء في علاج البدن، فإنه يأخذ بما يعتقد انه الأصلح لبدنه.

* ـ الشيخ الدكتور محمد القري:

أما القول انه يجب علينا ان نتبع فتوى من نثق بدينه وأمانته وديانته وعلمه، فهذا من المسلمات التي لا تخفى على أحد، ولكن فيما يتعلق بالمعاملات المالية من المهم أيضاً ان نتأكد من فهم المفتي للمسألة محل الفتوى. لأن الأمور المالية معقدة وكثيراً ما تلتبس على الناس، وأسوأ من ذلك عندما تظهر للمتأمل انها معاملة بسيطة، والحال ان التعقيد فيها لا يظهر إلا لعين الخبير.

* ـ الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي:

يجب على المستفتي أولاً ألا يأخذ الفتوى إلا ممن هو أهل لها، وهو من كان عالماً بالشرع، مستقيماً في دينه وسلوكه، ولم يعرف عنه ما يخل بدينه وأمانته. ولهذا كان السلف يحذرون من أخذ الفتوى من غير أهلها وكانوا يقولون: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، ويجب على المرء تجنب الفتاوى الشاذة التي يخالف فيها المفتي إجماع علماء الأمة، أو التي تكون مصادمة لنص شرعي ثابت.

فإذا اختلف المفتون في مسألة اجتهادية، فإن كان المستفتي يعلم أن أحد المفتين أعلم من الآخر، فيجب عليه أن يأخذ برأي الأعلم، وإن كانوا متقاربين في العلم في نظره فلا حرج عليه في أن يأخذ بالقول الأيسر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين يسر».