عام المفارقات المالية

حسين العويد *

TT

يمكن القول إن عام 2006 كان عام المفارقات بالنسبة للأسواق المالية العربية؛ ففي الوقت الذي كانت فيه العوائد المالية الناجمة عن التحسن في عوائد النفط تصيب الخزائن العربية بالتخمة، كانت تلك الاسواق تعاني من شح السيولة التي أدت الى تراجع مستويات التداول الى أقل من ربع ما كانت عليه في الأعوام السابقة. وفي الوقت الذي كانت تعلن فيه الشركات المساهمة عن أرباح جيدة ومشروعات جديدة بالمليارات، كانت أسعار أسهم هذه الشركات تسير في الاتجاه المعاكس لتصل الى مستويات بدت للبعض غير مفهومة أو غير مبررة. وفي الوقت الذي تحسنت فيه مستويات الشفافية والإفصاح وتزايدت فيه الوسائل التي تحلل وتشرح ما يدور في السوق وما يجري في الكواليس، زاد الغموض لدرجة لم يعد أحد يملك قدرة على تفسير حركة السوق او يتنبأ باتجاه رياحها. وفي الوقت الذي سجلت فيه اللوائح والنظم التي ضبطت إيقاع السوق ونشاطه، تحسنا ملحوظا قياسا لما كانت عليه في اعوام سابقة، فان هذه النظم لم تمنع من وقوع ضحايا جدد جرفتهم عمليات مضاربة غير واعية أو محاولات لتعويض خسائر فادحة.

هذه المفارقات التي حفلت بها الاسواق المالية العربية طوال العام لم تمنع الكثيرين من انتظار الفرج، مرة مع نتائج فصلية تغري بتعويض خسائر ومرة مع قرار تنظيمي يسمح بالتقاط الأنفاس والبدء من جديد. ولكن للأسف فشلت كل الرهانات وتأكدت مقولة من نبه الى ان ما أصاب الاسواق لم يكن حادثا عارضا سببه جشع المضاربين أو جهل المتعاملين، وثبت ان الامر هو أعمق من حيث المدى من العوارض التي عانت منها الاسواق لتصل الى البنية الهيكلية التي سمحت باختراقات (ذكية) استطاع من خلالها البعض امتصاص السيولة وإعادة تدويرها في شركات خاصة بعيدا عن رقابة الأسواق المالية والسلطات المختصة. وكان من أبرز تلك الاختراقات ما حدث في سوق الاصدار الاولي الذي امتص في البداية مدخرات الكثيرين ممن تسابقوا على الاكتتاب بالأسهم الجديدة مدفوعين بالرغبة في الكسب السريع، بعد ان يتم إدراج تلك الاسهم في السوق الثانوي. وتبين فيما بعد ان المؤسسين وفي غيبة آليات رقابة فعالة قادوا عمليات المضاربة على أسهم الشركات الجديدة في الفترة التي تلي إغلاق الاكتتاب العام والطرح في السوق النظامية. وكانت النتيجة ان حقق هؤلاء مكاسب هائلة وبفترة قياسية وبعيدا عن أنياب القانون الذي لم تكن لديه القدرة اما بسبب الغموض او التجاهل على الامساك بالمخالفات والتي من أبرزها وأهمها عمليات بيع أسهم التأسيس قبل انتهاء المدة المنصوص عليها بالقانون والتي تصل الى عامين. لقد مضى العام ومعظم من تنطع لتفسير التراجع في الاسواق يحمل المضاربين مسؤولية التراجع. ومضى العام دون ان نجد جهة ما تتولى وضع دراسة عن الاسباب العميقة التي تسمح للاسواق بالانحدار الى هذه المستويات. نحن نعلم ان الاسواق المالية العربية حققت نتائج في عامي 2005 و2004 لم تكن مسبوقة وكانت عند كثير من الخبراء غير طبيعية وغير صحيحة، لكن هذا لا يعفي السلطات من المسؤولية؛ فهي مسؤولة عن الارتفاع غير الطبيعي بالقدر الذي هي مسؤولة فيه عن الانخفاض غير الطبيعي؛ فالأصل في الاسواق ان تتحرك صعودا وهبوطا وفق معطيات مالية معروفة. فإذا ارتفعت كان ارتفاعها متناسبا مع هذه المعطيات وإذا انخفضت كان انخفاضها منسجما مع معطيات الانخفاض.

لقد انتهى الآن عام 2006 وثبت ان الذين كانوا يراهنون على نتائج نهاية العام يبيعون وهما للمتعاملين؛ فأسعار الاسهم في تراجع مستمر وهي تنحدر الآن الى مستويات لا تبعث القلق في أوساط المستثمرين في السوق فحسب، بل في كافة المفاصل الاقتصادية.

* الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية الإماراتية