العملة الخليجية بين معطيات الاقتصاد واعتبارات السيادة

قمة الرياض هل تذلل العقبات أمام العملة الموحدة ؟

TT

تحتل قضية الاتحاد النقدي اولوية في العمل الخليجي خاصة مع اقتراب الموعد المحدد لإصدار العملة الخليجية الموحدة في بداية عام 2010 . ومع تواصل اجتماعات رؤساء السلطات النقدية واتفاقهم على كثير من النقاط المتصلة بهذا الاستحقاق، الا ان بقاء بعض النقاط المعلقة يثير مخاوف مشابهة لتلك التي اثارتها قضية الوحدة الجمركية الخليجية والتي أدت الى تأخر الاتحاد الجمركي سنوات عديدة عن الموعد الذي كانت دول مجلس التعاون قد اتفقت عليه. وقد لخص حمد بن عبد النبي مكي وزير الاقتصاد الوطني العماني بعض هذه النقاط في رسالة بعث بها مؤخرا للامانة العامة لمجلس التعاون. حيث اشار في رسالته الى ان لجنة الاتحاد النقدي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تواجه صعوبات من أهمها الشفافية في عرض البيانات المالية من قبل الدول الأعضاء اذ تصر معظم دول المجلس على سرية البيانات المتعلقة بها.

وذكر وزير الاقتصاد الوطني العماني في رسالته (أنه على الرغم من الاتفاق على معايير التقارب وكيفية حسابها الا انه لا توجد حتى الآن بيانات مدققة حول التزام كل دولة من دول المجلس بالتعريفات والمنهجية المتفق عليها) مضيفا بان هناك الكثير من المواضيع المهمة التي تم تأجيلها لصعوبة الاتفاق عليها.

وقال مكي في رسالته إنه ومن هذا المنطلق فان إقامة السلطة النقدية المشتركة بحاجة إلى اتفاق واضح حول آليات التعامل وبما لا يؤثر سلبا على بعض الدول نتيجة لتفاوت مستوى وضع البنى الأساسية، فالسلطنة على سبيل المثال بمساحتها الجغرافية والتزايد السكاني فيها لا تزال بحاجة إلى إنفاق كبير على البنى الأساسية، الأمر الذي قد لا تستطيع معه الإبقاء على النسبة المفترضة في معيار النمو في اقتصادها أو معيار مستوى الدين العام أو العجز في الموازنة العامة. لذلك فان مطلب الوصول إلى مرحلة الاتحاد النقدي والعملة الواحدة يتطلب قبل المضي فيه الاتفاق على كيفية معالجة هذه الحالات. وأضاف وزير الاقتصاد الوطني العماني انه انطلاقا مما ذكر، فانه من المناسب إعادة تقييم هذا الأمر والتريث لحين إزالة تلك المعوقات التي قد تؤثر سلبا على قيام الاتحاد النقدي.

وذكر في رسالته انه بالإشارة للمذكرة التوضيحية المتعلقة بالأمور السيادية التي ستفوضها الدول الأعضاء للسلطة النقدية المشتركة والمتطلب تأسيسها لإقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة فان قرار توحيد العملة هو قرار يمس بمبدأ السيادة الوطنية للدول الأعضاء حتى يمكن للدول التخلي عن هذا المبدأ فلابد ان تتحقق لها القدرة على الاتفاق حول آليات التعامل في حال مواجهة أي دولة من دول المجلس أية مشكلات اقتصادية ومالية تحتم عليها استخدام سياسات نقدية أو مالية لمعالجة هذه المشكلات، باعتبار ان القرار لن يعود بيد الدولة منفردة.

وفي ربط بين التوجه لاقامة الوحدة النقدية والاتحاد الجمركي الذي يفترض انه قيد التطبيق حاليا يقول وزير الاقتصاد الوطني العماني انه بمراجعة مسيرة التعاون لدول المجلس في المراحل السابقة يلاحظ ان هناك معوقات تواجهها دول المجلس في تطبيق الاتحاد الجمركي، والتي من أهمها:

ـ عدم التزام بعض الدول بفرض رسوم موحدة بصورة جماعية على الواردات الأمر الذي يعد مخالفا للاتحاد الجمركي.

ـ عدم التوافق على التحصيل المشترك للرسوم الجمركية، وبدلا عن ذلك تم اتباع آلية تتبع السلع بهدف تحصيل الرسوم، والتي كان من نتائجها إبقاء المراكز الجمركية البينية، الأمر الذي ينتج عنه عقبات امام حركة السلع بين دول المجلس، مما افقد الاتحاد الجمركي أهم أحد مميزاته وهو فتح أسواق دول المجلس على بعضها البعض.

ـ عدم اكتمال السوق الخليجية المشتركة، والتي حدد التطبيق الفعلي لها نهاية عام 2007.

