تقرير: دورة نمو أسواق المال الإماراتية تتجه مرة أخرى نحو الارتفاع

تباطؤ معدل نمو السيولة بات يشكل المعضلة الرئيسية إلى جانب الشعور السلبي العام

TT

قال تقرير اقتصادي حول آفاق الاستثمار في اسواق الاسهم الاماراتية ان مرحلة التصحيح العميق الذي تمر به السوق منذ مطلع العام لم تكن نتيجة للافتقار الى السيولة ولكن تباطؤ معدل نمو السيولة بات يشكل المعضلة الرئيسية، الى جانب الشعور السلبي العام. ووفقا لتقرير شركة ضمان للاسهم النشطة في الاستثمار بأسواق المال المحلية والاقليمية فإن التوسع في تدفق النقد من خلال ارتفاع السيولة لم يدعم النمو الأساسي عبر قطاعات الاقتصاد المختلفة، والتي حددتها الأسواق، من خلال تباطؤ مرحلي ومستمر. ولاحظ التقرير ان عمليات البيع الكثيفة حدثت أخيرا في أسواق الأسهم الاماراتية في وقت ارتفاع السيولة واقتراب أسعار النفط من الأرقام القياسية.

وذكر التقرير الذي حمل عنوان «هل لا يزال الوقت جيدا للاستثمار في أسواق الامارات؟»، ان قانون تقليل العوائد يقوم بشكل ممتاز بتحديد الأسباب وراء التباطؤ الحالي لأسواق المال. فقد كافأت الأسواق القوية التي ظهرت خلال العامين الماضيين المستثمر بعوائد أعلى مما هو متوقع بشكل فاق كل التوقعات الماضية. هذا بطبيعته تحول الى معيار جديد للمستويات المتوقعة للعوائد التي يبحث عنها المستثمرون المتحمسون والمتفائلون. وبما أن السيولة السائدة لم توفر المكافآت الاضافية الجديدة المتوقعة، بدأ المستثمرون ملاحظة الوضع، وانطلقوا بعمليات تصفية الأسهم التي وصلت الى ذروتها في ابريل (نيسان) 2006، مما ادى الى فقدان الأسواق الاتجاه التصاعدي ونفس التأثير المضاعف الذي دفعها لأعلى في المقام الأول لتأخذ منحنا عكسيا محدثة تأثيرا سلبيا شمل مختلف شرائح المستثمرين مما قاد إلى تصحيح عميق جدا.

عودة لعام 1998: وأشار التقرير الى انه مع تراجع الأسواق بأكثر من ثلث قيمتها منذ نهاية العام الماضي، مبينا انه اذا ما تتبعنا نموذج سجل النص الفني، فسيكون من الطبيعي توقع المزيد من التقلب في الوقت القريب حيث سيحاول المستثمرون اعادة ضبط أوضاعهم بسرعة حسب ما تقتضيه الأسواق. وأوضح التقرير ان انخفاض العائدات الحالي هو تجربة حدثت من قبل تذكرها المستثمرون بسرعة مع تشابهات لافتة للنظر مع موقف مماثل حدث خلال عام 1998. في تلك الفترة، طبقا للتقرير، كانت السوق المحلية قد اندفعت نحو حدود تقييم غير مناسبة بسبب مجموعة من المضاربين، والذين انزعجوا بشدة وقتها عندما توجه السوق نحو الهبوط. حتى خلال تلك الفترة في مرحلة ما بعد هبوط السوق، وعندما كان يتم تداول النفط الخام بنحو 10 دولارات للبرميل، كان اقتصاد الامارات الحقيقي مستقرا. تم ايقاف القليل من المشروعات وبالنسبة لهؤلاء الذين كانوا ينتظرون رؤية ما اذا كان انخفاض عائدات السوق سيثير ركودا شديدا عبر قطاعات اقتصادية مختلفة ـ كان المتشائمون في حال لا يحسدون عليها. ومع هذا ـ يلاحظ التقرير ـ فالمقومات طويلة المدى الحالية المتعلقة بالاقتصاد الأوسع ما زالت قوية وسليمة من اجل استثمار صحي طويل المدى. الموقف الاقتصادي الحالي الذي يعكس ارتفاع اسعار النفط، زيادة الاستثمارات الحكومية، والفائض في الميزانية المالية سيوفر مجموعة ممتازة من العوامل المساعدة يمكنها تحفيز نمو اقتصادي محتمل.

