السعودية: «العقاريون الجدد» يقللون مساحة السكن ويرفعون الأسعار

مواطن يقترح بدلا للإيجار لحين صرف القرض العقاري.. وآخر يطالب بتحقيق شعار «المسكن حق إنساني»

TT

وصف مواطن سعودي أصحاب المكاتب العقارية وملاك العمارات والشقق السكنية بوصف جديد، نظرا لجشعهم وإلحاقهم الضرر النفسي والمالي بكثير من المواطنين، كما يقول عندما رفعوا أسعار الإيجارات من دون مراعاة لأحوال عملائهم. ووصف المواطن هؤلاء بكل عفوية بـ«العقاريين الجدد» الذي يتحايلون ألف مرة على المواطن لرفع الإيجار أو تهديده بالطرد من سكنه الآمن، ويعملون على نظرية «تصغير مساحة السكن وزيادة السعر» بالنسبة للعمارات الجديدة، خلال السنوات الخمس الماضية. وأرجع أحد العاملين في قطاع العقار وإدارة الأملاك هذا الارتفاع إلى كثرة الطلب وقلة العروض بشكل كبير جدا، وبحث المستثمرين العقاريين عن الربح السريع لتحصيل رأس المال مبكرا، بخلاف السابق، حيث ينتظر المستثمر أكثر من 10 سنوات أحيانا لتحصيل رأس المال.

وقطع ارتفاع أسعار العقارات بالسعودية، وخاصة أسعار الإيجارات للمنازل والشقق السكنية، فرحة الملايين من المواطنين برفع رواتبهم، حيث لم تدم هذه الفرحة طويلا، وقالت مصادر عقارية لـ«الشرق الأوسط» إن نسبة الارتفاع تراوحت بين 20 في المائة و50 في المائة بحسب الحي والمدينة. وتضرر عدد كبير من المواطنين الذين لا يملكون سكنهم الخاص، وخاصة المتقاعدين منهم بهذا الارتفاع، حيث أن نسبة المتقاعدين الذي لا يملكون سكنا خاصا في السعودية بحسب الدراسات الميدانية، وصلت إلى أكثر من 40 في المائة. ويقول عيد العنزي، 56 عاما، وهو متقاعد إنه اضطر للعمل لمدة ثماين ساعات يوميا في أحد الأسواق التجارية، لكي يستطيع أن يوفر مصروفات أسرته، وخاصة بعد أن تم رفع إيجار منزله السنوي.

ويقول أحمد السلمي «موظف حكومي» إن أسعار الإيجارات في ارتفاع مطرد، وخصوصا بعد المكرمة الملكية، فمثلا رفع المكتب العقاري الذي يتعامل معه سعر شقته بحدود 4 آلاف ريال عن السعر السابق. ويقترح السلمي على الحكومة صرف بدل إيجار مع الراتب لكل مواطن لم يأخذ قرضا عقاريا من صندوق التنمية العقاري، ويشير إلى أن صرف هذا البدل يكون ساريا لحين حصول المواطن على قرض، وعند حصوله على القرض العقاري يتم إيقاف هذا البدل عنه، لأن القروض العقارية تتأخر لمدة تزيد عن 20 سنة حاليا، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأراضي إلى مبالغ أكثر من قيمة القرض العقاري نفسه أحيانا، وكذلك ارتفاع قيمة المواد الاستهلاكية اليومية، مشددا على أهمية مراقبة أسعار العقارات في حال تبني مثل هذا الاقتراح وصرف بدل إيجار للمواطنين. ويرى السلمي حلا آخر بأن تقوم الحكومة بالتعاون مع شركات محلية أو عالمية ببناء وحدات سكنية ذات تصاميم معمارية حديثة، ومن ثم تقسيطها على المواطنين، بدلا عن القروض العقارية، وتكون مثل قيمة الإيجارات التي يتم دفعها حاليا من دون فائدة لمستقبل المواطن البسيط.

ويشتكي عبد الله الأسمري «موظف قطاع خاص» من أنه يقوم بدفع ربع دخله السنوي لإيجار شقته الصغيرة جدا، مقارنة بتصميم الشقق القديم، ويقول إنه وجد شققا بسعر أقل، لكنها بعيدة عن مقر عمله في أحياء سكنية غير آمنة وغير نظيفة، وهذا لا يحقق العيش الكريم والآمن لأفراد أسرته التي يعولها بصعوبة بالغة بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات والمواد الغذائية أيضا، ويضم الأسمري صوته لصوت السلمي، مقترحا إما صرف بدل إيجار للمواطنين من الحكومة أو إلزام جميع شركات القطاع الخاص بذلك لحين صرف القرض العقاري ومراقبة الأسعار أيضا لكي لا ترتفع مجددا، أو توزيع مباني سكنية حديثة وجيدة للمواطنين، تكون عوضا عن الانتظار الطويل للقرض العقاري، وتكون بأقساط ميسرة تخصم مباشرة من الراتب.