ـ قيام بعض الدول بايجاد مراكز جمركية بينية جديدة، الأمر الذي تسبب في عرقلة انسياب التجارة البينية وهو إجراء يسير عكس التوجه، حيث ان هدف الاتحاد الجمركي إزالة المراكز الجمركية البينية وليس انشاء مراكز جديدة.

وذكر مكي في رسالته انه فيما يتعلق بالعوائق التي تواجه تطبيق بعض القرارات ذات الصلة بالسوق المشتركة، والتي هي مرحلة تسبق مرحلة التكامل النقدي وإصدار العملة الموحدة، فتتمثل بعدم الالتزام بتنفيذ قرارات المجلس الأعلى ذات العلاقة بالمعاملة الوطنية، سواء في ممارسة النشاط الاقتصادي أو حرية حركة الإفراد ورأس المال.

وأضاف ان الدليل على ذلك مذكرات المتابعة من الأمانة العامة التي تحث الدول الأعضاء وبشكل مستمر على تطبيق هذه القرارات.

وقال ان الأمر لا يقتصر على عدم إصدار قرارات تنفيذية من قبل الدول، بل تعدى الأمر إلى وجود قرارات تنفيذية دون الالتزام بتطبيقها، ومنها على سبيل المثال القرارات المتعلقة بالمعاملة الوطنية في المجالات الصحية والتعليم.

اضافة إلى ان هناك خروقات كثيرة فيما يتعلق بممارسة النشاط الاقتصادي حيث لا تسمح بعض الدول في كثير من الأحيان لمواطني دول المجلس بممارسة النشاط الا بوجود كفيل محلي ولا يسمح لهم كذلك بالدخول في المناقصات الحكومية أو منح تصاريح لممارسة النشاط الاقتصادي.

وبالرغم من الصعوبات التي اشار اليها الوزير العماني في رسالته فإن جهود دول المجلس لم تتراجع ولم تتباطأ في التحضير الفني والاداري المتصل بالوحدة النقدية الخليجية. ففي الاجتماعات الاخيرة للجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية الخليجية نوقشت مسودة النظام الأساسي للسلطة النقدية المتوقع أن تكون مسؤولة عن إصدار العملة الخليجية الموحدة، ومن المنتظر ان تكون توصيات هذه اللجنة قد اقرت من قبل لجنة التعاون المالي والاقتصادي التي تضم وزراء المالية والاقتصاد بدول المجلس قبل ان تدرج على جدول قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربي بالرياض لمناقشتها واعتمادها. ويتناول النظام الأساسي طبيعة العلاقة بين السلطة النقدية الخليجية المشتركة والبنوك المركزية والأمور المتعلقة بإصدار العملة الخليجية الموحدة والاحتياطيات الواجب توفيرها لهذه العملة . وقد استعانت دول المجلس في اعداد مسودة النظام الاساسي من تجربة الاتحاد الاوروبي حيث تولى البنك المركزي الأوروبي تقديم دراسة حول الاتحاد النقدي والاحتياطيات المطلوبة لكن الدراسة لم تحدد احتياطيات مقترحة لذلك تاركة الامر لمجلس المحافظين في دول المجلس.

ومن بين القضايا التي نوقشت في الاجتماعات الفنية الامور السيادية المتعلقة بالسلطة النقدية المشتركة والمتطلب تاسيسها لاقامة الاتحاد النقدي واصدار العملة واصدار العملة الموحدة كما تمت مناقشة الإطار التشريعي والتنظيمي للسلطة النقدية المشتركة والاستعدادات الفنية للجان المنبثقة عن لجنة المحافظين والخاصة بإقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة في أول يناير 2010.

وتجدر الاشارة هنا الى أن لجنة التعاون المالي والاقتصادي ولجنة المحافظين تقدمت باقتراح بالجدول الزمني للوصول للعملة الخليجية المشتركة واقره المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون في دورته الحادية والعشرين في ديسمبر 2001 وبموجبه ربطت دول المجلس أسعار صرف عملاتها بالدولار الأميركي كمثبت مشترك بنهاية 2002 وهذه هي المرحلة الأولى من مراحل متطلبات إقامة الاتحاد النقدي بين دول المجلس ثم بدأت المرحلة الثانية بالتهيئة لتوحيد العملة حيث تم إنشاء وحدة الاتحاد النقدي بالأمانة العامة لدول مجلس التعاون التي عملت على التنسيق بين دول المجلس في ما يتعلق بتحقيق التقارب في معايير الأداء الاقتصادي ذات العلاقة بالاستقرار المالي التي اقرها المجلس الأعلى في قمة ابوظبي في ديسمبر 2005 وهي معايير التقارب النقدي التي تشمل معدلات التضخم وأسعار الفائدة ومدى كفاية احتياطيات السلطة النقدية من النقد الأجنبي كما تتضمن المعايير وتشمل نسبة العجز السنوي في المالية الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون والتي ستكون في حدود 3% ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وتتناول المرحلة الثالثة والتي تجري المناقشات بشأنها حاليا الخطوات العملية لإصدار العملة بما في ذلك تسميتها وفئاتها وأسلوب طرحها للتداول وتحديد نظام صرفها وإقامة المؤسسات الخاصة بها ويتوقع انجاز ذلك وإصدار العملة الموحدة في موعد أقصاه الأول من يناير 2010.