وفي ظل تقدير صندوق النقد الدولي لمعدل النمو في الامارات بنحو 14% فإن اجمالي الناتج المحلي الضمني للعام المالي 2006 /2007 هو 560 مليار درهم اماراتي، تقدير هذا النمو سيجعل الامارات اسرع اقتصاد نام في العالم الى جانب العمالقة الآسيويين مثل الصين والهند. وتشير الزيادة الهامشية في مساهمة القطاع غير النفطي في اجمالي الناتج المحلي المقترن بالاستثمارات الجديدة بنحو 19% من اجمالي الناتج المحلي الى نظرة ايجابية نحو الجهود المماثلة التي يقوم بها الاقتصاد لتوجيه فائض السيولة عبر قطاعات جديدة. الفائض القوي في حسابات الحكومة وقف عند 7% من اجمالي الناتج المحلي، موفرا بذلك متكئا لخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بالاقتصاد. بيئة جديدة: ومضى التقرير الى القول إن أسوق المال في الامارات شهدت أيضا تغيرات كبيرة منذ آخر هبوط حدث عام خلال عام 1998. لقد هدفت خطوات مثل وجود هيكل تشريعي صارم وتحسين معايير حوكمة الشركات والتوجه نحو تعليم المستثمر، إلى تنفيذ نموذج عالمي لأفضل الممارسات. وقد خطت أسواق المال الاماراتية خطوات عملاقة ووضعت الالتزام الضروري لتحقيق شفافية كبيرة وثقة المستثمر. هذا النضج الجديد في السوق الجديدة سوف يشكل الأساس المطلوب لدعم النمو الايجابي المتوقع في المستقبل. ورغم هبوط السوق بأكثر من ثلث قيمتها منذ بداية العام، ارتفع اجمالي حجم التداول في الامارات أكثر من 25% منذ منتصف العام السابق. المعدل اليومي لقيمة التداول قد شهد ايضا نموا بنحو 7% من 1.7 مليار درهم اماراتي خلال السنة المالية 2005 الى 1.82 مليار درهم اماراتي حاليا. وفي النصف الأول من عام 2005، حققت أعلى خمس شركات مدرجة في بورصات الامارات اعتمادا على القيمة السوقية نحو 56% من اجمالي سوق الامارات. والآن مع إدراج أكثر من 30 شركة جديدة في البورصتين خلال 12 شهرا الماضية، مثلت نفس الشركات الخمس فقط 42.5% من المؤشر. هذا يوضح أن الأسهم الجديدة لم توسع فقط من خيارات الاستثمار ولكنها ايضا أضافت استقرارا للأسواق عبر دخول أسهم شركات صغيرة الى متوسطة ستساعد في التنمية الشاملة للأسواق. ومع تسجيل الأسواق المحلية لارتفاعات نادرة في قيمة الأسهم المتداولة من قبل المستثمرين الأجانب خلال العام الحالي عند مقارنتها بالأعوام السابقة، أظهرت مؤشرات مشجعة على أن الأسس طويلة المدى لنمو الأسواق في مكانها رغم انهيار مؤشر السوق. وبهذا، فإن الطلب على السيولة المحتملة وايضا الأوراق المالية الجيدة المدرجة في الامارات يظل البناء الذي عليه سترسي الأسواق نموها طويل المدى. واعتبر التقرير ان السلطات المنظمة تدخلت في الوقت المناسب عندما كان يحدث انهيار للسوق واصدرت توجيهات مثل القيود على الزيادات الدورية لرأس المال. مثل هذه القيود ستساعد على الحفاظ على التدفق السليم للسيولة داخل الاقتصاد وتعزز من ثقة المستثمر في الأسواق التي تدار بشكل جيد. ورغم ان هذا يعني تباطؤا عبر مشروعات التوسع المتعددة التي تم التخطيط لها بناء على هذا المال الاضافي، سوف يمنع تكوين اقتصاد ساخن وسوف يحمي قيم المساهمين عن طريق ضبط الاستثمار الزائد للادارة المفرطة في التفاؤل. كما ان السلطات في طريقها لانهاء قانون جديد للشركات يختص بعملية الادراج، والذي بموجبه تستطيع المشروعات المحلية التي تديرها العائلات الراغبة في الدخول الى أسواق رأس المال لرفع رأس مالها وتوسعة مشروعاتها، تنفيذ ذلك بدون المخاوف السابقة من فقدان سيطرة الادارة على المشروع. وكذلك، فإن عملية الخصخصة لهيئات شبه حكومية مثل سوق دبي المالي وسوق أبوظبي المالي هو خطوة ايجابية يمكنها تعزيز ثقة المستثمر فيما يتعلق بالشفافية والافصاحات داخل السوق. اما الإجراءات الأخرى التي ستساعد في التطوير الشامل لأسواق المال فتقودها بعض العوامل الايجابية القليلة والتي يمكنها أن تزيد من تطبيق أفضل الممارسات العالمية مثل التدقيق الدوري من قبل السلطات المنظمة حول وضع الاقراض والفرق بين سعر الشراء والبيع لكل شركات الوساطة، ونشر معلومات التداول الداخلي على موقع الإنترنت ومنع التداولات المتعلقة بأطراف ثالثة بين الوسطاء وفتح المزيد من الاستثمارات للأجانب عن طريق منح بنوك دولية خاصة رخصا لتوفير خدمات التقييم وفقا للتقرير. مقومات النمو: واعتبر التقرير ان أداء أسواق المال الإماراتية خلال الفترة الراهنة كان مرضيا بشكل متزايد اعتمادا على عدة عوامل ابرزها انه على الرغم من هبوط أسواق المال الإقليمية، فإن عملية تجفيف الدخل المرتبط بالاكتتابات العامة وارتفاع نفقات الاقتراض ونمو العوائد الرئيسية من القطاع البنكي بمعدل مستقر يمكن استشفافه من الأداء المعزز للنصف الأول من العام المالي 2006. كما ان بدء قطاعي البنوك والعقارات بتنويع اعمالهما بمختلف أنحاء المنطقة قاما وبشكل متزايد باعتماد طريقة الإندماج والتملك لتحقيق أهداف استراتيجيتهما المؤسساتية. وساهم الهبوط في مساعدة المضاعف السعري للسهم ومن ثم فتح آفاق جديدة للفرص الاستثمارية للعديد من البنوك والشركات المدرجة لتغذية الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات المدارة بشكل جيد وهو ما ساهم بشكل كبير في عمليات التنمية الإجمالية لأسواق المال المحلية حيث تهدف هذه الشركات الخاصة إلى التحول إلى شركات عامة وتحقيق معدلات نمو أعلى في نموذج أعمالها. وكان هناك ايضا اتجاها متزايدا في عملية تقديم ادوات استثمارية بديلة مرتبطة بالأسهم مثل الصكوك والسندات المحولة والتي لا توفر فقط استقرارا بل توسع أيضا من خيارات الاستثمار للمساهمين بحسب للتقرير .

