الاقتصاد الفلسطيني: قيود إسرائيلية تشل الحركة التجارية.. وتعطل 80% من مصانع الأثاث

بسبب إغلاق المعابر وتقييد حركة التجارة وارتفاع تكلفة النقل

TT

الضفة الغربية ـ رويترز: لدى مازن سنقرط وهو رجل أعمال فلسطيني ووزير اقتصاد سابق من الاسباب ما يبرر موقفه المعارض لاقامة أعمال في وطنه. ويقول ان ارسال شاحنة بضائع من مخزنه في مدينة رام الله بالضفة الغربية الى قطاع غزة أي مسافة 80 كيلومترا يتكلف 2500 دولار في المتوسط في حين أن استيراد حاوية بضائع من أوروبا الى رام الله لا يتكلف سوى 800 دولار.

ويرجع سنقرط هذا الفرق في التكلفة الى التأخير عند نقاط التفتيش الاسرائيلية وقيود أخرى على الحركة في الاراضي الفلسطينية خاصة الاغلاق المتكرر للمعبر التجاري الرئيسي الى غزة. ويقول ان «تكلفة النقل والافتقار الى حرية حركة التجارة للواردات والصادرات... تجعل الامر مستحيلا». وتقول اسرائيل ان اغلاق المعابر الى غزة هدفه الحد من تهديدات هجمات نشطاء فلسطينيين.

لكن الاغلاق ليس هو السبب الوحيد وراء تراجع الاستثمارات في غزة والأراضي المحتلة الذي قوض جهود اعادة بناء الاقتصاد وتوفير فرص عمل.

فصعود حركة المقاومة الاسلامية «حماس» الى السلطة في مارس (آذار) الماضي دفع الدول الغربية لفرض حظر معوق على المساعدات للحكومة بسبب رفض حركة حماس الاعتراف باسرائيل.

كما أن العنف لا يكاد يخبو. فقد شنت اسرائيل هجوما على غزة في يونيو (حزيران) في محاولة لإنقاذ جندي اسير في حين اسفرت اشتباكات بين الفصائل الفلسطينية هذا الشهر عن مقتل نحو 20 شخصا في غزة والضفة الغربية.

ويشعر مسؤولو المساعدات الاجنبية بالقلق من أثر ذلك على المدى الطويل. ويقول ديفيد شيرير رئيس مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية في الاراضي الفلسطينية «بصراحة اعتقد أنه من المستحيل اقامة اقتصاد سوق فلسطيني قادر على البقاء في ظل الاغلاقات التي تفرض على الضفة الغربية وقطاع غزة». وحذر البنك الدولي الشهر الماضي من أن القيود الاسرائيلية والعقوبات الغربية قد تجعل عام 2006 الاسوأ اقتصاديا منذ قيام السلطة الفلسطينية في عام 1994 بمقتضى اتفاقات سلام مرحلية مع اسرائيل. وقدر البنك أن نصيب الفرد من نمو اجمالي الناتج المحلي في الاراضي الفلسطينية سيتراجع بنسبة 27 بالمائة في 2006 مقارنة مع العام الماضي.

وزادت اسرائيل نقاط التفتيش في الضفة الغربية المحتلة بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في عام 2000 وفرضت قيودا اضافية على الحركة بعد تولي حماس السلطة.

ويشير المسؤولون الاسرائيليون الى أن مسلحين هاجموا معابر في الماضي مثل معبر المنطار للبضائع وهو المعبر التجاري الرئيسي بين اسرائيل وغزة.

وقال مارك ريجيف المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ان اسرائيل تتفهم انه يتعين فتح المعابر حتى تزدهر التجارة لكن التهديدات الامنية هي التي تؤدي الى اغلاقها.

وقال: «من مصلحة اسرائيل تحقيق وضع اقتصادي ايجابي في غزة والضفة الغربية. لا نريد أن نكون بجوار دولة فاشلة».

وتحت ضغوط من واشنطن وافقت اسرائيل على تخفيف هامشي للقيود على معبر غزة مع مصر هذا الشهر لكنها لم تلزم نفسها بالإبقاء على المعبر مفتوحا في الاجل الطويل. ويستخدم معبر رفح أساسا في مرور المسافرين.

ومثل رفح ظل معبر المنطار مغلقا أغلب اوقات هذا العام ولم يفتح سوى لبضعة ايام منذ أسر الجندي وهو ما تقول الامم المتحدة انه اثار أزمة انسانية في القطاع.

ومن الصعب الحصول على البيانات لان العاملين في الحكومة مضربون عن العمل بسبب عدم دفع رواتبهم لكن مكاتب المساعدات الخارجية ورجال الاعمال الفلسطينيين يقولون انه ليس هناك استثمارات تذكر تتدفق على غزة والضفة الغربية.

وقدر البنك الدولي اجمالي الناتج المحلي بنحو اربعة مليارات دولار في عام 2005 وتوقع أن ينخفض الى 92.9 مليار دولار هذا العام. وبالمقارنة يبلغ اجمالي الناتج المحلي الاسرائيلي 147 مليار دولار.

وتغلق المصانع الفلسطينية أبوابها بسبب عدم تمكنها من الوفاء بمواعيد تسليم الصادرات ومع تراجع الطلب المحلي الذي يرجع جزئيا الى عدم دفع رواتب العاملين في الحكومة.

وأظهرت دراسة حديثة أن 22 مصنعا للاثاث والمنسوجات انتقلت من غزة الى مصر والأردن هذا العام بسبب صعوبة نقل البضائع عبر اسرائيل.

وأضافت الدراسة التي يرعاها مركز التجارة الفلسطيني ووكالات معونة أجنبية أن نحو 80 بالمائة من مصانع الاثاث المتبقية في غزة أغلقت بشكل مؤقت.

وقال اشرف الشوا ان مصنع الاثاث الذي تملكه أسرته في غزة لا يعمل تقريبا مما اضطره لاقامة مصنع جديد في مصر. وأضاف «الوضع انهار تماما».

وكان المجتمع الدولي يأمل ان تصبح غزة نموذجا للدولة عندما سحبت اسرائيل مستوطنيها وجنودها من القطاع قبل عام. لكن القطاع الساحلي الذي يقطنه 1.4 مليون نسمة دخل في حالة من الفوضى. وفي حين تتعرض غزة للاغلاق فان التجارة الفلسطينية في الضفة الغربية مقيدة بنقاط التفتيش وحواجز الطرق والبوابات وغيرها من العوائق الاسرائيلية التي تقول الامم المتحدة ان عددها يبلغ نحو 530. وقال شيرير «هذا يمثل عائقا كبيرا للتجارة وحركة العمالة داخل الضفة الغربية».

وقال سمير عبد الله الخبير الاقتصادي الفلسطيني ان الشركات الاجنبية تحد من اعمالها او تدرس الخروج من الاراضي.

وتابع ان العديد من رجال الاعمال لا يأتون الى الضفة الغربية ناهيك عن غزة لاعتبارات أمنية. واضاف عبد الله «اذا استمر الوضع على هذا الحال فإننا سنشهد انهيارا اقتصاديا».