وقد تم الاتفاق على يتم اضافة 2% الى معدل التضخم الوسطى لدول مجلس التعاون كهامش تذبذب. كما تم الاتفاق على معايير تقارب الأداء الاقتصادي ذات العلاقة بالاستقرار المالي والنقدي اللازم لنجاح الاتحاد النقدي والنسب المتعلقة بهذه المعايير ومكوناتها وكيفية احتسابها من خلال الاعتماد على مختلف الإحصاءات المالية والنقدية والبيانات الأخرى ذات العلاقة.

كما تم الاتفاق على الاعتماد على تعريف دليل ميزان المدفوعات وفق ما ورد في «الطبعة الخامسة» الصادرة عن صندوق النقد الدولي لاحتياطات السلطة النقدية من النقد الأجنبي. ووفقاً لمصادر اقتصادية خليجية فإن الانتهاء من هذه المرحلة يعني التمهيد بصورة نهائية لتسمية العملة الموحدة وفئاتها ومواصفاتها وأسلوب طرحها للتداول وآلية سعر صرفها وذلك بحلول العام 2008 تمهيداً لمرحلة التنفيذ الفعلي للاتحاد النقدي في العام 2010.

وبالقدر الذي تبدو فيه الوحدة النقدية الاوروبية نموذجا لدول المجلس، فإن هذه الدول تدرك التفاوت في حجم اقتصاديات دول المجلس مع الاقتصاد الاوروبي الذي يضم كتلة بشرية تزيد عن 300 مليون نسمة وتستأثر بأكثر من 2% من التجارة العالمية. لكن هذا التفاوت لم يمنع من اعتماد بعض المعايير الاوروبية كمعايير استرشادية تضبط اسعار العملة الخليجية وتضمن استقرارها. فالاتحاد الاوروبي اشترط أن لا تتجاوز العجز في ميزان المدفوعات نسبة 3%. وألا يتجاوز التضخم معدل 2% سنويا، وهو هدف لا يظهر التاريخ الاقتصادي أن دولا كثيرة استطاعت تحقيقه. وحسبما ذكر أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية عبد الرحمن بن حمد العطية الذي كان يشارك في اجتماعات محافظي البنوك المركزية الخليجية، فإن لجان الاتحاد النقدي الخليجي والإشراف والرقابة على الجهاز المصرفي ونظم المدفوعات على وشك اتخاذ خطوات عملية والارتباط بالتزامات مالية لربط نظم المدفوعات بدول مجلس التعاون بما يهيئها للتعامل بالعملة الموحدة ولطباعتها نظراً لما يتطلبه ذلك من وقت طويل فضلاً عن ضرورة سرعة إنشاء سلطة نقدية مشتركة تقوم بحسم هذه الأمور وبمتابعة تحقيق معايير التقارب المالي والنقدي ليتمكن مجلس التعاون من الالتزام بالبرنامج الزمني الذي اقره المجلس الاعلى.

والنقطة الخلافية التي بدأت تبرز على السطح هي المقر المقترح للمصرف المركزي الخليجي والذي تتنافس على استضافته الى الآن ثلاث دول هي الامارات والبحرين وقطر. ويبدو ان دولة الامارات هي الاوفر حظا باعتبار انها الدولة الاولى التي تقدمت بطلب استضافة المقر، وكان ذلك قبل عامين. وبغض النظر عن المراحل التي قطعتها دول مجلس التعاون باتجاه اقرار العملة الموحدة فإن من الواضح ان القرار النهائي بهذا الشأن ليس قرارا فنيا بل هو قرار سياسي. فمن الناحية الاقتصادية البحتة فإن الحيوية التي تتمتع بها اقتصادات دول المنطقة والموارد المالية الكبيرة التي تتوفر لديها كفيلة بتجاوز وهضم أي عقبات فنية. اما البعد السياسي لقرار العملة الموحدة فيعني ان دول المجلس تخطو خطوة اضافية كبيرة باتجاه الوحدة السياسية. فعندما تتوحد عملات دول المجلس تتشابك اقتصادات دول المنطقة وتنشأ مؤسسات خليجية عابرة للحدود يصبح معها الحديث عن السيادة الوطنية للدول الاعضاء غير مقبول وغير ممكن.