هل نجد الدواء في الصناديق الاستثمارية ؟

TT

في ظل التذبذب الحالي الذي تعيشه الاسواق المالية في المنطقة، يرى كثيرون ان التربة الاستثمارية مهيأة الآن لقبول فكرة الصناديق المتخصصة اكثر مما كان عليه الوضع عندما كانت المضاربة هي السمة الغالبة على نشاط وتعاملات المستثمرين. ومن الواضح ان كثيرا من المتعاملين الذين دفعوا ضريبة عالية على اندفاعهم بعمليات مضاربة غير محسوبة، باتوا اكثر قناعة بان الاستثمار في سوق الاسهم بصورة مباشرة يحمل درجة عالية من المخاطرة وان النجاح مرة لا يعني ضمان عدم تحطم الجرة. لكن المؤسف ان الجهات وخاصة المصرفية التي كانت نشيطة جدا في اطلاق الصناديق الاستثمارية والترويج لها خلال فترة المضاربة انكفأت على نفسها الآن ولم تعد تتحدث عن محاسن الاستثمار من خلال الصناديق وكأنها تداري الخجل الذي تحس به ازاء تراجع قيمة استثمارات المساهمين في تلك الصناديق. والواقع ان انكفاء الجهات المصرفية عن الدفاع عن اداء صناديقها يرجع الى سبب أساسي هو ان معظم الصناديق التي اطلقت في مرحلة الطفرة في الاسعار والضخامة في احجام وعمليات التداول كانت تركز على العائد الذي تحققه الصناديق خلال المدى القصير. وبدا من اسلوب الترويج والتسويق في تلك المرحلة ان الصناديق منغمسة في عمليات المضاربة وان التراجع الذي اصابها مماثل لتراجع استثمارات المضاربين الافراد. والنتيجة التي انتهى اليها كثير من المستثمرين ان الاستثمار في مؤسسات مالية ليس افضل حالا من الاستثمار المباشر (وكله عند العرب صابون) كما يقولون. وساعد في ترسيخ هذا الانطباع لجوء بعض البنوك الى تقديم تسهيلات للافراد للاستثمار في الصناديق على امل الا يغطي العائد الكبير المتوقع التسهيلات والفوائد المترتبة عليها بل تحقيق ارباح للمقترضين. ولأن حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر، كما يقال، فإن البنوك والمستثمرين وصلوا الى الطريق المسدود مع اول هزة اصابت الصناديق، فمنهم من خرج يجر اذيال الخيبة والمرارة ومنهم من ينتظر وهو يحمل الم الموس المنغرس في حلقه.

ان الوضع الحالي الذي تعيشه الصناديق الاستثمارية، وخاصة المالية منها، يقتضي مراجعة اساليب الترويج والتسويق وكذلك النظم التي تحكمها. وأول ما يمكن الاشارة اليه في هذا المجال ضرورة القيام بحملات لتصحيح المفاهيم من خلال إبراز ان الصناديق الاستثمارية والعمل من خلال المؤسسات المالية هو الاكثر أمانا والاقل مخاطرة والاكثر ربحية في المدى الطويل. ويكفي لدعم مثل تلك الحملات الاشارة الى ان التراجع الذي منيت به الصناديق كان اقل من التراجع الذي اصاب المضاربين من الذين يحبون التغريد خارج السرب. كذلك يجب ان تركز الصناديق على التوزيع الهيكلي لمحافظها الاستثمارية والاشارة الى ان في مثل هذه المحافظ اسهما ذات طبيعة استراتيجية والعائد المنتظر لها ليس مبنيا على التذبذب اليومي في الاسعار بل في القراءة التحليلية لوضع الشركات والنتائج المحققة لها والامكانات والفرص المتاحة امامها.

كذلك يجب وضع آلية اكثر مرونة وأكثر عدالة لخروج ودخول المستثمرين من الصناديق وذلك من خلال السماح لحملة الوحدات الاستثمارية في هذه الصناديق بتداولها تحت اشراف هيئة الاوراق المالية وليس بناء على رؤية البنك او الجهة التي أنشأت الصندوق. والأمر الآخر الذي يجب الاشارة اليه ان الحديث عن فضائل الصناديق كأوعية استثمارية يجب ان ينشط في فترة التراجع في الاسواق لاننا نستطيع من خلال ما نملكه من شواهد ان نشير الى تلك الفضائل وان نشجع المستثمرين على الاستفادة منها.

* الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية الإماراتية