وينتقد يعقوب البريكان أصحاب المكاتب العقارية والعمارات وملاك الشقق السكنية وسماهم «العقاريين الجدد» كونهم ساهموا بشكل مباشر وأساسي بهذا الارتفاع في أسعار الإيجارات وإلحاق الضرر النفسي والمالي بالمواطنين، الذين لو كانوا في حال جيدة لما عمدوا إلى البحث عن سكن بالإيجار. ويرى البريكان أن رفع الإيجارات غير مبرر كحال مثلا المواد الاستهلاكية والأدوية التي يكون عليها رسوم وجمارك وتحكم في الأسعار من خارج السعودية، بينما الشقق والمنازل لا يوجد عليها رسوم استيراد أو زيادة مصروفات تجبر ملاكها على رفع أسعار إيجارها. ويؤكد البريكان أن هذا التصرف غير أخلاقي، ولا يدل على أي حسن بالتعامل أو أننا في بيئة إسلامية قائمة على التكاتف ومساعدة بعضنا البعض، وخاصة في مثل هذه الظروف التي يمر بها المواطنون. وينتقد البريكان وبشدة نظريات العقاريين الجدد، التي تنص على «تصغير السكن وزيادة السعر»، حيث يقومون ببناء عمارات ومنازل وشقق سكنية صغيرة الحجم جدا، ثم يرفعون من قيمة الإيجارات على الزبائن، وخاصة عملاء لديهم منذ سنوات ويخلقون الأكاذيب والحيل لزيادة الإيجارات من دون مراعاة لحالتهم المادية، حيث يصل الأمر أحيانا إلى تهديدهم بالطرد إن لم يدفعوا مبالغ أكثر من السابق والكذب عليهم كحاجتهم للشقق لزواج الابن أو سكن الأخ، ومن ثم تأجيرها على زبون جديد بسعر أعلى.

ويرجع وليد العليوي صاحب مكتب روابي الدائري للعقارات وإدارة الأملاك، السبب الرئيس لارتفاع الإيجارات إلى المكرمة الملكية في زيادة الرواتب، وكذلك كثرة الطلب وقلة العروض، خاصة في المناطق مثل الرياض. وعن قلة العروض قال إن سببها ابتعاد كثير من المستثمرين عن سوق العقار، ودخول كثير منهم في سوق الأسهم الذي يعود بدخل شهري أكثر من الدخل السنوي للعقارات، وأيضا صعوبة وطول الإجراءات القضائية المعمول بها لمتابعة المستأجرين المتأخرين عن السداد. وهذا ما أدى بالبعض منهم بعدم التفكير في دخول سوق البناء والتأجير، وبالتالي نقص العروض في ظل زيادة الطلب. وعن طبيعة التوجه الجديد الذي يعمل وفقه العقاريون وهو تصغير مساحة السكن ورفع الأسعار، أكد العليوي بأن هذا يرجع أيضا إلى ارتفاع الطلب بشكل كبير الذي يقابله نقص مستمر في العروض، وكذلك رغبة المستثمرين بربح سريع ووفير سنويا وعدم الانتظار لسنوات لتحصيل رأس المال.

ويرى علي الشمري، أن ارتفاع أسعار الإيجارات وصعوبة تملك المنزل الخاص طيلة سنوات عديدة يشغل تفكيره وأذهان كثير من المواطنين، ويشتت تفكيرهم لحين تملكهم للسكن. ويقول الشمري إن خيار الشراء بالتأكيد أفضل بكثير من الاستئجار، إلا أن الوضع المادي لحاله وحال الكثير من المواطنين وغلاء أسعار الأراضي وتأخر صدور القروض العقارية لسنوات عديدة، هو ما حد من قدرتهم على التملك والبحث عن سكن إيجار والعيش في دوامة طويلة من صرف المال على الإيجارات والتفكير والقلق حول مستقبل هذا السكن، سواء إذا تم رفع سعر إيجاره أو الخروج منه بناء على رغبة المؤجر، ومن ثم البحث عن سكن جديد، وبكل تأكيد لا يقل عن السعر الأول.

وتحدث الشمري عن ضرورة إيجاد قانون لحماية المستأجرين المواطنين والأجانب، وخاصة المتقاعدين منهم الذي لم يحصلوا على سكنهم الخاص من طائلة ارتفاع الإيجارات، والمضي قدما لتحقيق شعار يوم الإسكان العربي لعام 2007 «المسكن حق إنساني» لأن هذا الشعار من اقتراح وزارة الاقتصاد والتخطيط بالسعودية مؤخرا.