وعند مقارنتها بالاقتصادات الأخرى الأكثر تطورا، فإن معدلات تضخم الفائدة المعدلة تعد منخفضة بشكل كبير عند مقارنتها مع معدلات الفائدة الحقيقية التي تصل إلى الصفر تقريبا. هذا سيساعد على تعزيز محتمل للاقتصاد وتوفير سيولة للمشروعات التنموية.

نظرة مستقبلية: وتساء التقرير هل يثبت هذا التصحيح السعري في أسواق المال الإماراتية أنه مفيد للإقتصاد الحقيقي؟ المؤشرات تقول نعم، اذ توجد سيولة هائلة تبحث عن فرص جديدة في الأسواق المحلية كما أن مقومات السوق نشطة.

وقال التقرير ان ذلك قد يكون نظرة مفرطة في التفاؤل ولكن إذا أخذنا التجربة الأخيرة التي شهدتها الصين كمعيار للقياس، فمن المحتمل أن يكون ذلك حقيقيا في الإمارات أيضا. ففي الحالة الصينية، وصلت البورصات إلى ارتفاعات غير واقعية لتهبط عن ذروة أدائها وما زال أمامها فترة لتتعافى كليا. فيما يتعلق بالواقع الاقتصادي الأوسع، فإن الإقتصاد الصيني الحقيقي قد إزدهر خلال تلك الفترة.

واعتبر التقرير ان العامل الأوحد الأهم الذي يمكن أن يؤثر في نمو الأسواق المحلية لا يرتبط مباشرة مع الإقتصاد ويظل بعيدا عن تحكم قوى السوق الطبيعية أو التوقعات الإقتصادية ويرتبط اساسا بالمشهد السياسي الإقليمي الأوسع الذي يظل غير مستقر وعاملا غير معروف خارج نطاق تحكم أي مستثمر. وعند النظر إلى التأثيرات التي يمكن أن تحدثها الأحداث الأخيرة في لبنان وسوريا ودول الشمال العربي على نمو أسواق دولة الإمارات العربية المتحدة، فيكون من الهام الاجابة على عدة تساؤلات التي يمكن أن تحدد النظرة بعيدة المدى لأسواق المال الإقليمي وهي : هل ستؤدي الظروف الجيوسياسية الحالية في المنطقة إلى إرتفاع في أسعار النفط وبالتالي توفير تدفقات نقدية جديدة؟ وإذا حدث ذلك، هل ستكون هذه التدفقات النقدية متواصلة؟ أو، هل سيظهر تباطؤ إقتصادي بمختلف أنحاء المنطقة نتيجة أسعار النفط القياسية ومن ثم يقلص من السيولة؟، أو هل ستستمر المنطقة على درب النمو والزيادة المتدرجة في أسعار النفط وحجم السيولة؟

وانتهى التقرير للقول بأنه مع فرض تحقق الاستقرار وعدم وجود تأثيرات واسعة تتعلق بدول الخليج أو دول الجوار عبر إنجرارها للنزاع الحالي، فإن النظرة الإجمالية للنمو الفوري تعد متفائلة ويتوجب أن تبدأ دورة النمو في الإتجاه مرة أخرى نحو الإرتفاع.