تصحيح سوق الأسهم هل وصل المحطة الأخيرة؟

TT

ليس هناك مرجع أعلى أو أوثق من سلطان ناصر السويدي محافظ مصرف الإمارات المركزي، لسؤاله عن حال السوق. فإذا سارت السوق باتجاه مغاير لما ذكره المحافظ، نكون أمام معضلة يصعب تفسيرها.

محافظ المصرف المركزي الإماراتي الذي لديه صورة بانورامية عن الأوضاع الاقتصادية الكلية في الإمارات، فضلا عن سيل من المعلومات الخاصة بالمتغيرات الإقليمية والدولية، قال ان السوق وصلت (تقريبا) إلى نهاية عملية التصحيح، وهو التعبير الاقتصادي المخفف لتوصيف حالة الانهيار، التي أصابت الأسعار وحركة التداول على مدى عام كامل. وهذا الكلام جاء معززا لما كان قد صرح به الدكتور عبد الله الطريفي رئيس هيئة الأوراق المالية الإماراتية، الذي أكد بدوره نفس المعنى وأعطى نفس التصور. ومع ما يبعثه كلام المحافظ وكلام رئيس هيئة الأوراق المالية من حماسة بين المتعاملين، إلا انه يجب التنبيه إلى أن الوصول إلى نهاية حركة التصحيح، لا يعني أن الأسواق على وشك استعادة ما فقدته خلال عمليات المضاربة المحمومة، التي اتسمت بها تعاملات العام الحالي والعام السابق له. فالتصحيح من الناحية اللغوية هو تعديل المسار وتغيير الأسلوب والرجوع عن الخطأ. وبالتالي فإن إتمام عملية التصحيح أو الاقتراب منها لا يعني تهيئة المسرح لتكرار نفس الدور وارتكاب نفس الأخطاء والقيام بنفس الممارسات. التصحيح من الناحية الاقتصادية هو وصول الأسعار إلى المستويات العادلة التي تعكس أداء الشركات واوضاع السوق ومستوى النمو وكافة المؤشرات الاقتصادية، التي تؤثر على حركة الأسهم. وهناك العديد من الشواهد على ان حركة الأسهم تتجه إلى استقرار نسبي في أسعارها. صحيح ان هذه الأسعار ما زالت منخفضة كثيرا عن المستويات التي وصلتها في الماضي، الا أنها وصلت بانخفاضها إلى حد لم يعد من الحكمة بيعها، مما دفع كثير من المتعاملين للتريث في عمليات البيع، الأمر الذي انعكس على مستويات العرض، وفي ما بعد على الأسعار، التي استعادت شيئا من تماسكها وبدأت تتجه بحذر اتجاها تصاعديا.

وقد أظهرت الأسواق المالية الإماراتية الأسبوع الحالي نوعا من الاستجابة لحالة التفاؤل، التي بثتها تصريحات محافظ المصرف المركزي ورئيس هيئة الأوراق المالية. وجاء تحسن الأسعار وحركة التداول ليعزز ما ذهب إليه كثير من المحللين بأن الأسواق المالية في المنطقة لا تزال واعدة، وان انخفاض الأسعار ليست له دائما مبررات منطقية، خاصة عندما تتجه هذه الأسعار اتجاهات تتعارض مع مستوى الربحية التي تحققها الشركات أو تتناقض مع مستوى النمو في مشروعاتها وموجوداتها. وإذا كنا نودع عاما صعبا عانى فيه الكثيرون من الخسائر وأوجد لديهم مشاعر احباط عديدة، فإن الفرصة لا تزال مواتية لجولة استثمار جديدة في السوق المالية، خاصة ان العديد من المستثمرين وصلوا الى درجة من المناعة واكتسبوا مستويات من الخبرة التي تجنبهم الانزلاق نحو عمليات غير مضمونة ومبنية على مضاربات قصيرة الأجل، لا تحقق لاصحابها ما ينشدون، بل قد تأتي على ما يملكون. وميزة الاستثمار في المرحلة المقبلة لا تكمن فقط في مستويات الأسعار الجذابة، بل في تعدد الخيارات أمام المستثمرين. فهناك عشرات من الشركات المساهمة الجيدة، كما أن أمام المستثمرين فرصة التنقل باستثماراتهم من سوق إلى أخرى بفضل التكنولوجيا الحديثة أو بفضل التعاون بين الأسواق المالية. كما أن الأسواق في المرحلة المقبلة ستعتمد على خبراء اكثر وعيا بالمهنة، مما كان عليه الوضع سابقا. ففي غمرة الانشغال بالمضاربات المالية دخلت عشرات من الكوادر الشابة إلى السوق كوسطاء أو محللين، مما وفر للمستثمرين فرصة التعرف على حالة السوق بشكل علمي بعيدا عن تحليلات ذلك الأعور الذي كان يوصف بأنه زرقاء اليمامة لا لشيء إلا لانه كان الأعور الوحيد في مجتمع من العميان!

* الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية الإماراتية